يختبر المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء في دورته الثانية عشرة المنظمة في الفترة ما بين 10 و19 من الشهر الجاري، لأول مرة، وتيرته السنوية .
حول توقيت هذه التظاهرة الثقافية، التي تفتتح اليوم، وحول قضايا صناعة الكتاب والنشر وسوق القراءة، والقض
٭ ينعقد المعرض الدولي للكتاب والنشر، في دورته الثانية عشرة، في فترة متقاربة مع معارض عربية وأوروبية. ألا يطرح ذلك مشاكل للعارضين الذين يرغبون في المشاركة في أكثر من معرض، ومن ثمة ألا تبدو الآن ضرورة التنسيق مع معارض الكتاب في اختيار التوقيت، خصوصا أنكم تحدثتم في لقاء صحافي سابق عن شراكة مع حوالي 30 معرضا مماثلا في العالم؟
ـ هناك تنسيق بطبيعة الحال، هناك تنسيق على مستوى اتحاد الناشرين العرب وهناك تنسيق مع بعض المعارض الدولية. ونحن حددنا موعد المعرض الدولي بناء على هذا التنسيق. ولذلك فهو لا يلتقي مع أي معرض مهم آخر. ولكن لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك مئات المعارض الدولية التي تنعقد كل سنة ولا بد أن المعارض تستقطب العارضين بحسب أهميتها وجودة تنظيمها وبحسب نجاحها الثقافي ونجاحها التجاري
والعارضون يختارون، بكل تأكيد، بين مجموعة من المعارض الدولية .
وكما أن الناشرين المغاربة يختارون المعارض التي سيذهبون إليها ويقومون بتحديد الأولويات، كذلك الناشرون الأجانب بالنسبة للمعرض الدولي للكتاب.
في ما يخصنا التوقيت مدروس بعناية ولذلك فلم يكن لدينا أي مشكل في استقطاب العارضين الأساسيين الذين نتوخى استقطابهم كل سنة. بل بالعكس كان هناك طلب أكبر بكثير من العرض الذي تقدمنا به في هذه الدورة.
٭ في هذه السنة يتم اختبار الوتيرة السنوية للمعرض. وقبل هذا تطرح إشكالية جدوى معرض سنوي لسوق قراءة متأزم كما يجمع على ذلك الفاعلون الثقافيون؟
ـ يجمع على هذا بعض الناس الذين يبنون أحكاما فقط على انطباعات.
ليس هناك شخص واحد يمكن أن يقول لنا بالأرقام ماهي أزمة القراءة اليوم، وهل هناك تأزم؟ وإذا كان هناك تأزم، قياسا لماذا؟ قياسا للماضي، قياسا لدول أخرى مشابهة، قياسا لوتيرة الإنتاج.
أعتقد أن الوتيرة السنوية هي إحدى الوسائل الفعالة للتأثير على حجم القراءة وعلى حجم استهلاك الكتاب. وفي الوقت نفسه فهي وسيلة لتحسين الأداء في ما يخص هذا المعرض ولمراكمة التجربة الأساسية في مجال التنظيم والتنشيط الثقافيين.
ومن المؤكد أن حجم القراءة موازاة مع هذا المعرض يشهد تقدما ملحوظا وكبيرا
ولا أدل على ذلك من أن المعرض ليس حدثا ثقافيا فقط، ولكنه أيضا حدث تجاري والناس العارضون الذين يأتون المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء ويتهافتون عليه لا يفعلون ذلك لأن المعرض له نجاح ثقافي مهم فقط ولكن لأن المعرض يمكنهم من تجارة رابحة في مجال الكتاب.
ولذلك أنا أضع شيئا من النسبية في ما يخص الحديث عن أزمة القراءة في المغرب.
أعتبر أننا نحن في حاجة إلى دراسة تقويمية مرقمة وهو ما نفعله في الوزارة وسنقدم بمناسبة المعرض الدولي للكتاب نتائج دراسة نقوم بها عن وضعية القراءة في المغرب، ولا بد من الاستعانة بالتحقيقات الميدانية وبالأرقام المحققة في مجال الإنتاج والرواج في ميادين أخرى للتعرف على الأمور في دقتها وفي تفاصيلها.
