الكاتب السوري سومر شحادة: الرواية تحتاج إلى مفردات الروح لا إلى معادلات الذكاء الاصطناعي

الصحراء المغربية
الخميس 13 نونبر 2025 - 13:21

من عالم الإلكترونيات وهندسة الاتصالات إلى عوالم الأدب، شق الكاتب السوري سومر شحادة طريقه في عالم الرواية العربية الواسع، تاركا لنفسه صدى طيبا وواسعا بعد روايتين، الأولى بعنوان "حقول الذرة" الحائزة على جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، والثانية بعنوان "الهجران" التي نالت جائزة نجيب محفوظ لأفضل عمل عربي في دورتها الثالثة عام 2021، وهي الجائزة التي يقدمها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، المختلفة عن تلك التي تقدمها الجامعة الأمريكية في القاهرة، والتي تحمل الاسم نفسه.

حل سومر شحادة ضيفا على معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ44، ليتقاسم تجربته الأدبية والإنسانية من خلال ندوة أقيمت حول موضوع "الهوية الاجتماعية"، عن هذه التجربة وعن رأيه في الأدب العربي والمغربي خاصة، كان لـ"الصحراء المغربية" مع هذا الروائي والصحافي الشاب الحوار التالي.

هذه مشاركتك الأولى في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كيف وجدت التجربة؟
هي بالفعل مشاركتي الأولى، سواء كزائر للمعرض أو ككاتب. كانت فرصة جميلة أن ألتقي بالكثير من الأصدقاء الذين كنت أعرفهم من بعيد، فرأيتهم هنا في المعرض. كما كانت مناسبة لأتحدث عن تجربتي خلال الندوة التي شاركت فيها حول "الهوية الاجتماعية".
تحدثت عن نفسي ككاتب سوري، أصدر كتبا عن سوريا من واقع الانتماء، فقد عشت الحرب كتجربة، ولم أسمع عنها فقط، وأنا أؤمن أن الهوية الاجتماعية خاضعة دائما لمعادلات متغيرة حسب تغير الواقع، وفي كل فترة نعيش واقعا جديدا بسبب سلطة الأمر الواقع التي تتحكم بالمكان، لذلك أشعر أننا ككتاب سوريين في اختبار دائم لهويتنا، من نحن؟ ما أزماتنا؟ كيف نعرف أنفسنا وسط كل هذه المتغيرات؟ وكيف يرانا الآخرون؟

كيف انعكست الحرب السورية على تجربتك الأدبية؟
عشت الحرب عن قرب، ولم أكن معنيا بطرحها كصراع بين خصوم، بل كحالة إنسانية تصنع شخصيات معقدة يصعب الحكم عليها بالخير أو الشر. كانت تلك الشخصيات غنية بأزماتها، تماما كما المكان نفسه المليء بالأزمات. الواقع الذي عشته كان واقع حرب، لذلك لم أكن مهتما بكتابة عناوين كبيرة عن الحرب، بل تطرقت إلى تفاصيلها الإنسانية الصغيرة.

درست هندسة الاتصالات والإلكترونيات، فكيف حدث الانتقال إلى عالم الأدب؟
(ضاحكا)، في السنة الثالثة من دراستي قررت أن أكون كاتبا، رغم أنني كنت قد تورطت بالهندسة، وأظن أن الكاتب لا تصنعه الجامعة، بل الحياة وتجاربها، كل احتكاك لنا بالآخرين، بغض النظر عن طبيعة المهنة (صحافي، محامي، مهندس)، يشكل جزءا من وعينا الإبداعي.
الهندسة علمتني الدقة والانتباه إلى التفاصيل، وهي عناصر انعكست في الأدب أيضا. وأرى أن الكتابة مثل الهندسة فيها نظام خفي وبنية متماسكة، لكن الفرق أن الأدب يستخدم لغة الإنسان ومشاعره، لذلك لم أترك الهندسة فعليا، بل أخذت منها منهج التفكير المنظم ووضعته في خدمة السرد.

