القطاع في حاجة إلى عقد ـ برنامج ودعم استعجالي لتخطي الموت الكلينيكي

كلفة ورق الطباعة تهدد باختفاء الصحف المغربية

الصحراء المغربية
الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 14:06

ما فتئت أزمة صناعة الورق العالمية، ترخي بظلالها على قطاع طباعة الصحف بالمغرب، التي أصبح معها كل الناشرين ومقاولات الطباعة والموزعين أمام شبح يهدد باختفاء هذا القطاع ويعجل بانكماشه وتراجع قيمته المضافة إلى أقصى حد.

 

وتتجسد تجليات هذه الأزمة أساسا في ارتفاع أسعار الورق، ومخاطر نقص هذه المادة، ومشاكل العرض، والنفقات المالية وتكاليف الطاقة الباهظة، دون إغفال انخفاض عائدات الإعلانات والمبيعات، وكلها عوامل تحتم استعجالية اتخاذ تدابير حاسمة من قبل الدولة لوقف هذا النزيف الحاد وإنقاد آلاف مناصب الشغل التي توجد على المحك الآن.

وفي خضم هذه الظرفية المؤرقة التي لا تخفى عواقبها، فإن الجهات الوصية على القطاع، وعلى غرار باقي القطاعات، مدعوة بشدة إلى الإسراع ببلورة عقد ـ برنامج استعجالي متكامل لتدارك مخلفات هذا الوضع، وقبل ذلك تمكين الناشرين من دعم أولي لإنقاذ الصحف المغربية، التي تعاني انعكاسات هذا المأزق منذ مدة.

وجراء العديد من العوامل الضاغطة، بدأ الخط البياني لأسعار ورق طباعة الصحف منذ أواخر سنة 2017، يتجه بشكل تصاعدي دون توقف، مصحوبا باضطراب مقلق بين العرض والطلب، وطول مدة انتظار التزود بلفائف الورق، وغياب أنواع معينة من هذه الأخيرة، التي تلقى إقبالا من قبل الناشرين، والتهافت الكبير عالميا على هذه المادة الأولية لطباعة الصحف.

وكرونولوجيا، انطلقت الإرهاصات الأولى لأزمة ورق طباعة الصحف من الصين، التي انتقلت من بلد منتج للورق إلى مستورد عملاق، ما تسبب في حدوث تفاوت غير مسبوق على مستوى العرض والطلب الدوليين لهذه المادة.

كما ترجع تجليات أسباب هذه الأزمة العالمية، أيضا، إلى إغلاق العديد من المصانع بأوروبا وأمريكا الشمالية لأبوابها، وتقلص هامش الربح لمنتجي الورق في سوق بدأت تغلب عليها طابع الرقمنة الذي اكتسح كل المجالات.

وشهدت ملامح سوق ورق طباعة الصحف تحولات عميقة في الآونة الأخيرة، بالنظر إلى عدة متغيرات، أبرزها تخلي الصين كما سلف الذكر عن إنتاج هذه المادة، التزاما منها بتوصيات وقرارات كيوطو ومؤتمر الأطراف "كوب 22"، التي تشدد على ضرورة وحتمية تقليص معدلات انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون، واختيارها اللجوء إلى المناولة ببلدان أخرى، ناهيك عن تطبيق قرارها الرامي إلى وقف أي استيراد لمتلاشيات الورق التي تكون ممزوجة بمواد ملوثة.

وفي السياق ذاته اتخذت سيناريوهات هذه الأزمة وجها آخر، حيث لجأت العديد من المصانع الأوروبية للورق إلى إدخال تعديلات تقنية على آلاتها، لتصبح وسيلة لإنتاج الورق المقوى، بالنظر إلى الطلب الذي يتميز به في كل الأسواق، ولكونه مادة أكثر ربحًا وتوسعاً. وهو معطى أوحى للشركات العملاقة لصناعة الورق التي أضحت تتحكم في هذه السوق، بفرض زيادات متواصلة غير قابلة للتفاوض، ويتعلق الأمر بأربع مقاولات كبيرة وهي إيلدورادو، وسوزانو، وفيبريا وآروكو.

وأفرز هذا الوضع تأثيرا كبيرا على الفاعلين في مجال طباعة الصحف، ليس فقط في المغرب، ولكن أيضًا في جميع أنحاء العالم، حيث أن الورق يمثل أهم المواد الأولية في تكلفة الإنتاج، التي تقدر بحوالي 50٪.