٭ قلتم إن المعرض هو حدث تجاري أيضا. هل هناك تخفيضات وإعفاءات جمركية مثلا لتسهيل عملية اقتناء الكتب، خصوصا من العارضين الأجانب؟
ـ أولا ليست هناك رسوم جمركية على الكتب. وثانيا هناك عدد كبير من العارضين يخفضون بنسب مهمة تصل إلى 30 بالمائة من الأثمنة المعلنة.
وفي كل الأحوال إن وجود عدد ضخم من العارضين يفوق الخمسمائة يخلق من المعرض فضاء أيضا للمنافسة.
والمنافسة بطبيعة الحال تجعل عددا من العارضين يخفضون أثمنتهم ليتمكنوا من مس أكبر عدد ممكن من الزبناء.
٭ لتنظيم المعرض تكونت لجنة علمية وأخرى مختلطة مع وزارة الأوقاف، تبحث في مضامين الكتب المرشحة للعرض،هل هو شكل جديد من أشكال الرقابة؟
ـ لا بد من تدقيق هذه المعلومات حتى لا تُقدم كأنها حقائق. هناك لجنة مشتركة، ليس مع وزارة الأوقاف فقط. ولكن مع عدد من الوزارات: وزارة الاتصال، وزارة التربية الوطنية، وزارة الأوقاف، وزارة المالية، وزارة الداخلية. وهذه اللجنة الواسعة ليست لجنة لمراقبة الكتب.
ليست لجنة للرقابة، ولكنها لجنة للموافقة على لوائح الكتب التي تصل إلى الوزارة من قبل الناشرين للحصول على مكان لعرضها داخل المعرض. ونحن لنا رأي بالطبع عندما نتوصل بهذه اللوائح .فنحن لنا سياسة في ما يخص المعرض الدولي، نريد أن يكون المعرض فضاء لعرض الكتاب الحديث. نريد كذلك أن يكون فضاء لعرض التنوع الثقافي الوطني والعالمي. لا نريده أن يتحول إلى سوق للكتاب المستعمل أو الكتاب القديم
بل عنوانا لوضعية القراءة والكتاب في المغرب اليوم. وما هي الأشياء التي يطلبها قارئ اليوم في المغرب. ولهذا فنحن نحدد اللوائح مع الناشرين وليس ضد الناشرين، ولكن مع الناشرين أنفسهم لنتمكن من تقديم صورة متنوعة وغنية للمنتوج المعروض في المعرض الدولي للكتاب.
٭ تُثار مشاركة وزارة الأوقاف نظرا لانتشار الكتاب الديني في الدورات السابقة بشكل كبير وأيضا توزيع بعض الكتب بالمجان؟
ـ انتهت علاقة هذا المعرض الذي نظم منذ سنوات مع هذه الأشياء. هذا معرض لم يعد موجودا نهائيا. المعرض الذي كانت توزع فيه صناديق الكتب بالمجان، لا يعرف أحد على ماذا تحتوي، والمعرض الذي كان فيه البخور والند والأشرطة اختفى.
٭ لكن في الدورة السابقة كانت هناك بقايا لما تصفون؟
ـ في الدورة السابقة كان المعرض مختلفا، وحتى الذي كان قبله. منذ أزيد من خمس سنوات ونحن نحسن المنتوج في المعرض وسنويا هناك تحسين إضافي. واليوم المعرض لا علاقة له بهذه الأشياء، فهو منظم بطريقة مهنية .
الوزارة تعهد إلى مقاولات مختصة بعدد من القضايا المرتبطة بتنظيم المعرض
هناك إشراك لعدد من الناشرين، لأن هذا هو الأساس، نجاح المعرض مرتبط بنوعية الناشرين الذين يحضرون إليه. قبل أن نتحدث عن حضور الكتاب الفلاني في المعرض يجب أن ننظر للكتب الحاضرة في السوق الوطنية. المعرض ليس شيئا معزولا فهو الفضاء للحوار واللقاء والتنشيط الثقافي. وفي نفس الوقت هو حفل للكتاب ولهذا يتسع صدر المعرض لجميع الكتب.وليس له حرب معلنة على الكتاب الديني. وإذا كان أحد يريد حربا على الكتاب الديني فليقم بها بطريقة مباشرة. المعرض ليس وسيلة لهذا النوع من الحروب التي نعتبر أنها ليست حروبا ثقافية في العمق، بل لها خلفيات أخرى لا تهمنا
ويمكن أن تكون في المجال الذي يمكن أن تكون فيه.
