دراجي: دعوات الإقرار القانوني باستبدال الدواء الأصلي بالجنيس قضية حساسة

الصحراء المغربية
الخميس 06 نونبر 2025 - 11:47

يسلط عبد الرحيم دراجي، دكتور في الصيدلية وفاعل في مجال الصيدلة والأدوية، الضوء على ما يعرف بـ "حق الاستبدال"، كواحد من أكثر الملفات حساسية داخل المنظومة الدوائية الوطنية.

ويأتي هذا الحوار في سياق إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إعداد دليل وطني للأدوية الجنيسة، ما شكل خطوة أعادت إلى الواجهة نقاشا، امتد طيلة السنوات الماضية، داخل الأوساط الصحية والمهنية، حول تمكين الصيدلي، بشكل قانوني، من استبدال الدواء الموصوف للمريض دون تغيير التركيبة الحيوية للدواء نفسه. في هذا الحوار، يقدم الدكتور دراجي، قراءة تجمع بين الجانب المهني والعلمي لشرح أبعاد الموضوع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، واستشراف آفاقه في ضوء التجارب الدولية واحتياجات المغرب الراهنة لتطوير منظومته الصحية وتيسير الولوج إلى الدواء.

 

وزارة الصحة تستعد للإعلان عن دليل خاص حول الأدوية الجنيسة وحق الاستبدال.، واليوم يشهد قطاع الأدوية والصيدلة نوعا من النقاش حول هذا الموضوع الذي أبرز مواقف متباينة بين مؤيد ومعارض لـ"حق الاستبدال"، كيف تنظرون إلى هذه المستجدات؟
بالفعل، إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن إعداد دليل وطني رسمي للأدوية الجنيسة أعاد الحياة إلى ملف ظل يثير الجدل لسنوات. نحن اليوم في سياق اقتصادي واجتماعي مختلف، يشهد ضغوطا مالية، فوارق في الولوج إلى العلاج، وتحديات تتعلق بفعالية المنظومة الصحية. لذلك أصبح موضوع الاستجابة لمطالب الصيادلة بالإقرار القانوني لما يعرف بـ"حق الاستبدال" للصيدلي من خلال إمكانية تعويض دواء موصوف للمريض بدواء آخر جنيس، من التركيبة الدوائية نفسها بطبيعة الحال. أنظر إلى الأمر على أنه مسألة ملحة لضمان عدالة صحية أكبر وتحسين كفاءة الإنفاق الدوائي، سيما أن للأمر فائدة اقتصادية بالنسبة إلى المريض  عبر تخفيف العبء الذي يتحمله للولوج إلى الأدوية وعلى صناديق التأمين الصحي في الآن نفسه.

 

أعتقد أنكم تتحدثون عن إمكانية استبدال دواء من التركيبة الفعالة بدواء جنيس، إلى أين وصلت اليوم التمثلات المجتمعية حول جودة الأدوية الجنيسة في المغرب؟
لم تعد جودة الأدوية الجنيسة موضوع تشكيك علمي جدي. الأطباء يعتبرونها جزءا أساسيا من الممارسة الطبية اليومية. المشكل ليس في الفعالية بل في التشريع القانوني. فبينما تسمح معظم الدول للصيدلي باستبدال الدواء الأصلي بجنيس يتوفر على معايير التكافؤ الحيوي، إلا أن النظرة إليه ماتزال مختلفة، بينما تتوفر هناك العديد من الأدلة العلمية والمهنية والأخلاقية التي تؤيده.

 

كيف تتعامل باقي دول العالم مع حق الاستبدال؟
أكثر من ثلثي دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تعتمد حق الاستبدال. في فرنسا يطبق منذ 1999، وفي ألمانيا يشكل القاعدة، وفي الدول الإسكندنافية يعتمد بشكل تلقائي. كندا والولايات المتحدة اعتمدته منذ عقود. فقط نحن نواصل التعامل معه كإجراء استثنائي رغم كوننا في مرحلة إصلاح صحي شامل وتعميم للحماية الاجتماعية.

