خلف رصد أزيد من 10 ملايين قضية سجلت في المغرب بين عامي 2002 و2022، أي 20 سنة، يكمن جهد تأسيسي جبار لجمع وتوحيد هذه البيانات، كشفت عنه صوفانا بن يحيى، رئيسة قسم "المرصد الوطني للإجرام" (ONC) " بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، الذي أصدر، بحر الأسبوع الماضي، تقريره التحليلي الأول تحت عنوان "معالم إحصائية للجريمة بالمغرب في 20 سنة (2022-2002)"، في هذا الحوار مع جريدة "الصحراء المغربية".
يستند التقرير إلى عشرين عاما من البيانات القضائية. ما هــي التحديات الرئيسية التي واجهتكم أثناء جمع هذه البيانات ورقمنتها وتوحيدها؟
يندرج هذا العمل في إطار مجهود يهدف إلى تكريس الذاكرة المؤسساتية حول الجريمة بالمغرب. وهو يمثل عملا تأسيسيا يهدف إلى جمع وتوحيد الرصيد الإحصائي الجنائي المتاح على مدى عقدين (2002-2022)، بهدف إنشاء قاعدة بيانات مرجعية تتيح إجراء تحليلات علمية للاتجاهات الكبرى للظاهرة الإجرامية.
وقد انصب المجهود الأولي على تجميع ومعالجة وتحليل ثلاثين عاما من الإحصاءات الجنائية، إلا أنه ولاعتبارات علمية تتعلق باستمرارية وتوفر بعض البيانات لضمان اتساق السلسلة الزمنية، احتفظنا بعشرين سنة كفترة مرجعية.
كانت التحديات متعددة:
. تجميع البيانات: كان من الضروري توحيد أرشيفات ذات طبيعة متنوعة، تشمل سجلات ورقية (تمت رقمنتها ومعالجتها)، وقواعد بيانات إلكترونية غير متجانسة، لضمان الاستمرارية الزمنية.
. توحيد التصنيفات: أعيد تصنيف البيانات وفقًا لفئات القانون الجنائي والقوانين الخاصة، ما يضع الأسس لنظام ترميز موحد في المستقبل.
. تحليل الاتجاهات: ركزت الدراسة على تحليل تطور حجم القضايا المسجلة وعدد الأشخاص المتابعين، بالإضافة إلى بنية الجريمة حسب طبيعتها، ما يعكس التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المغرب خلال العقدين الماضيين.
إلى أي مدى تعكس هذه الإحصاءات حقيقة الجريمة في المغرب، بما فيها تلك التي لا يتم الإبلاغ عنها أو متابعتها؟
من الضروري التوضيح أن هذه الإحصاءات تتعلق بالمتابعات المسجلة. وبالتالي، فهي لا تدعي تغطية السلسلة الجنائية بأكملها، خاصة المراحل السابقة (الشكايات المقدمة والمحاضر على مستوى الشرطة والدرك، التحقيقات...) أو اللاحقة (الأحكام، الإدانات). بالإضافة إلى ذلك، وكما هو الحال مع أي إحصاء جنائي رسمي، فإنها لا تقيس ظاهرة الإجرام بأكملها، والتي تشمل جزءا غير مرئي، يُطلق عليه غالبا «الرقم الأسود» للجريمة، والذي يتوافق مع الجرائم التي لا يتم الإبلاغ عنها أو متابعتها.
ومع ذلك، تشكل هذه البيانات مؤشرا مرجعيا وأساسيا لاتجاهات الجريمة المتابعة، وتسمح بموضوعية النقاش العام على أسس واقعية متينة. إنها توفر نقطة انطلاق أساسية لفهم النشاط القضائي في المادة الجنائية.
يكشف التقرير عن أرقام غير مسبوقة على مدى عقدين. ما هي، في رأيكــــــم، الدروس الرئيسية التي يمكن استخلاصها من هذا التطور للجريمة في المغرب؟
يتيح التحليل الواقعي للبيانات على مدى عشرين عاما استخلاص عدة استنتاجات رقمية، دون تفسيرات متسرعة:
• اتجاه عام نحو ارتفاع حجم النشاط القضائي: بين عامي 2002 و2022، إذ تم تسجيل 10.094.605 قضايا، ما أدى إلى متابعة 12.346.852 شخصا. وشهد عام 2022 ذروة مع تسجيل 1.171.000 قضية.