وما نحن حريصون عليه ولا بد من إبرازه، كما يجب الاستماع فيه إلى الناشرين المعنيين أساسا بهذه التظاهرة، هو حرصنا على حضور الكتاب الجديد، حضور الكتاب في علاقة مع الحوار الثقافي، وليس حضور الكتاب كبضاعة لأننا لا نعتبر الكتاب بضاعة عادية. هو منتوج يثير أسئلة وحوارا ونافذة مفتوحة على الداخل وعلى الخارج. هو كذلك فئات متنوعة من الأعمار، من أطفال ويافعين وشباب إلى الناس العاديين.
وهو كذلك مجال لتلاقي لغات وحساسيات مختلفة، لذلك ففي المعرض العربية والأمازيغية والفرنسية والألمانية والإنجليزية والإسبانية. والطابع الدولي لهذا المعرض هو شيء أساسي. ولا يمكننا أن نتراجع ونجعل من المعرض فضاء مغلقا. ولهذا نحن نسعى أن يكون المعرض مهنيا ومنفتحا ودوليا وفضاء لالتقاء جميع الحساسيات الثقافية. وليس لنا أي حرب على أية جهة .
٭ هناك حديث عن مشاكل عالقة مع بعض الناشرين المغاربة، الذين يرفض بعضهم حتى هذه الوتيرة السنوية للمعرض، كما سبق أن صرحتم بذلك؟
ـ لم أقل ذلك.
٭ بل قلتم إن بعضهم رفض الوتيرة السنوية للمعرض واعتبرها مغامرة ؟
ـ اعتبروها مغامرة وهم منخرطون فيها ومقتنعون بها.
٭ صرحتم في الندوة الصحفية لإعلان المعرض أن بعض الناشرين رفضوا الوتيرة السنوية للمعرض واعتبروها مغامرة؟ ـ قلت عندما قررنا في الوزارة أن يكون المعرض سنويا، بعض الناشرين، وأنا أفهمهم لأنهم ينشرون خمسة أو ستة عناوين جديدة في السنة على أكبر تقدير، قالوا إننا لا نستطيع مسايرة هذه الوتيرة كل سنة ونضطر لبناء رواق ونتكلف إنفاقا من أجل الإعلان ونستدعي كتابا لتوقيع كتبهم أمام القراء والزبناء.
وهي وتيرة شيئا ما صعبة بالنسبة للمقاولات الصغيرة لكننا أقنعنا الناشرين بأننا أولا سنكون معهم، سندعم إنتاجهم وهو ما فعلناه. وإنتاجهم كله تقريبا ندعمه. وسنكون معهم كذلك في تنظيم المعرض. لأننا نتحمل تبعات المعرض بكل نفقاته، بما في ذلك أحيانا نفقات الناشرين. ولهذا فالناشرون المغاربة منخرطون تمام الانخراط في إنجاح هذه التظاهرة. منخرطون بإعدادهم كتبا جديدة ويتسلمون الأروقة ويقومون بعمل إعلامي وهم ضمن اللجنة الاستشارية بطبيعة الحال.
٭ سيفتح المعرض أبوابه إذن في ظل وفاق تام مع مهنيي النشر؟
ـ بطبيعة الحال نحن لا نصنع تظاهرة للوزارة. التظاهرة وسيلة للتأثير على قطاع الكتاب. ولذلك نحن نعتبر أنه من واجبنا أن نوفر الإنفاق العمومي في هذا المجال. وأن نضع هذا الجهد الذي يقوم به أطر الوزارة وأطر مديرية الكتاب ومندوبية المعرض، رهن إشارة الناشرين والكُتاب المغاربة.
هذا ما يهمنا، ولذلك فالمعرض ليس تظاهرة إدارية، لأنه تظاهرة ثقافية مهنية، العمود الفقري هو عمل المهنيين في عين المكان .
٭ يتردد أيضا أن عدد الناشرين الفرنسيين تقلص في هذه الدورة، وأن مشاركتهم، في أغلبها، ستكون بشكل غير مباشر . هل هو اختيار من أحد الطرفين وما مرد ذلك؟
ـ أنفي هذا تماما. أولا هناك أكثر من 80 ناشرا فرنسيا في المعرض. قضية المشاركة غير المباشرة تنسحب على عدد كبير من العارضين لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى. هناك تعاون بين عدد من الناشرين وعدد من وكلائهم ليكونوا حاضرين بكتبهم وإنتاجهم ومقاولات النشر كلها موجودة في عين المكان.
