أصدرت رئاسة النيابة العامة دليلا إسترشاديا لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة، وذلك في إطار مواكبة تفعيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة والمرسوم التطبيقي له، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من الجمعة 22 غشت 2025.
وقال هشام البلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، في تقديمه للدليل الاسترشادي، الذي يتكون من 257 صفحة، إن "إصدار هذا الدليل يأتي في سياق الانخراط الجاد لرئاسة النيابة العامة في الورش الإصلاحي الكبير الذي تعرفه المنظومة الجنائية ببلادنا، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بتاريخ 20 غشت 2009، بمناسبة ثورة الملك والشعب، والذي أكد فيه جلالته على ضرورة تحديث المنظومة القانونية، واعتماد سياسة جنائية جديدة تواكب التحولات، وتؤمن شروط المحاكمة العادلة، وتفتح آفاقا بديلة في مجال العدالة الجنائية، كالوساطة والصلح والتحكيم والعقوبات البديلة".
وأكد هشام البلاوي أن العقوبات البديلة تمثل مبادرة تشريعية رائدة من شأنها تطوير آليات الردع والإصلاح في العدالة الجنائية الوطنية، مشددا على أن نجاح هذا الورش يقتضي انخراطا كاملا ومسؤولا من طرف قضاة النيابة العامة وجميع المتدخلين، بما يضمن تحقيق أهدافه ويستجيب لتطلعات جلالة الملك في مجال تحديث العدالة وتعزيز نجاعتها.
مفهوم جديد للعقوبة الجنائية
وبالاطلاع على مضامين الدليل الاسترشادي، الذي تتوفر جريدة "الصحراء المغربية" على نسخة منه، يتبين أنه لم يقتصر على الشرح النظري، بل تضمن نماذج تطبيقية، وأمثلة عملية، ومقارنات مع التجارب الدولية، حتى يكون أداة عملية بين أيدي قضاة. النيابة العامة
كما يشكل الدليل، الصادر بتاريخ 1 غشت 2025، مرجعا عمليا لقضاة النيابة العامة في تنزيل مقتضيات القانون المذكور، حيث يحدد بوضوح ماهية العقوبات البديلة، باعتبارها بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة الأمد، تهدف إلى تقويم سلوك الجاني بدل الاكتفاء بحرمانه من الحرية.
كما يهدف إلى ضمان تنزيل سليم وفعال للعقوبات البديلة، بما يحقق التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة، وتوفير فرص لإعادة إدماج المحكوم عليهم في الحياة العامة بعيدا عن أسوار السجن، مع مراعاة حقوق الضحايا والتخفيف من الأعباء المالية الثقيلة التي تتحملها ميزانية الدولة في مجال تدبير السجون.
4 أصناف أساسية من العقوبات
حدد القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة أربعة أنواع رئيسية من العقوبات الجديدة، ويتعلق الأمر بـ :
1: العمل لأجل المنفعة العامة: عقوبة بديلة للعقوبة السالبة للحرية، وكما جاء في الدليل، يمكن للمحكمة أن تحكم بها عند نظرها في الدعوى العمومية المعروضة عليها، كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يستبدل بها العقوبة
الحبسية الصادرة بموجب حكم سابق حائز لقوة الشيء المقضي به. وبمقتضاها يتم إلزام المحكوم عليه البالغ من العمر 15 سنة على الأقل، القيام بعمل غير مؤدى عنه لمدة تتراوح بين 40 و3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق
والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة، أو غيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام.
وتحتسب المدة اللازم قضاؤها في إطار عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، على أساس أن كل يوم من مدة العقوبة الحبسية المحكوم بها يساوي 3 ساعات من العمل مع مراعاة الحدين الأدنى والأقصى المتمثلين في 40 و3600 ساعة. فإذا كانت مدة العقوبة الحبسية قصيرة جدا مثلا 10 أيام فإن المدة التي يجب أن يقضيها المحكوم عليه هي 40 ساعة. كذلك إذا كانت العقوبة الحبسية مثلا هي أربع سنوات حبسا نافذا أو أكثر فإن المدة التي سيقضيها المحكوم عليه هي 3600 ساعة.
ويشترط في العمل لأجل المنفعة العامة أن يكون متوافقا مع جنس وسن ومهنة أو حرفة المحكوم عليه، ومع مؤهلاته وقدراته، كما يمكن أن يكون مكملا لنشاطه المهني أو الحرفي المعتاد، وألا يكون له تأثير على المسار العادي
لحياته العائلية والمهنية والدراسية.
