المغرب ومواجهة "البوفا".. كوكايين الفقراء "قنبلة اصطناعية" تفرض تحديات أمنية وصحية متصاعدة

الصحراء المغربية
الجمعة 12 شتنبر 2025 - 17:55

في خطوة استباقية لمواجهة المخدرات الاصطناعية، التي تشهد انتشارا واسعا على المستوى الدولي، أصدر المرصد الوطني للإجرام "موجز سياسات ودراسة وطنية تحليلية شاملة" حول ظاهرة مخدر "البوفا" في المغرب، أو ما يعرف بـ "كوكايين الفقراء"، بعد أن برز بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة، مبرزة معطيات رقمية دقيقة تكشف حجم الظاهرة واتجاهاتها المتصاعدة، إلى جانب التحديات التي تطرحها والخيارات الاستراتيجية لمواجهتها.

9697 غراما في سنتين وصدارة الدارالبيضاء 
اعتمدت الدراسة الحديثة، التي تتوفر "الصحراء المغربية" على نسخة منها، على بيانات رسمية من المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي، خلال الفترة ما بين عامي 2022 و2024، عن حجم الظاهرة.
وفي هذا الصدد، كشفت أن الأجهزة الأمنية تعاملت مع 878 قضية مرتبطة بمخدر "البوفا"، أسفرت عن إيقاف 1.044 شخصا ومصادرة أكثر من 18 كيلوغراما من هذه المادة. كما سجلت الدراسة حدوث ثلاث حالات وفاة مؤكدة مرتبطة باستهلاكه.
ووفقا للدراسة، شهدت الظاهرة نموا ملحوظا، حيث ارتفعت الكميات المصادرة من 493 غراما في سنة 2022 إلى 8.014 غراما في سنة 2023، و9.697 غراما في سنة 2024. كما تضاعف عدد الموقوفين من 92 شخصا خلال سنة 2022 إلى 482 خلال سنة 2024، ثم انخفض قليلا إلى 470 موقوفا في 2024.
ووفقا للدراسة، فإن ظاهرة مخدر "البوفا" ترتكز بشكل أساسي في المجال الحضري، حيث بلغت نسبة المحاضر 82 في المائة والموقوفين 76 في المائة. 
وتتصدر جهة الدار البيضاء - سطات القائمة بـ 712 محضرا، تليها جهة الرباط ـ سلا - القنيطرة بـ 85 محضرا. بينما تظهر الأقاليم الجنوبية وجهة درعة تافيلالت غيابا شبه تام للظاهرة.


سياق دولي يضاعف القلق مغربيا
أكدت الدراسة أن المغرب ليس معزولا عن السياق الدولي، حيث حذرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في تقريرها لسنة 2024 من "التوسع السريع لصناعة المخدرات الاصطناعية غير المشروعة"، باعتباره "تهديدا رئيسيا للصحة العامة العالمية". كما أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقريره لسنة 2025 الهيمنة المتزايدة للمخدرات الاصطناعية، بحيث شهدت توسعا سريعا، وحققت المنشطات من نوع "الأمفيتامين" المصادرة أرقاما قياسية عالميا سنة 2023، مثلت ما يقارب نصف المخدرات الاصطناعية المصادرة على مستوى العالم.
في هذا الإطار، برز مخدر "البوفا" في المغرب أو ما يعرف كذلك بـ"كوكايين الفقراء"، على رأس أشكال المخدرات الاصطناعية "الرخيصة" التي ظهرت سنة 2020، وهو خليط غير متجانس محلي الصنع يتكون من بقايا الكوكايين ممزوجة بمواد كيميائية وعقاقير طبية متنوعة، وزاد انتشاره خلال جائحة كورونا بسبب صعوبات الوصول إلى المخدرات المستوردة.

متورطون في وضعية هشة تعليميا واقتصاديا 
وبخصوص الفئة العمرية الأكثر عرضة، فإن الظاهرة تستهدف بالأساس فئة ما بين 18 سنة و55 سنة بنسبة تتجاوز 90 في المائة، مع هيمنة في صفوف الذكور بنسبة 88.9 في المائة، والمواطنين المغاربة بنسبة 91.3 في المائة. كما يتسم معظم المتورطين بوضعية اقتصادية وتعليمية هشة، حيث تتركز النسب العالية بين العاطلين عن العمل وغير المتمدرسين أو ذوي التعليم الأساسي.
وعلى الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو للوهلة الأولى محدودة مقارنة باستهلاك المخدرات التقليدية بالمغرب أو المخدرات العقلية الأخرى، فقد اعتبر المرصد الوطني للإجرام أن معدل النمو المسجل خلال الفترة ما بين 2022-2024 يستدعي الاستباق واتخاذ التدابير اللازمة لمحاصرة انتشار استهلاك كل أشكال المخدرات الاصطناعية، التي تشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة، خاصة أن المغرب يتوفر على مقومات مؤسساتية عالية الكفاءة لمواجهة هذا التحدي، وتشمل سلطات إنفاذ القانون، وخبرة المرصد المغربي للمخدرات والإدمان، وشبكة مراكز العلاج المتخصصة والموقع القيادي للمملكة داخل هيئات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة المخدرات. 