٭ ماهي دلالات اختيار "المغرب العربي"، كفضاء مشترك، ضيفا للشرف في الدورة الحالية للمعرض في ظل وجود مفارقة كبيرة، وهي الغياب المطلق لهذا التكتل على جميع المستويات؟
ـ هنا كذلك لا بد من وضع نوع من النسبية في أحكامنا. صحيح أن المغرب العربي كمشروع سياسي ومشروع تاريخي انبثق من لقاء طنجة سنة 1958 يبدو الآن أفقه مسدودا، لكن في نفس الوقت أظن أن هناك قناعات مشتركة بين عدد كبير من المغاربيين في جميع المستويات بأنه لا يمكن التقدم إطلاقا بدون بناء المغرب العربي
لا يمكن التقدم على المستوى الاقتصادي وكذلك على مستوى بناء كيانات قوية ومنافِسة بدون تحقيق هذا المشروع.
والمجال الثقافي لعب ولا يزال يلعب دورا أساسيا في إبقاء هذا المشروع وهذا الحلم قائما لدى أجيال متعاقبة. وربما حان الوقت، خصوصا أن أغلب دول المغرب العربي قد مر على استقلالها حوالي نصف قرن، ربما جاء الوقت لإثارة نوع من الحوار المفتوح حول هذا الفضاء المشترك، حول أسئلة هذا الفضاء المشترك. نحن لا نعتبر أن لدينا مهمة تعويض السياسي في مجالاته. ما يجب تحقيقه على المستوى السياسي يجب أن يحققه السياسي، لكن طبيعة عملنا، كوننا نشتغل بالإبداع والتفكير بالأساس يؤهلنا لطرح أسئلة نعتبرها اليوم أساسية.
بالإضافة إلى "المنبر الحر" الذي سيتعاقب عليه مجموعة من المفكرين المغاربيين في محاضرات سيقدمونها بطريقة حرة وسيختارون فيها الانشغالات والهموم الخاصة بهم للحديث عنها، ستكون هناك موائد مستديرة حول قضايا لها طبيعة آنية تسائِل كل المغاربيين: قضايا تتعلق بالحق في الذاكرة، قضايا متعلقة بالعودة إلى التاريخ القريب ومساءلته، قضايا الهجرة، قضايا المغرب العربي وعلاقته بالفضاء الأورومتوسطي، القضايا المتعلقة بالمسار المغاربي، كيف رأى المغاربيون هذا الفضاء عبر الصحافة والمجلات، عبر التطور الذي حققه الإبداع والتفكير في المغرب العربي. وهذه كلها قضايا ستكون في المعرض. وأكثر من ذلك سنجد الفرصة ليكون هناك حوار مباشر بين الكُتاب والجمهور، وهؤلاء الكتاب سيشكلون اليوم نوعا من الذاكرة الأدبية الحديثة للمغرب العربي، سواء كانوا يكتبون باللغة العربية أو غيرها من اللغات.
٭ يلاحظ أن ندوات المعرض منفتحة على مواضيع من خارج الشأن الثقافي المحض.
فهل تسعون إلى جعل المعرض فضاء للنقاش العام، في كل ما يهم الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن الشأن الثقافي؟ وما الداعي إلى ذلك؟
ـ أظن أن القضايا العامة كلها تغذي مجالات الكتابة ومجال الكتاب. مثلا قضية عامة مثل "الإسلام السياسي" نجد أن هناك أدبيات واسعة في الدراسات السوسيولوجية والدينية وأيضا في النقد الأدبي تتعلق بهذا المجال. هذه قضية عامة لكنها قضية تغذي الكتابة. لهذا من الطبيعي أن نستدعي كاتبا أو كاتبة كتبا حول »الإسلام السياسي« إلى فضاء المعرض. لا نبتعد عن المجال الثقافي. نبقى دائما ملتصقون بمجال الكتاب والتأليف
ونعتبر المعرض كتظاهرة ثقافية من واجبه ألا يتحول إلى غرفة مغلقة لا يدخلها إلا الادباء ويبقوا فيها وحدهم.