2: المراقبة الإلكترونية: يتم بموجبها تقييد حركة المحكوم عليه في التنقل، من خلال مراقبة تنقلاته إلكترونيا بواحدة أو أكثر من وسائل المراقبة الإلكترونية المعتمدة من طرف الإدارة المكلفة بالسجون، من أبرزها السوار أو القيد الإلكتروني.
وتحدد المحكمة مكان ومدة المراقبة الإلكترونية ويراعى في تحديدها خطورة الجريمة والظروف الشخصية والمهنية للمحكوم عليه، وسلامة الضحايا، وعدم المساس بالحقوق الشخصية للأشخاص المتواجدين رفقة المحكوم عليه.
ويجب التأكيد هنا على أن مدة المراقبة الإلكترونية هي متميزة ومنفصلة عن مدة العقوبة الحبسية الأصلية، فالمحكمة تحدد مدة المراقبة الإلكترونية بما يتناسب وظروف وملابسات كل جريمة.
وتتولى الإدارة المكلفة بالسجون تتبع عمليات المراقبة الإلكترونية وتنسيقها مركزيا ومحليا، كما تتولى تتبع عمليات وضع وإزالة القيد الإلكتروني والمراقبة الميدانية للمحكوم عليهم، بالاعتماد على منصة وطنية يتم إحداثها لدى الإدارة المكلفة بالسجون، أو بالاعتماد على منصات جهوية أو محلية تحدث عند الاقتضاء وتعمل تحت إشراف البنية المركزية المختصة.
ويمكن لقاضي تطبيق العقوبات أن يحدد في المقرر التنفيذي نظام المراقبة الإلكترونية الذي يجب أن يخضع له المحكوم عليه، وأوقات وآجال تنفيذه من خلال نظامين:
- نظام ثابت: عبر وضع وتثبيت الأجهزة والأدوات الخاصة به بمنزل المحكوم عليه أو بمحل إقامته أو بأي مكان آخر حدده المقرر التنفيذي، ووضع قيد إلكتروني على المحكوم عليه بعد برمجته وضبط إعداداته مع أجهزة المراقبة التي يتم تثبيتها للتأكد من تقيد المحكوم عليه بتنفيذ الالتزامات المفروضة عليه بعدم مغادرة المكان المحدد أو عدم مغادرته في أوقات محددة، إما بشكل كلي أو جزئي، وذلك بتحديد الأوقات المسموح له خلالها بمغادرة هذا المكان أو المحل، بعد ضبط إعدادات أجهزة المراقبة وفقا لهاته الأوقات.
- نظام متحرك: عبر وضع قيد إلكتروني على المحكوم عليه لمعرفة مكان تواجده بصفة متواصلة وتتبع تحركاته باستمرار، ولتحديد مكان تواجد المحكوم عليه على مدار الساعة بشكل دقيق من خلال رصد تحركاته عبر تقنية الترددات اللاسلكية أو عبر نظام الأقمار الصناعية لتحديد المواقع بقيام القيد الإلكتروني الموضوع على جسد المحكوم عليه ببعث "GPS" إشارات باستمرار عن مكان تواجده، وفق توقيت يتم ضبطه سلفا.
3: تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية: حددها الفصل 12 ـ 35 من مجموعة القانون الجنائي في مجموعة من التدابير، التي ترمي إلى اختبار المحكوم عليه للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج، وتتولى الإدارة المكلفة بالسجون تتبع تنفيذ هذه التدابير، كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات أو وكيل الملك أن يتخذ التدابير اللازمة للتحقق من التنفيذ. وقسمها الدليل إلى ستة أصناف وهي:
- مزاولة المحكوم عليه نشاطا مهنيا محددا أو تتبعه دراسة أو تأهيلا مهنيا محددا: ضمن التدابير التأهيلية التي يراعى في تنفيذها مؤهلات المحكوم عليه المعرفية والعلمية والدراسية، وكذا النشاط المهني أو الحرفي الذي يزاوله واحتياجات تقويمه وتأهيله.
- إقامة المحكوم عليه بمكان محدد والتزامه بعدم مغادرته، أو بعدم مغادرته في أوقات معينة، أو منعه من ارتياد أماكن معينة، أو من عدم ارتيادها في أوقات معينة: ويمكن لقاضي تطبيق العقوبات تلقائيا أو بناء على ملتمس وكيل الملك أو مدير المؤسسة السجنية أو المحكوم عليه أو نائبه الشرعي، تغيير المكان أو العنوان موضوع تنفيذ عقوبة تقييد بعض الحقوق، كلما كان من شأن هذا الإجراء تجنيب المحكوم عليه الاتصال أو الاحتكاك بضحايا الجريمة أو كان مفيدا في تأهيل المحكوم عليه.