متى كانت بدايتك الفعلية في الكتابة؟
بدأت فعليا عام 2016، لكن التجربة الشخصية سبقت ذلك بسنوات، كنت قد كتبت رواية عام 2009، وجهزتها للنشر عام 2012، لكنها كانت تحكي عن "قصة حب"، في تلك الفترة بدأ البلد يتفتت فعلا، وشعرت أن من غير المناسب أن أنشر رواية عن الحب وسط كل ما يجري. شعرت أنني مدين للمكان الذي أنتمي إليه، لأهلي والناس الذين أحبهم، فقررت تأجيل نشر الرواية وكتبت رواية أخرى عن الحدث السوري نفسه بعنوان "حقول الذرة"، وأرسلت هذه الرواية التي كانت صادمة إلى جائزة الطيب صالح، وفزت بها، ومن هناك بدأ مساري الحقيقي عام 2016، رغم أن التجربة بدأت قبل ذلك بكثير.

هل تغيرت كتابتك أو أفكارك في الكتابة بين بداياتك واليوم خاصة بعد فوزك بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية في دورتها الثالثة لعام 2021؟
الاختلاف لم يكن في الأفكار ولا في الحرص على جودة ما نكتب، بل في الوعي بمسؤولية الكلمة، عندما تشعر أن كلماتك أصبحت مقروءة، تبدأ بالبحث عن أثر أوسع، لكنه في الوقت نفسه أعمق، هذا هو الفارق الأساسي، ويمكنني أن ألخص ذلك في القول إن الوعي بالمسؤولية أصبح أكبر، أما إخلاصي للفن، فلم يتغير، ولم أكن بحاجة إلى جائزة لأتأكد من ذلك، كنت دائما مخلصا للفن، وللصدق مع النص.

كيف تختار أماكن رواياتك؟
كل رواياتي كتبت في اللاذقية، وهذا نابع من انتمائي إليها، أنا لا أختار المكان، بل هو الذي يختارني. الكاتب لا يختار موضوعاته، بل الموضوعات هي التي تختاره، وهذا مبدأ أؤمن به تماما في تجربتي الأدبية.

ما آخر إصداراتك الأدبية؟
آخر أعمالي رواية "الآن بدأت حياتي"، صدرت في مصر العام الماضي. وفي العام الجديد ستصدر رواية "الهجران" ضمن مشروع ثلاثية "اللاذقية".
الكتب الثلاثة ستصدر عن دار "الكرمة" في مصر باعتبارها مشروعا متكاملا، رغم أنني في البداية قدمت كل عمل على حدة حتى يأخذ فرصته في الوصول إلى القارئ. ومع اكتمال المشروع، ستصدر الروايات الثلاث كثلاثية موحدة.

لماذا اخترت مصر لنشر أعمالك؟
لم يكن بإمكاني النشر في سوريا، لأن كتبي كانت تشكل خطرا علي في تلك المرحلة، لذلك كان الخيار الطبيعي هو السوق المصري، خصوصا أنني حصلت على جائزة نجيب محفوظ في مصر.
أرى أن مصر تمتلك سوق قراءة حقيقي، فيه تفاعل دائم بين القارئ والكاتب، وليست مجرد سوق بيع وشراء، هناك مجتمع قارئ حقيقي، وهذا مغر لأي كاتب. كتبي متوفرة في أغلب المعارض العربية، باستثناء سوريا حتى الآن.

هل أنت منفتح على الأدب المغربي؟ ومن الكتاب المغاربة الذين قرأت لهم؟
طبعا أنا منفتح على الأدب العربي عموما، والمغربي خصوصا، رغم قلة الكتب التي اطلعت عليها، آخر رواية مغربية قرأتها، كانت "الحي الخطير" وهي قديمة لمحمد بنميلود، وقد لمست فيها أثر تجارب محمد شكري. ربما تكون هذه ملاحظة جزئية لأنني لم أقرأ كل الأدب المغربي، لكن من الواضح أن تجربة شكري تركت تأثيرا كبيرا، ومازال بعض الكتاب اليوم يعيدون قراءتها أو يوسعونها بحثا عن مفردات جديدة.

كيف ترى الكتابة بالذكاء الاصطناعي؟
بصراحة، ليست لدي تجربة مباشرة مع الذكاء الاصطناعي، لكن أعتقد أنه قد يكون مفيدا في مجالات الأبحاث أو الصحافة، أما في الرواية، فالأمر مختلف تماما، لأنها تعبير عن صوت داخلي وتجسيد لعالم إنساني خاص، الرواية تحتاج إلى مفردات الروح، لا إلى معادلات التقنية. الكتابة بالنسبة لي هي صوت الإنسان في مواجهة العالم، وهذا ما لا يمكن لأي آلة أن تكتبه.




تابعونا على فيسبوك