بما أننا اخترنا أن ننظم تظاهرة لها طابع "شعبي" جماهيري، تراهن على توسيع دائرة المعرفة والقراءة وتوسيع تداول الكتاب، لا بد أن نجلب الناس، ليس فقط بالكتب المعروضة، ولكن أيضا بالأسئلة والقضايا التي ينتظرونها. إذن قضايا الهجرة وحقوق الإنسان والمرأة لا نعتبرها فقط قضايا عامة لا يشتغل عليها إلا الحقل السياسي، ولكنها كذلك موضوع للتفكير والحوار .
ولا بد أن يكون المعرض فضاء منفتحا على قضايا الإبداع وفي نفس الوقت على قضايا ذات طبيعة اجتماعية وسياسية .
٭ في الدورات السابقة للمعرض، لوحظ غياب الأشكال الجديدة للقراءة، من قبيل الكتاب الإلكتروني. هل سيكون هناك جديد على هذا المستوى في الدورة الحالية؟
ـ نحن لم نضع حاجزا أمام الناشرين. الناشرون الذين لهم منتوج إلكتروني يمكن أن يجلبوه للمعرض إذا التزموا بقانون العارضين. فليس لنا أي اعتراض، بالعكس نحن نرحب بهذا المنتوج. في دورة السنة الماضية تحديدا كان هناك فضاء مخصص للكتاب الإلكتروني في المعرض.
في هذه السنة بكل تأكيد ستكون هناك دور نشر بحضور الكتاب الإلكتروني. ومع ذلك لا بد من استحضار أنه في المعرض، وكباقي معارض الكتاب الدولية، الحاضر بقوة هو الكتاب في شكله التقليدي.
٭ لوحظ أيضا في الدورة السابقة كثرة العارضين الأجانب، في ما يبدو كأنه على حساب العارضين المغاربة. فهل كان هذا وراء تجميع العارضين المغاربة في هذه الدورة
وهل ستعطى لهم فضاءات أكبر من السابق؟
ـ إذا تم تسجيل وجود أي ناشر مغربي غير عارض بالمعرض يمكن طرح هذا السؤال
لكن أظن أن جميع الناشرين المغاربة موجودون. وهذه السنة، يجب أن أحدد ذلك، يوجد بعض الناشرين المغاربة في أروقة منفردة لأن لهم حجما كبيرا من الإنتاج، وكل الناشرين، الذين لهم أهمية ثقافية كبيرة ولكن إنتاجهم ربما غير واسع جدا، كلهم مجتمعون في فضاء واحد ضمن الفضاء المغاربي.
لم ننجح هذه السنة فقط في إشراك جميع الناشرين المغاربة، بل نجحنا في جعل الكثير منهم يعرضون، بطريقة جماعية، إنتاجهم السنوي وإنتاجهم في مجال الكتاب
يجب كذلك أن أوضح أن الطابع الأساسي للمعرض هو أنه معرض دولي.
كنا قبل سنوات نُتهم بأن الصفة الدولية تقريبا منعدمة، لأن الحاضر بقوة هو الكتاب العربي والكتاب المغربي وقليل من الكتاب الأجنبي . الآن أسمع منك أن الطابع الدولي هو الطاغي، وسأكون سعيدا إذا كان الأمر كذلك. لكنني أظن أن اليوم، حتى نكون متواضعين، هناك فقط المؤشرات الأولى لهذا التحول.
بدأنا نتحول فعلا إلى معرض دولي حقيقي بحضور عدد من الناشرين الاجانب. في هذه السنة أنا سعيد كذلك ليس فقط لأن الناشرين الأوروبيين موجودون بكثرة ولكن كذلك لأن ناشرين من قارات أخرى موجودون.
وخصوصا لأول مرة في المعرض الدولي للكتاب سيكون هناك جناح إفريقي كبير لأزيد من ألف عنوان تمثل الكتاب الفني والكتاب الموجه للأطفال والكتاب الأدبي والدراسات، بحيث يمكن أن أقول إنه لأول مرة سيتوفر في فضاء المعرض مجال إفريقي واسع لم يسبق له الحضور بهذه الكثافة وبهذه القوة.
