أسدل الستار، السبت بمراكش، على فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان الملحون والأغنية الوطنية على إيقاع مختارات موسيقية وخالدات طربية بنفحات وطنية بعرض مشروع "التمغربيت بالفن".
وهو عمل فني استحضر روح الأصالة المغربية برؤية فنية متجددة تمزج بين جمالية المبنى وعمق المعنى، في لوحة إبداعية متعددة الروافد والرؤى الفنية الأصيلة، حمل توقيع الفنانة سامية أحمد تأليفا وإشرافا، والعازف يونس الخزان تلحينا وتوزيعا موسيقيا، في أمسية فنية وفاء لروح الراحل الشيخ أحمد بدناوي، أحد أبرز شيوخ الملحون المعاصرين.
وشكلت الدورة العاشرة لمهرجان الملحون والأغنية الوطنية، مناسبة لتكريم رموز فنية وقامات علمية قدمت خدمات جليلة ل"ديوان المغاربة"، حيث تم الاحتفاء بالمسار الفني الرائد للأستاذ والمنشد مولاي الفاضل بلمعاشي، في وقفة تكريم واعتراف بمساهماته الخلاقة في خدمة فن الملحون والأغنية الوطنية، إلى جانب تكريم الإعلامي والجمعوي عبد الهادي هبة، عرفانا بعطائه الثقافي والإبداعي.
و تميزت دورة 2025 من مهرجان مراكش للملحون والأغننية الوطنية، المنظم من طرف جمعية الشيخ الجيلالي امثيرد، بدعم من مجلس جهة مراكش-آسفي والمجلس الجماعي لمراكش، بالإعلان عن أسماء الفائزين في "مسابقة إنشاد قصائد فن الملحون" التي تهدف إلى تشجيع المواهب الشابة وصون هذا الفن المغربي العريق من خلال دعم استمراريته بين الأجيال الصاعدة، حيث أسفرت نتائج المسابقة عن تتويج ريم نفادي بالجائزة الأولى، وفازت هبة لبيب بالجائزة الثانية، أما الجائزة الثالثة فآلت إلى يحيى لحيان.
وتوجت فعاليات الدورة العاشرة للمهرجان التي نظمت تحت شعار"الملحون بين ملحمة المسيرة الخضراء وإشعاع العالمية"، بتنظيم ندوة علمية وحفل توقيع من آخر مؤلفات الباحث عبد الرحمن الملحوني، تحت عنوان "سيدي قدور العلمي، شاعر مكناسة الزيتون: الجانب الاجتماعي والصوفي"، تجسيدا للأبعاد الأكاديمية والإبداعية للمهرجان الذي يواصل ترسيخ مكانته كإحدى أهم التظاهرات الوطنية المخصصة لخدمة فن الملحون وتعزيز إشعاعه المغربي والعالمي.
وعرفت الندوة، التي أدارها الأستاذ كمال أحود، مشاركة ثلة من الباحثين المهتمين بفن الملحون، من ضمنهم الدكتور عز الدين معتصم الذي قدم مداخلة بعنوان "شعر الشيخ عبد القادر العلمي في ميزان الباحث عبد الرحمن الملحوني" متوقفا عند تجليات الرصد العميق
والنبش الرصين للكتاب المحتفى به، مقدما في السياق ذاته إضاءات حول الجوانب الرمزية في ديوان شيخ متصوفة الملحون سيدي قدور العلمي وما تحبل به من مقومات العشق الإلهي والمديح النبوي والتعلق بأهداب الأولياء والصلحاء.
من جانبه، تناول كمال أحود الجانب الاجتماعي في تجربة سيدي قدور العلمي، انطلاقا من مؤلف الباحث المحتفى به، راصدا مكامن العلاقة الجدلية بين الأدب والمجتمع، مسلطا الضوء على جوانب من حياة سيدي قدور العلمي وتلازمية تجلياته الصوفية والمجتمعية، معرجا في السياق ذاته الحديث عن "قصيدة القلب" لسيدي قدور العلمي باعتبارها تحفة شعرية ضامة لمقاصد الحكمة والطهر الأخلاقي والنقد المجتمعي.
بدوره، توقف عبد الرحمان الملحوني المحتفى بإصداره عند الإرهاصات التي أفرزت تجميع ديوان سيدي قدور العلمي في إطار لجنة وطنية كان عضوا شرفيا فيها والترتيبات التنظيمية والبحثية التي واكبتها، مشيرا إلى محطات مهمة في تجربة "سيدي قدور العلمي وسياق هجرته من مكناسة ودخوله لمدينة مراكش، وكذا تفاصيل مؤتمر كبير نظم سنة 1986 حول مقاصد قصيدته الأيقونية "الدار"، محذرا من بعض المحاولات النقدية التي جانبت الصواب في تعاطيها مع مجموعة من قصائد الملحون، منوها بالعناية المولوية التي حظي بها فن الملحون من طرف الملك الراحل الحسن الثاني ووارث سره جلالة الملك محمد السادس.
وشهد اليوم الأخير من المهرجان، عرض مسرحي ملحوني تحت عنوان "دار اماليها" لفرقة آرتو للمسرح وفنون العرض، مستلهم من قصيدة "الدار" لسيدي قدور العلمي، من إعداد عبد المجيد أدهابي، إخراج عبد العزيز أوشنوك وعبد الحليم بنعبوش، وبمشاركة الفنانين: حسن تزريت، محمد منير، حجيبة سروان، عبد الحفيظ إدعلي، محمد علي أعراب، منى الحجازي، مع أداء موسيقي وغنائي للفنان المهدي حارث.
ويعد هذا العمل أول تجربة مسرحية لمهرجان الملحون والأغنية الوطنية انفتحت من خلاله جمعية الشيخ الجيلالي امثيرد على تشكيلة جديدة من العروض الفنية التي تتجاوز حدود الإنشاد والقراءة التراثية إلى براديغمات الاشتغال الركحي، في تقاطع إبداعي خلاق يجمع بين الشعر الشفهي والحكي المسرحي الآخاذ.
وتأتي هذه الدورة، في سياق برنامج عمل جمعية الشيخ الجيلالي امثيرد الرامي إلى صون التراث اللامادي المغربي، وإبراز رموز فن الملحون ورواده عبر برمجة متنوعة تمزج بين اللقاءات العلمية، والعروض الفنية، والأنشطة ذات البعد التربوي والاجتماعي.