 

ما الفوائد التي حققتها هذه الدول من اعتماد حق الاستبدال؟
الفوائد واضحة اقتصاديا واجتماعيا. فرنسا حققت مليارات الأورو من التوفير المالي، ألمانيا تجاوزت حصة استعمال الأدوية الجنيسة فيها 80 في المائة، والولايات المتحدة وفرت تريليونات الدولارات خلال السنوات الماضية. في كندا وحدها، بلغ حجم التوفير أكثر من 137 مليار دولار في خمس سنوات. هذه المبالغ الموفرة أعيد استثمارها في الابتكار وضمان استدامة الأنظمة الصحية. الأهم أيضا أن انخفاض التكلفة يحسن التزام المرضى بالعلاج ويخفف العبء عن الأسر.

 

هذا النظام حقق نجاحا في الخارج، ما الذي يضمن نجاحه في المغرب، أيضا؟
الأمر يتطلب ثلاثة شروط أساسية طبقتها الدول التي سبقتنا، أولها وضع قائمة رسمية ومحينة للأدوية القابلة للاستبدال، ثانيها الإقرار بحق الطبيب في الاعتراض وفق مبررات طبية محددة، ثم تواصل شفاف مع المريض. الوضع حاليا يحتاج إلى توفير آلية قانونية تقر حقيقة وصراحة بحق الاستبدال، وفقا لمقتضيات قانونية واضحة، مع العمل، أيضا، على تقوية ضمانة توفر التكافؤ الحيوي لجميع الأدوية الجنيسة لنظيرتها الأصلية.

 

البعض يبدي مخاوف من تأثير الاستبدال على المرضى. هل هذه المخاوف مبررة؟
المخاوف في الغالب ثقافية وليست علمية. التجارب العالمية لم تظهر أي تدهور في جودة التكفل الصحي أو تسجيل زيادة في المخاطر عند استعمال الأدوية الجنيسة. أعتقد أنه بفضل التكوين والتواصل والمتابعة، تختفي هذه المخاوف. وأؤكد أنه في كل الدول التي تعتمد الاستبدال، فإن العملية تجري في إطار الوصفة الطبية، وليس خارجها، بما يضمن احترام أدوار كل مهني صحي.

 

الصيادلة يدافعون عن هذا الحق بكونه أحد عوامل تحقيق السيادة الصحية في المغرب، كيف ترون ذلك؟
حق الاستبدال ليس فقط قضية اقتصاد صحي، بل يعتبر مسألة سيادة صحية وطنية. كلما اعتمدنا أكثر على الأدوية الجنيسة المنتجة محليا، تتقوى الصناعة الوطنية ونخلق فرص عمل ونعزز استقلالنا الدوائي، مثلما فعلت العديد من الدول، من بينها: الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا. في ظل الاضطرابات العالمية، الاستقلال الدوائي ليس رفاهية، بل أصبح ضرورة استراتيجية.

 

ألا تنظرون إلى أن الإقرار بـ"حق الاستبدال" الذي تنادون به، من موقعكم كصيادلة، يتجاوز مهام واختصاصات الأطباء الذي يصفون أدوية بعينها لمرضاهم؟ 
 أعتبر، شخصيا، أن إقرار حق الاستبدال ليس ثورة ولا تهديدا لمهنة الطب، بل هو خطوة عقلانية قائمة على العلم والمسؤولية. وتعبير عن الثقة في الصيادلة، وفي نضج منظومتنا الصحية. كما يمثل آلية للعدالة الصحية بتمكين كل مريض من دواء آمن وفعال بأقل تكلفة. آن الأوان أن يلتحق المغرب بركب الدول التي اختارت الحكمة والاستشراف بدل التردد.




تابعونا على فيسبوك