٭ المقصود هو حجم مشاركة الناشرين المغاربة في المعرض بالمقارنة مع الأماكن المخصصة للأجانب؟
ـ هذا يحتاج إلى قياسات للتأكد من ذلك. ما يمكن الحديث عنه هو عدد الأروقة لأنه في هذه السنة لم تبق لنا أروقة صغرى. كانت هناك أروقة 9 و18 و27 مترا وما فوق. في هذه السنة أصغر رواق لدينا من 18 مترا. لذلك وسعنا المجال.
نحن نتجه إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الناشرين، وطنيين وأجانب، بشكل مستمر ومنتظم.
٭ بالعودة إلى سوق القراءة، هل يمكن في ظل الوضع الحالي تأكيد أن المعرض يشجع فعلا على القراءة في غياب دعم حقيقي للكتاب، كما تدعم المواد الاستهلاكية الأولية؟
ـ أنا لا أدري ما تقصده من "الدعم الحقيقي"، إنما ألح على أن اليوم هناك سياسة لدعم الكتاب في المغرب. لم تكن من قبل ولكنها اليوم موجودة . هناك دعم الكتاب لدى الناشر ودعم الكتاب من خلال شراء الكتب المغربية وهناك دعم الكتاب من خلال تعزيز فضاءات القراءة العمومية التي تقتني الكتاب .
وأيضا هناك دعم من خلال الاتفاقيات الكثيرة التي تبرمها الوزارة مع الجماعات المحلية والجمعيات الثقافية وأيضا من خلال الأسابيع الثقافية وإيجاد الكتاب المغربي في السوق العربية وفي السوق الدولية ومشاركة الناشرين المغاربة في عدد كبير من المعارض الدولية للكتاب.
هذا دعم أساسي يتوجه لقطاع الكتاب ولم يسبق له مثيل أبدا . لا بد من تسجيل هذا التطور وهو تطور مهم ومفيد وأول من يشهد بذلك الناشرون المغاربة .
*هل سيعطي هذا الدعم نتائج مباشرة على مستوى القراءة؟
- أنا أقول، بكل موضوعية، إنه يجب الانتظار سنوات ليقع تغير بنيوي في العلاقة بين المواطن والكتاب . لأن هذه العلاقة ليست ثقافية فقط، وهي، إن صح التعبير، علاقة سوسيو ثقافية. لا بد أن يصبح الكتاب تقليدا في الحياة اليومية للمواطنين وتقليدا في الاستهلاك وتقليدا في الحياة الاجتماعية وتقليدا حتى في تنظيم فضاء البيت
حتى البيوت يجب أن تتعود على استضافة الكتاب في ركن منها كما تستضيف الثلاجة وآلة الغسيل.
وهذا التطور لا يمكن ان يكون وليد لحظة . لا بد من بناء تدريجي ووقت لتغيير العلاقة الموجودة اليوم مع الكتاب رأسا على عقب. وهي علاقة الاستهلاك الموسمي أو الاستهلاك الطارئ أو الاستثنائي. يجب أن نركز في التقاليد المغربية على أن يصبح استهلاك الكتاب ضروريا وأساسيا. يجب أن يصبح مادة أساسية كما قلت في سؤالك.
٭ إجراء مساهمة الوزارة بنسبة 50 بالمائة في الطبع، مقابل تخفيض النسبة ذاتها من ثمن البيع من بين الإجراءات التي اتخذتموها للدفع بفعل القراءة ضمن تشجيع مختلف التعبيرات الثقافية والفنية.
كيف تقيمون الآن هذه المساهمة، وهل ستمرون إلى إجراءات تشجيعية أخرى لتجاوز سقف 5 آلاف نسخة للكتاب المغربي؟
ـ نحن نحاول أولا وقبل كل شيء أن نؤثر على جميع مراحل العلاقة بالكتاب، من التأليف وتشجيع عدد من الكتاب بواسطة النشر في سلاسل الوزارة وغير ذلك مرورا بالإنتاج والكميات المتداولة من الكتاب عن طريق الشراء العمومي للكتاب ومرورا بمجالات أخرى ليس لها علاقة مباشرة مع الوزارة لكننا ننسق فيها مع قطاعات وزارية أخرى كالإعلام والتربية الوطنية إلخ.