- فرض رقابة يلزم بموجبها المحكوم عليه، بالتقدم في مواعيد محددة، إما إلى المؤسسة السجنية وإما إلى مقر الشرطة أو الدرك الملكي أو مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة: ضمانا لحسن تنفيذ هذه التدابير الرقابية فقد
ألزمت المؤسسات السجنية ومصالح الشرطة والدرك الملكي ومكاتب المساعدة الاجتماعية بالمحاكم، بمسك سجل لإثبات تقدم المحكوم عليه إليها في مواعيد محددة وفق ما هو مسطر في برنامج التنفيذ المعد من طرف قاضي تطبيق العقوبات، ويمكن لها بالإضافة إلى ذلك اعتماد التقنية البيومترية لإثبات تقدم المحكوم عليه إليها في المواعيد المحددة.
- التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بالأشخاص ضحايا الجريمة بأي وسيلة كانت: أجيز للمؤسسة السجنية بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات، اعتماد ووضع وسائل تقنية تساهم في مراقبة المحكوم عليه بعقوبة الإقامة في مكان محدد وعدم مغادرته أو عدم مغادرته في أوقات معينة، أو بعقوبة المنع من ارتياد أماكن معينة أو عدم ارتيادها في أوقات معينة، أو بعقوبة التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بالأشخاص ضحايا الجريمة.
- خضوع المحكوم عليه لعلاج نفسي أو علاج ضد الإدمان : إما بإيداع المحكوم عليه بالمستشفى، أو دون إيداعه مع إلزامه بالخضوع لحصص علاجية، حيث يملك قاضي تطبيق العقوبات صلاحية اتخاذ التدبير الملائم، حسب خطورة الجريمة المرتكبة وخطورة المحكوم عليه، وحالته الصحية واحتياجات إعادة إدماجه. كما يمكن لقاضي تطبيق العقوبات الترخيص بخضوع المحكوم عليه للعلاج النفسي أو علاج ضد الإدمان بإحدى المؤسسات الخاصة على نفقته.
- تعويض أو إصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة: تقوم البنية المحلية المختصة بالمؤسسة السجنية بمجرد توصلها بالمقرر التنفيذي الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بإخبار المحكوم عليه بالالتزامات المفروضة عليه وبآجال التنفيذ والجزاءات المترتبة عن عدم التنفيذ. ويجب على المحكوم عليه أن يقدم للبنية المحلية المختصة في تواريخ تحددها جميع الوثائق التي تراها ضرورية لإثبات قيامه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
4: الغرامة اليومية: تؤدى لفائدة الخزينة العامة بالعملة المتداولة قانونا في المملكة، ويحدد مبلغها بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها وفق شروط وإجراءات، أورد الدليل أنه سيتم التفصيل فيها لاحقا.
ولتوثيق مختلف هذه العقوبات البديلة على الموظف المسؤول بالمؤسسة السجنية، ضرورة مسك سجل للعقوبات البديلة يتضمن هوية المحكوم عليه، وحالته المدنية وجميع البيانات المتعلقة بالعقوبة الحبسية الأصلية الصادرة في حقه، والعقوبة البديلة ومراجع مقررها التنفيذي وتاريخ بداية تنفيذها أو مبلغها المالي وتاريخ ومراجع وثيقة أو سند تسديده، والمقررات القضائية القاضية باستبدال العقوبة البديلة أو المتخذة بشأنها والتاريخ الفعلي لنهايتها أو تنفيذها.
شروط اعتماد العقوبات البديلة
أدرج الدليل الاسترشادي عددا من الشروط الواجب تحققها قبل الحكم بالعقوبة البديلة، الأمر الذي يقتضي من السلطات القضائية التي خولها القانون صلاحية اعتماد العقوبات البديلة التحقق منها بصفة مسبقة قبل إقرارها،
والتي تتلخص في:
أ- ألا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجل جنحة خمس سنوات حبسا نافذا: ويقتضي تحقق هذا الشرط:
أولا: أن العبرة بمنطوق الحكم الصادر عن المحكمة وليس بالعقوبة المقررة في القانون، وبذلك يمكن إعمال العقوبة البديلة بشأن جميع الجنح ربما فيها تلك التي ينص القانون على عقوبة قصوى تتجاوز الخمس سنوات (بالعودة إلى القانون الجنائي وبعض القوانين الجنائية الخاصة، يتبين بأن هناك مجموعة من الجنح معاقب عنها بأكثر من خمس سنوات، وغير مستثناة من مجال تطبيق العقوبات البديلة، منها جنح اختطاف شخص أو القبض عليه أو احتجازه دون أمر من السلطات المختصة. وجنح بيع أو شراء طفل تقل سنه عن ثمان عشرة سنة أو الوساطة في ذلك أو التحريض على ذلك. وجنح إعداد منزل للدعارة أو البغاء أو حيازته أو تسييره أو استغلاله).