• بنية الاحصائيات موضوع الدراسة تهيمن عليها القوانين الخاصة: ما يقرب من نصف القضايا (48.8 في المائة) تتعلق بقوانين محددة مثل قانون السير أو التشريع المتعلق بالمخدرات. وتمثل الاعتداءات على الأشخاص الفئة الثانية بـ 2.249.191 قضية (22.2 في المائة)، تليها الاعتداءات على الممتلكات (15.7 في المائة).
• ملاحظة اتجاهات محددة: تظهر البيانات زيادة مستمرة في الجرائم ذات الطابع الاقتصادي والإداري، بالإضافة إلى ارتفاع تدريجي في الجرائم الإلكترونية منذ عام 2003. وتستند هذه الاستنتاجات فقط إلى تطور القضايا المسجلة.
كيف تفسرون ذروة الجريمة المسجلة خلال فترة جائحة كوفيد- 19، والظهور الموازي لأشكال جديدة من الجرائم مثل الجرائم الإلكترونية؟
الذروة التي لوحظت في عام 2022 هي ظرفية إلى حد كبير، وتأثرت بالجرائم المتعلقة بانتهاك حالة الطوارئ الصحية (كوفيد-19)، والتي شكلت حجما كبيرا من القضايا. في موازاة ذلك، قد تكون الرقمنة المتسارعة للمجتمع خلال هذه الفترة قد عززت زيادة الجرائم الإلكترونية، وهو اتجاه أساسي لوحظ منذ عام 2003 وتفاقم على الأرجح مع الاستخدامات الرقمية الجديدة.
هل يعكس ارتفاع الجرائم الاقتصادية والمعلوماتية فراغًا قانونيًا، أم ضعفًا في الرقابة، أم تحسنًا في الكشف والإبلاغ؟تفسير هذا الارتفاع متعدد العوامل. يعكس بالفعل تحسنا في آليات الكشف والإبلاغ من قبل الضحايا والمؤسسات. وقد يكون مرتبطا أيضا بتعقيد الاقتصاد ورقمنة المعاملات. تقتصر الدراسة على رصد هذا الاتجاه بناء على البيانات المسجلة، وستكون هناك حاجة إلى تحليلات أكثر تعمقا لتحديد أسبابه الدقيقة.
هل لاحظتــــم تغييــرا في الوجـــــه السوسيولوجي لمرتكبي الجرائم بمرور الــوقت - العمـــر، المستـــوى التعليـمي، الأصــل الاجتـماعــــي؟
تركز هذه النشرة الأولى على البيانات المجمعة (حجم وطبيعة الجرائم). لم يتم تناول المتغيرات المتعلقة بالملف الاجتماعي والديموغرافي للمرتكبين (العمر، الجنس، المستوى التعليمي، إلخ) بشكل واسع في هذه المرحلة الأولية. ويشكل إثراء قاعدة بياناتنا بهذه المتغيرات منظورا تطويريا رئيسيا لأعمالنا المستقبلية.
كيف يمكــــن لهذه البيانات أن توجـــه تصميم أو مراجعة السياسات الجنائية والوقائيــــة في المغــــرب؟
توفر هذه البيانات مرجعا مهما لتوجيه السياسات العامة. فهي تتيح تحديد البيانات الضخمة، ومتابعة تطور ظواهر محددة (مثل الجرائم الإلكترونية)، وتكييف الاستجابات الجنائية واستراتيجيات الوقاية وفقًا لذلك. الهدف هو الانتقال من سياسة جنائية قائمة على التصور إلى سياسة قائمة على الأدلة.