نحاول التأثير على جميع هذه المراحل ونحن نعرف أن هناك رهان الكم يجب ربحه كمغرب
رهان الكم أي كم ننتج سنويا وكم نبيع من الكتاب وكم نسحب سنويا من الكتب
هذا رهان أساسي. ربما يقول البعض إن المهم هو الكيف. في المجال الثقافي الكم مهم أيضا. وأظن أن التحول التدريجي من هواية الكتاب إلى صناعة الكتاب، أي إلى إنشاء مقاولات حقيقية تستثمر وتسوق وتتواصل، التحول من الهواية إلى المهنية العالية في مجال صناعة الكتاب هو تحول اساسي وهو ما نسعى إليه وما ننتظر منه أن يؤدي إلى توسع بيِّن لتداول الكتاب. وليست لنا أوهام.
ولا نعتقد أنه إذا خفضنا 50 بالمائة من ثمن الكتاب سيصبح في الغد كتابا مقروءا
ومن يظن أن الثمن وحده هو الذي يلعب دورا في توسيع القراءة فهو خاطئ
يمكن أن يلعب الثمن دورا نسبيا، لكنه ليس هو العامل الحاسم في هذا الموضوع .
٭ ستقدم "جائزة الكتاب"ضمن أنشطة المعرض. فهل الجائزة فعلا قاطرة لتشجيع الإبداع والنشر و"صرخة" بوزفور في هذا الصدد لا زالت ماثلة في الأذهان؟
ـ نحن لا ندعي أن الجائزة ستحل جميع مشاكل الكتاب، ولا أن تحول الكتاب الذي تُباع منه 200 نسخة إلى كتاب تباع منه مئات الآلاف من النسخ. نحن نشتغل في الواقع المغربي المعروف.
فيه محدودية معروفة لا مجال الآن للحديث عنها وعن أسبابها التي بعضها تاريخي وبعضها ظرفي، إنما نحاول من خلال الجائزة ومن خلال أشياء أخرى أن نمارس تأثيرا إعلاميا لفائدة الكتاب. سترون في المعرض أن الكتب الفائزة بالجائزة عليها علامة مميزة. أتمنى أن يوصلنا تعاون الكتبيين والناشرين والمؤسسات العمومية والجمعيات الثقافية إلى أن تصل الكتب الفائزة وأيضا الكتب الأخرى إلى القراء بطريقة أفضل.
نحن لا نتوهم مثلا في المغرب أن كتابا يحصل على جائزة معينة في دولة معينة يسحب في اليوم الموالي مائة أو مائتي نسخة. هذا لا يحصل عندنا الآن في المغرب في الظروف والشروط الراهنة. نتمنى أن تتطور الأمور في هذا الاتجاه .
٭ كيف تقيسون نجاح أي دورة من معرض الكتاب؟ وهل تكتفون مثلا برقم نصف المليون من الزوار ووضع أفق تجاوز المليون سنة 2010؟
ـ في الواقع ليس من الضروري إطلاقا أن نتحدث عن الأرقام، لسنا في سباق مع أي أحد
ما يهمنا هو أن تحسن كل دورة من مجال مشاركة العارضين، تحسن في مجال التنشيط الثقافي وتحسن في مجال تردد الجمهور على المعرض، تحسن تجاريا بتحقيق رقم معاملات مهم وهذا دليل صحة على رواج الكتاب. كما أن مقاولة النشر يجب أن تخرج من المعرض بنقاط قوة. وهذا هو ما نسعى إليه.
ونحن معتزون الآن بالطفرة النوعية التي تحققت في هذا المجال بفضل تظافر جهود العاملين في هذا القطاع: مديرية الكتاب ومندوبية المعرض، لكن كذلك بفضل انخراط مهنيي الكتاب في هذا المشروع الصعب لكنه حيوي.
ونشعر الآن أن المعرض الدولي الآن يحصل على التقدير الكبير في الأوساط المهنية المهتمة بهذا الشأن. إذا طورنا عدد المبيعات وعدد الرواد وعدد المشاركات هذا جيد، لكن ما يهمنا، أولا وقبل كل شيء، أنه ليس لدينا هاجس الأرقام . ما يهمنا أن يصبح منتوجنا كبيرا .
منتوجنا الآن مقنع وجيد بشهادة عدد كبير من الناس وطموحنا أن نحافظ على هذه القيمة مع تطويرها إلى ما هو أرقى وأحسن.
