في مجموعة "هي البداية" للكاتبة القطرية مها الهنداوي يواجه القارئ أساليب ورؤى فنية مختلفة بل متناقضة أحيانا ومتفاوتة في الجودة الفنية أحيانا أخرى.
أجواء قصص مها الهنداوي خليط من الرمزي والسريالي الذي تحتشد فيه الافكار والمشاعر .
والواقعي الذي يصل إلى مستوى "العادي" وتكاد تخبو فيه اللمعة الفنية وهو قليل
بعض هذه القصص يشكل قصصا فنية كاملة بل مميزة ومنها ما هو أقرب إلى لوحات فنية رمزية وقسم آخر كقصة "انتحار شاعر" مثلا يبدو أقرب إلى ان يكون حالة تتداخل فيها أجواء الأساطير والمقالة الوجدانية.
بعض نتاج مها الهنداوي الكاتبة والباحثة يشبه حكايات واقعية او صفحة واحدة منتزعة من حياة متعددة الصفحات.
بل هو أقرب إلى نقل حالة أو تحول من حالة إلى أخرى كما في قصة "انقلاب" التي تكاد تكون تقريرية.
إلا ان معظم هذه القصص "يقول" أكثر مما يبدو على "السطح" مجموعة مها الهنداوي التي درست في الولايات المتحدة وتشغل وظيفة مدرس مساعد في جامعة قطر كما تعمل في وظيفة استشاري إرشاد في مركز الاستشارات العائلية اشتملت على 14 قصة توزعت على 93 صفحة متوسطة القطع.
وقد صدرت المجموعة عن دار"فراديس للنشر والتوزيع" في البحرين لوحة الغلاف هي رسم من أعمال الفنانة دلال القيسي.
في القصة الأولى "إشارتنا الحمراء" يتجاور الرمزي والعبثي، الرمزي يبدو كأنه يتحدث عن وضع بلدان تشبه بلدان هذه المنطقة من العالم .
اما الأطار الذي يرد فيه ذلك فيبدو فوق الواقع وأقرب الى عالم الأحلام أحيانا من حيث حركته ومن حيث كون الاحلام قابلة للتفسير وانها قد تكون انعكاسا للواقع.
و"الانعكاس" هنا هو بمعنييه الاثنين "المرآتي" ناقل الصور وذلك الذي يرينا النقيض
والانعكاسان لابد من ان يأتيا في غالب الأحوال في جو يراوح بين الضباب وبين الأقنعة وهناك في الحالين شيء من الاختلاف اذ لا يمكن ان تكون الامور صورا او حالات طبق الأصل.
واللعبة الفنية هنا ذكية وموحية وقد تكون الأبرز بين القصص من الناحية الفنية
فهي عبر شيء من "اللا معقول" تنقل "وضعا عاما" يشبه هذه "اللا معقولية"، ويتحول الأمر إلى أوطان لا تسير أمورها سيرا صحيحا.
ويغدو ما كان يفترض ان يكون حالة توقف مؤقتة الى "إقامة دائمة" بل إلى تخلف راسخ
نبدأ بمشكلة مألوفة نوعا ما اشارة السير الحمراء لا تنطفئ يتجمع صف من السيارت في انتظار اشارة التحرك لكن دون نتيجة.
يزداد صف السيارات طولا وترتفع الاصوات والتأفف والاحتجاجات يقول الراوي "تفاءلنا خيرا عندما رأينا شرطي المرور يقطع الشارع من بعيد متجها إلينا حدق في الاشارة نظر الى ساعته هز كفيه مستغرباانتظرنا اكثر وقد أصابنا الملل والضيق تجمعنا مرة اخرى نتباحث حلا علت الاصوات بين معارض ومؤيد.
فما لبثنا ان رأينا ضابطا تبدو عليه علامات التوتر والانفعال متجها نحونا بخطى سريعة "بعد حوار مع الشرطي اخذ ينظم صفوف السيارات ليفسح في المجال لسيارة سوداء ذات ستائر كي تمر والحجة هي "ان السيارات السوداء اكثر امتصاصا لحرارة الشمس".
وتستمر الحكاية ففي اليوم الثالث قضى التعب على عدد من الناس فأحضرت اوراق للتوقيع والبصم وفي اليوم الرابع صدرت أوامر بتوفير الطعام، في اليوم الخامس أحضرت أغطية ومفارش وملابس، في نهاية الأسبوع تلقوا وعدا بأنهم سيتوجهون إلى منازلهم وأعمالهم.
اليوم الثاني من الأسبوع الثاني كان مخصصا لترتيب "الخطبة" ووضع المنصة والسجاد الأحمر لقدمي الخطيب وتجهيز مكبرات الصوت وعلى غرار قول لسعيد تقي الدين ان "أطول ساعات العمر هي التي نمضيها بين.
سيداتي سادتي
وعاش لبنان"، نقرأ ان الخطيب جاء "فأشاد بموقفنا العظيم والتزامنا بالوقوف اعتذر لنا ونحن بدورنا صفقنا فشكرنا مرة أخرى" وقبل ان يغادر قال انه سيتصرف.
"ما زال الرجل يؤكد لنا انه سيتصرف وما زالت الاشارة حمراء وما زلنا واقفين ملتزمين الى الآن ننتظر".