ودائما في إطار الإكراهات المترتبة عن هذه الأزمة وانعكاساتها على هذا القطاع بالمغرب، يذكر أن المواعيد الجديدة للتزود بورق طباعة الصحف، تفرض تكوين مخزونات كبيرة. وأفاد أحد الفاعلين في هذا القطاع قائلا بهذا الخصوص "قبل ذلك، يمكن للمطابع الحصول على الورق في مدة يمكن أن تصل إلى 8 أسابيع، واليوم يستغرق الحد الأدنى لفترات الحصول على الإمدادات من هذه المادة الأولية للطباعة ما بين 3 إلى 4 أشهر. وهو ما يحتم ضرورة اللجوء إلى خيار صعب وهو تخزين كميات أكبر تفاديا لنفاد الورق، وهذا الإجراء الأخير يتطلب كما هو واضح تعبئة تكاليف مالية كبيرة من خلال ضخ مبالغ مهمة في مخزون الورق".

وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، أصبحت البنوك أكثر تطلباً وتفرض المزيد من الضمانات. ولسبب وجيه، فإن إطالة زمن التوريد يجبر الطابعات على طلب مضاعفة خطوط الائتمان الخاصة بها، وهي خطوط تصبح أكثر تكلفة أيضًا. وفي مواجهة هذه الأعباء المالية الجديدة، غالباً ما تعود المطابع مكرهة إلى التهافت على الأوراق المتوفرة في السوق، لتجنب نفاذ المخزون أو عدم نشر الصحف.

هذه الأزمة الورقية المؤلمة اجتماعيا واقتصاديا، تؤدي إلى تفاقم وضعية مزعجة بالفعل بسبب الارتفاع في التكاليف الأخرى، مثل الصيانة والطاقة واليد العاملة. فمن أجل صيانة آلات طباعة الصحف، من الضروري حساب نفقات تعبئة المهندسين الأجانب وقطع الغيار وتحديثات البرامج وتحيينها التي تكلف أكثر وأكثر. وفيما يتعلق بالطاقة فقد ارتفعت كما هو معلوم تكلفة الكهرباء الصناعية بنسبة 6 ٪ سنويا منذ سنة 2014، في أعقاب هيكلة السعر الجديدة، التي تقررت في عهد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران. هذا، دون إغفال الانخفاض المنهجي في عائدات طباعة الصحف بسبب تراجع المقروئية والسحب، واختفاء مجموعات صحفية في السنوات الأخيرة.

كل هذه العوامل الضاغطة تجعل ناشري وطابعي الصحف في حيرة لا يحسدون عليها، فأمام ارتفاع تكاليف الصيانة والورق والطاقة، لا يمكنهم أبدا رفع سعر بيع الصحف، لأن ذلك يعني فقدان معدل المقروئية بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و30 في المائة. وهو ما يجعلهم يرضخون لواقع يجبرهم على تقليص عدد الصفحات والاستثمار في المجال الرقمي، الذي لا يكون فيه عائد الاستثمار مجديا على المدى المتوسط.

 ولا تقف كرة الثلج المتدحرجة نحو الهاوية عند هذا الحد، فإذا كان كانت مقاولات طباعة الصحف والناشرين بين سندان غلاء الورق ومطرقة تقلص المقروئية، فإن موزعي الصحف ليسوا بدورهم في منأى أو معزل عن هذه المعضلة التي تهدد وجودهم وتلوح في الأفق باختفاء آلاف مناصب الشغل وتشريد العمال في هذا القطاع الحيوي. على اعتبار أنهم أصبحوا يوزعون حاليا كميات أقل من الصحف بنفس التكاليف المرتبطة بالوقود مثلا الذي ارتفع سعره مؤخرا كذلك، وهذا يعني أنهم قاب قوسين أو أدنى من التوقف نهائيا عن هذا النشاط غير المربح.

وعلى غرار المغرب، تعيش العديد من البلدان الأوروبية بدورها نفس الأزمة، ومنها بلجيكا وفرنسا وغيرها، عقب تقلص وحدات إنتاج ورق طباعة الصحف، وإفريقيا، يشار إلى أن الأزمة ساهمت مثلا في اختفاء الصحف لعدة أيام بالسينغال، نتيجة قلة ورق الطباعة، أما بأمريكا الشمالية، وتحديدا كندا، فإن الناشرين ما زالوا يعانون الأمرين، وسيتمر هذا النزيف خلال السنة الجارية والتي تليها، متجسدا في الارتفاع المتزايد للأسعار وتقلص إنتاج ورق الطباعة.

    

 

 

 

 

 




تابعونا على فيسبوك