كيف يتم تنظيم التنسيق بين المرصد ورئاسة النيابة العامة والأجهزة الأمنية لتبادل هذه المعلومات وتثمينها؟
يتم تنظيم التنسيق على عدة مستويات. على المستوى العملي، يتم ضمانه من قبل لجنة علمية ولجنة تقنية، يمثل فيهما جميع الفاعلين المؤسساتيين في السلسلة الجنائية (رئاسة النيابة العامة، المديرية العامة للأمن الوطني، الدرك الملكي، إلخ). على المستوى القانوني، عززت المراجعة الأخيرة لقانون المسطرة الجنائية هذا التكريس. يمنح الفصل 51-3 الآن للمرصد الوطني للإجرام صلاحية "أن يطلب من السلطات القضائية والأمنية والإدارية تزويده بالبيانات الإحصائية والمعلومات والوثائق اللازمة المتعلقة بالمهام الموكلة إليه". هذا التكريس التشريعي يضفي الطابع الرسمي على آليات التنسيق، ويعززها.
ما هي الخطوات التاليـــــة للمرصد بعد هذا التقريــــــر التأسيسي الأول؟ هل تخططون لدراســــات مواضيعية أو إقليـميـــــة أكثر استهدافا؟
نعم، يشكل هذا التقرير خطوة أولى. ستشمل الخطوات التالية إثراء قاعدة البيانات، وإجراء دراسات مواضيعية أكثر استهدافًا حول ظواهر إجرامية محددة. كما يتم التفكير في إجراء تحليلات على المستوى الإقليمي لفهم أفضل للديناميكيات المحلية للجريمة.
كيف تعتزمون إشــــــــراك الباحثين أو الجامعات أو مراكز الدراسات المغربية في الاستغلال العلمي لقاعدة البيانات هذه؟
يعد إشراك المجتمع العلمي أولوية. ويعد إتاحة البيانات للعموم عبر موقعنا الإلكتروني خطوة أولى. بالإضافة إلى ذلك، جسد المرصد الوطني للإجرام هذه الإرادة من خلال توقيع اتفاقيات شراكة مع الجامعات المغربية الـ12 في 15 نونبر 2024. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تأطير وتشجيع الاستغلال العلمي لقاعدة البيانات هذه، وتطوير مشاريع بحثية مشتركة، وتحفيز إنتاج المعرفة في مجال علم الجريمة في المغرب.
هل يقتصــــر دور المرصـــــد الوطنــــي للإجرام على الوصف فقط؟ أم أنكــــم تعتزمون تطوير مؤشرات تنبؤية تسمح بتوقع بعض الظواهــــر الإجرامية؟
في المرحلة الأولى، يقتصر دورنا بشكل أساسي على الوصف والتحليل: وضع تشخيص دقيق. على المدى الطويل، ومع إثراء سلاسل بياناتنا وتطوير قدراتنا التحليلية، من المتصور وضع مؤشرات للمتابعة والاستشراف، بالتعاون مع شركائنا.
هل تعتزمــــــون نشر بارومتر سنــوي للجريمـــة في المغـــرب بانتظــام؟
نعم، الطموح هو جعل هذه النشرة موعدًا منتظمًا. ويعد إنشاء بارومتر سنوي للجريمة جزءا من أهدافنا الاستراتيجية لضمان متابعة مستمرة ومحدثة للظاهرة الإجرامية في المغرب.
أخيرا، ما هي الرسالة التي تودون توجيهها للمواطنين المغاربة في ضوء هذه الأرقام: هل يجب أن يقلقوا؟ أم أن هذه الشفافية تبعـــــث على الاطمئنـــــان؟
الرسالة الرئيسية هي رسالة الشفافية والموضوعية. يهدف نشر هذه الأرقام، لأول مرة على مدى فترة طويلة كهذه، إلى إثراء النقاش العام على أسس واقعية. وبعيدا عن إثارة القلق، يجب النظر إلى هذه المبادرة على أنها خطوة مؤسسية علمية لفهم أفضل من أجل عمل أفضل. إنها الخطوة الأولى التي لا غنى عنها لتكييف السياسات العامة وتعزيز فعالية العدالة الجنائية في بلدنا.