ثانيا: إن استعمال المشرع لمصطلح "الحبس النافذ"، يمنع إعمال العقوبة البديلة إذا قررت المحكمة إيقاف تنفيذ العقوبة.
ثالثا: إذا كان المشرع قد أشار إلى عبارة "المحكمة" فإن ذلك لم يوضح المحكمة المختصة، هل المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية أم محكمة النقض أم محاكم أخرى؟ ولكن بقراءة متمعنة للنصوص المنظمة للعقوبات البديلة، يتضح بأن المقصود محاكم الموضوع التي لها صلاحية البت في المتابعات المتعلقة بالجنح والحكم بعقوبات حبسية.
رابعا: يتعين المزاوجة بين شرطين أساسيين: أن يتعلق الأمر بجنحة ثم أن تصدر عقوبة حبسية نافذة، وتبعا لذلك فلا يحق لغرفة الجنايات أن تقضي بالعقوبة البديلة في الجنايات ولو منحت المتهم ظروف التخفيف، وقضت بعقوبة حبسية وبالمقابل يمكن لغرفة الجنايات في حال صدور قرار عنها يقضي بإدانة الشخص المتابع من أجل جنح سواء بعد إعادة التكييف أو التبرئة من الجناية أو كانت جنحا مرتبطة، فيمكنها أن تقضي بالعقوبة البديلة في كل هذه الأحوال.
ب- انتفاء حالة العود:
ويتعين لتحقق حالة العود كمانع قانوني من الحكم بالعقوبة البديلة أن تكون النيابة العامة قد أوردتها في صك المتابعة عند إقامتها للدعوى العمومية، وأن تكون المحكمة أدانت المتهم مع اعتبار حالة العود وفق ما يقتضيه القانون، لذلك يتعين على قاضي النيابة العامة التثبت من توفر حالة العود قبل إجراء المتابعة بموجب البطاقة رقم 2 للسجل العدلي، التي تعتبر نسخة للنص الكامل لمختلف البطائق رقم 1 المتعلقة بالشخص الواحد، كما يمكن إثبات حالة العود من خلال الإدلاء بنسخ من المقررات القضائية المكتسبة لقوة الشيء المقضي به.
وتجدر الإشارة إلى أن العبرة في هذا الإطار لتحقق حالة العود في الجنح، أن يتحقق التماثل في الجرائم المرتكبة، وتتمثل في "السرقة والنصب وخيانة الأمانة وخيانة التوقيع على بياض وإصدار شيك بدون رصيد والتزوير واستعمال
الأوراق المزورة والتفالس بالتدليس وإخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة. وكذا القتل خطأ والإصابة خطأ وجنحة الهروب عقب ارتكاب الحادث. وأيضا، هتك العرض بدون عنف والإخلال العلني بالحياء واعتياد التحريض على الفساد والمساعدة على البغاء، فضلا عن العصيان والعنف والإهانة تجاه رجال القضاء والأعضاء المحلفين أو رجال القوة العمومية. وكذا كل الجنح التي ارتكبها زوج في حق الزوج الآخر، وكل الجنح المرتكبة في حق الأطفال الذين لم يتموا 18 سنة ميلادية كاملة، وفي الأحوال التي يحيل فيها أحد فصول هذا القانون لتحديد عقوبة جنحة على فصل آخر، يعاقب على جنحة أخرى، فإن هاتين الجنحتين المتماثلتين من حيث العقوبة تكونان متماثلتين لتقرير العود.
الجرائم المستثناة من العقوبات البديلة
وفقا للدليل، فإنه إلى جانب الجنايات التي تعتبر مستثناة بكل أنواعها من نطاق تطبيق العقوبات البديلة، استثنى المشرع في القانون رقم 43.22 بعض الجنح من هذا النطاق وهي:
1: الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب، 2: الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال
العمومية، 3: غسل الأموال، 4: الجرائم العسكرية، 5: الاتجار الدولي في المخدرات، 6: الاتجار في المؤثّرات العقلية، 7: الاتجار في الأعضاء البشرية، 8: الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
توجيهات للنيابة العامة
أفرد الدليل الاسترشادي الذي أصدرته رئاسة النيابة العامة حيزا مهما لتوجيهات خصصتها لقضاة النيابات العامة بمحاكم المملكة، وأبرزها:
حثهم على ضرورة مراعاة شخصية الجاني وسوابقه القضائية عند اقتراح العقوبة البديلة. والحرص على حماية حقوق الضحايا وجبر الضرر. والتأكد من أن هذه البدائل لا تتحول إلى وسيلة للإفلات من العقاب. وتتبع مراحل التنفيذ بشكل دقيق وإلغاء العقوبة عند الإخلال بالالتزامات.