4 تحديات تواجه مكافحة "مخدر الفقراء" 
اعتبارا للدراسة، أورد المرصد الوطني للإجرام أربع فئات من التحديات التي يواجهها المغرب في مجال مكافحة المخدرات، وبشكل خاص المخدرات الاصطناعية الناشئة مثل مخدر "البوفا". وتتمثل في:
التحديات التشريعية والتنظيمية: تبرز عدم ملاءمة النصوص القانونية الحالية لخصوصيات المخدرات الاصطناعية، إذ تستدعي هذه المواد الجديدة تحديث ظهير 21 ماي 1974 لمواكبة تطور الظاهرة، كما تظهر فجوات في تنظيم المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في التصنيع المحلي لهذه المخدرات.
التحديات المؤسساتية: تركز على ضرورة تعزيز التنسيق بين القطاعات والمؤسسات المعنية، إلى جانب الحاجة إلى توضيح أكبر لصلاحيات اللجنة الوطنية للمخدرات لضمان فعالية الاستجابة المؤسساتية الموحدة.
التحديات التقنية والعلمية: تشمل صعوبة الكشف المخبري للتركيبات المتغيرة لمخدر "البوفا"، مما يتطلب تطوير قدرات الإنذار المبكر وتكييف البروتوكولات العلاجية الموجودة مع طبيعة هذه المواد الاصطناعية الجديدة.
التحديات الاجتماعية والثقافية: تشمل مسائل الوصم الاجتماعي للمدمنين وضعف مستوى التوعية العامة حول مخاطر هذه المواد الجديدة، بالإضافة إلى صعوبات إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للأشخاص الذين تعافوا من الإدمان.


توصيات استراتيجية لمواجهة الظاهرة
لم تكتفِ الدراسة بتشخيص الظاهرة، بل قدمت مجموعة من التوصيات الاستراتيجية لمواجهة التحديات الأربع الرئيسية التي تواجه المغرب في هذا المجال. صنفت في ستة محاور أساسية تهدف إلى وضع إطار عمل متكامل:
تحديث الإطار القانوني: يشمل استكمال الإطار التنظيمي لظهير 1974 ووضع تعريفات دقيقة للمخدرات الاصطناعية مع تعزيز العقوبات المتعلقة بالإنتاج المحلي غير المشروع.
تطوير القدرات التقنية: يتضمن تحديث المختبرات بأحدث التقنيات المتقدمة وتكوين خبراء متخصصين في التحليل الكيميائي، إضافة إلى تكييف البروتوكولات العلاجية مع خصوصيات المخدرات الاصطناعية.
تطوير نظام الإنذار المبكر: من خلال إنشاء شبكة رصد متخصصة في المواد الجديدة وتطوير قاعدة بيانات وطنية موحدة، مع تعزيز آليات التعاون الدولي لتبادل المعلومات حول التهديدات الناشئة.
تعزيز الوقاية والتحسيس: عبر تطوير حملات توعوية متخصصة تستهدف الفئات الأكثر عرضة للخطر، وتنفيذ برامج وقائية شاملة في الوسط المدرسي، ومكافحة الوصم الاجتماعي المرتبط بالإدمان.
تطوير العلاج والعقوبات البديلة: يشمل تسريع إحداث المراكز العلاجية الجهوية المتخصصة وتفعيل تطبيق العقوبات البديلة، مع تعزيز برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمتعافين.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: من خلال تطوير آليات التعاون القضائي الفعال وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الشبكات الإجرامية، إضافة إلى تقاسم أفضل الممارسات العلاجية والوقائية مع الشركاء الدوليين.
وشدد المرصد الوطني للإجرام، الذي يعمل على تحليل الظواهر الإجرامية وتقييم فعالية السياسات العمومية واقتراح آليات تدخل جديدة، 
على أن ظاهرة مخدر "البوفا" ليست مجرد "حالة محلية"، بل نافذة على مستقبل التهديدات الأمنية في عالم متحول، كما أن فهم هذه الظاهرة يمنح ميزة استراتيجية في بناء أنظمة مقاومة للتهديدات التي لم تظهر بعد. وأن الاستثمار الذكي في الوقاية يبدأ بالتعلم من الظواهر الناشئة قبل أن تتحول إلى أزمات.




تابعونا على فيسبوك