٭ سبق أن صرحتم أن ميزانية المعرض هي حوالي 5 ملايين درهم، أربع أخماسها من ميزانية وزارة الثقافة . ألم يحن الوقت لمأسسة المعرض وإعطائه طابعا مهنيا واستقلالية أكثر عن الوزارة؟
ـ المعرض الدولي للكتاب ممأسس وهو من أهم التظاهرات التي تقوم بها الوزارة .
٭ تقوم بها الوزارة، متى يستطيع المهنيون تنظيم مثل هذا المعرض بأنفسهم؟
ـ إذا كان المهنيون قادرون على تنظيم المعرض ابتداء من الغد فالوزارة مستعدة لدعمهم في ذلك. الوزارة تبقى ملتزمة بجميع التزاماتها تجاه المعرض وهم يتكلفون بتنظيمه
وهذا ليس قرار الوزارة وأنا أقول رسميا إذا أراد المهنيون تنظيم المعرض نحن معهم وسنبقى دائما نقوم بواجبنا وهم ينظمونه.
٭ يحضر في الدورة الحالية هاجس تقييم خمسين سنة من الاستقلال في المغرب، وأيضا في المغرب العربي. هل تعتبرون أن الوقت قد حان لتقييم نصف قرن من العمل الثقافي بالمغرب؟ وكيف ترون ذلك أنتم في الوزارة؟
ـ ليست لنا أي نية أو إرادة لتقييم خمسين سنة من الاستقلال في المعرض. بطريقتنا في الاحتفاء بمرور نصف قرن على الاستقلالات السياسية لدول المغرب العربي كان الفضاء المغاربي الثقافي هو ضيف الشرف للمعرض الدولي للكتاب كما تم استدعاء مفكرين مغاربيين ليراهم الناس ويتحاوروا معهم ويتواصلوا معهم ويعرضوا كتبهم ويقدموا محاضرات حول هواجسهم وانشغالاتهم. لسنا هيئة للتقييم لخمسين سنة. وإذا كنت تحيل إلى التقرير الذي أُعد فالمجال الثقافي حاضر فيه، وفيه مجال النشر أيضا ويمكن الاطلاع عليه .
٭ ماهي الآفاق التي ترسمونها للشأن الثقافي بالمغرب، في ظل ميزانية محدودة وانتظارات كبيرة؟
ـ أظن أن تطور المجال الثقافي في المغرب ليس متوقفا على الميزانيات
التطور الثقافي مسار تاريخي، فيه تطور المجتمع بجميع بنياته، فيه تطور الإنتاج والإبداع وعلاقة المواطنين بالعمل الإبداعي والفكري، فيه عمل النخب والمؤسسات والعمل المرتبط بالتربية والتكوين، فيه تطور المجتمع.
يمكن أن أعطي مثالا رغم أنه مختزل لكنه يجسد هذه الفكرة. لو كنا دولة غنية نفطية مثلا ولنا مداخيل كبيرة، هل كان بإمكاننا أن نقرر تخصيص اعتمادات مالية سنوية ونصبح في الغد دولة تنتج مئات الروايات و مئات القصص و مئات الأفلام ونصبح دولة متقدمة ثقافيا؟ المسألة ليست طريقا يمكن إنجازه أو مستشفى نقوم ببنائه.
هذا تحول يأتي من أحشاء المجتمع وبتأثيرات متقاطعة ومختلفة، تأثيرات محلية وأخرى خارجية، تأثيرات آتية من الثقافة وتأثيرات من حقول أخرى مثل الاقتصاد والدين والمجتمع
ولهذا لا بد أن نعي بأن بلادنا خطت خطوات مهمة لصالح تطور المجال الثقافي.
وأنا أعتبر أن التطور السياسي لبلادنا ومكانة الحرية فيها عنصر أساسي في المجال الثقافي. لأنه لا يمكن أن تتطور الثقافة في مجتمع مكبوت ومقهور .هذا شيء أساسي
الإصلاحات الجارية في مجال التعليم وإصلاحات أخرى تشجع كلها على تحرير الطاقات وهي العتبة الأولى التي يمكن أن نسير منها نحو إبداع واسع وعميق.
وأظن أنه لا بد أن تكون لنا نظرة للمستقبل لا ترى فقط الفراغات الموجودة اليوم ولكن ما هي الطاقات التي يمكن أن تتجدد باستمرار والتي يمكن أن تكون العنصر الحاسم في التطور الثقافي المنشود .