كما نص الدليل على أن دور النيابة العامة لا ينتهي عند اقتراح العقوبة، بل يمتد إلى مراقبة تنفيذها ميدانيا، من خلال تقارير المتابعة، والتنسيق مع قاضي تطبيق العقوبات لضمان التتبع المستمر.
مراحل التنفيذ والتتبع
رسم الدليل مسارا إجرائيا واضحا لتنفيذ العقوبات البديلة، يتلخص في:
1: اقتراح العقوبة البديلة من طرف النيابة العامة أو المحكمة. 2: إصدار الحكم الذي يحدد طبيعة العقوبة وشروطها ومدتها. 3: إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات لمراقبة التنفيذ. 4: تتبع التنفيذ عبر تقارير دورية تعدها الجهات المختصة. 5: مراجعة العقوبة أو إلغاؤها في حال إخلال المحكوم عليه بالتزاماته.
ويضيف الدليل أن قاضي تطبيق العقوبات ملزم بتلقي تقارير شهرية حول مدى التزام المحكوم عليه بالعقوبة البديلة، وله صلاحية تعديل التدبير أو استبداله أو الرجوع إلى العقوبة السجنية إذا تبين الإخلال بالشروط.
تعزيز للعدالة وتخفيف للاكتظاظ
حسب الدليل، فإن أهداف هذا القانون الإصلاحي لا تقتصر على تخفيف الاكتظاظ بالسجون وتقليص كلفة تدبيرها، بل تمتد إلى فتح آفاق جديدة أمام المحكوم عليهم لإعادة الاندماج في المجتمع، والحد من تكرار الجريمة.
كما يهدف هذا الدليل إلى ضمان تنزيل سليم وفعال للعقوبات البديلة، بما يحقق التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة، وتوفير فرص لإعادة إدماج المحكوم عليهم في الحياة العامة بعيدا عن أسوار السجن، مع مراعاة حقوق الضحايا والتخفيف من الأعباء المالية الثقيلة التي تتحملها ميزانية الدولة في مجال تدبير السجون.
ويورد الدليل أن كلفة السجين الواحد تتجاوز 300 درهم يوميا، في حين أن اعتماد العقوبات البديلة يخفف العبء المالي بشكل كبير على ميزانية الدولة، ويوفر موارد يمكن توجيهها نحو تحسين ظروف العدالة وإعادة الإدماج.
التجربة المغربية والتجارب الدولية
تجربة المغرب في اعتماد العقوبات البديلة تندرج في سياق دولي أوسع. فقد أكدت الأمم المتحدة عبر قواعد طوكيو وقواعد بيكين على أهمية بدائل الاعتقال كالمراقبة والخدمة المجتمعية.
وأقر مجلس أوروبا منذ سبعينيات القرن الماضي توصيات عدة تؤكد أن العقوبة السالبة للحرية يجب أن تكون استثناءً، داعيا إلى اعتماد بدائل مثل الغرامات اليومية والمراقبة الإلكترونية.
تجارب فرنسا وإسبانيا وهولندا أثبتت أن العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية يقللان من نسب العود ويساعدان في إعادة الإدماج.
كما أن دولا من أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وتشيلي اعتمدت العقوبات البديلة كوسيلة لتخفيف الاكتظاظ وتحسين ظروف المحاكمة.
وبهذا، ينسجم القانون 43.22 مع المعايير الدولية الحديثة، ويجعل من المغرب جزءا من توجه عالمي نحو عقلنة السياسة الجنائية وجعل العقوبة أداة للإصلاح أكثر من كونها أداة للانتقام.
ويؤكد الدليل إلى أن المغرب اعتمد في صياغة هذا القانون على دراسة مقارنة مع أكثر من عشرة دول، واستلهم في جزء منه التجارب الفرنسية والإسبانية، مع مراعاة الخصوصيات المغربية في ما يتعلق بحماية النظام العام.
إن إصدار الدليل الاسترشادي يشكل محطة مهمة في مسار تحديث العدالة الجنائية بالمغرب، إذ يضع بين يدي قضاة النيابة العامة أداة عملية لضمان تنزيل سليم وفعال للعقوبات البديلة، بما يحقق التوازن بين حماية المجتمع من الجريمة وضمان حقوق الأفراد وإعادة إدماجهم في الحياة العامة.