الصويرة تحتفي بأحد رموزها التشكيليين

تكريم الراحل بوجمعة لخضر

الإثنين 11 شتنبر 2006 - 15:40
أحد رسومات الفنان التشكيلي الراحل بوجمعة لخضر

كرمت، أخيرا، جمعية سلام للثقافة والتنمية بتنسيق مع جمعية الصويرة موكادور الفنان التشكيلي الراحل، بوجمعة لخضر.

التكريم تضمن قراءات مختلفة ومتنوعة في مجمل أعماله التشكيلية، فضلا عن شهادات نوهت بمناقب الراحل، خرجت سلسة من أفواه من عاشروه عن كثب، وكانوا فعل الصديق والأخ والزميل، أمثال شهادة أحمد رفيق (أستاذ)، وعبد المالك بنحمو (معلم حمدوشي)، وأمين راشدي (مربي)، وغيثة رابولي (محافظة متحف سيدي محمد بن عبد الله).

يعتبر الفنان التشكيلي بوجمعة لخضر من بين التشكيليين الصويريين الذين تركوا أثرا بليغا، وبصمات وشمت المشهد الفني بالمغرب، كما يعتبر من قيدومي هذا الفن بمدينة الصويرة، هذا فضلا عن حضوره القوي في المعارض المغربية والأجنبية على عهد ذلك الوقت.

اشتغل المحتفى به محافظا بمتحف الفنون الشعبية بالصويرة من 1980 إلى 1989، وهي السنة التي غادرنا فيها، وقد ترك لوعة وأسى وحرقة في قلوب أصدقائه والقريبين إليه.

لخضر علامة مضيئة في تاريخ التشكيل المغربي المعاصر، إذ بحث في مجموعة من الميادين قادته إلى السحر الشعبي، وإلى الموسيقى التقليدية، والنحت والصناعة التقليدية، فضلا عن أبحاثه في تاريخ مدينة الصويرة التي ظلت حاضرة في وجدانه، وكان من بين الذين قدموا لها خدمات جليلة.

وباعتباره فنانا تشكيليا حركيا، افتتن بوجمعة لخضر بعوالم الإبداع، ونقب عن أصول الأشياء، ولهذا كان رائيا ومجددا في الحركة التشكيلية الصويرية خصوصا، وفي الحركة التشكيلية المغربية عموما.

يستدعي في أعماله النحتية، التي يسهر على أن تكون مثالية، صورا هندسية، برزت في شكل واضح في قطع من النحاس، إذ جعل من هذه المادة حمولة وسندا لإبداعاته في هذا المجال.

المثير للانتباه، أن بوجمعة لخضر، أول من وظف الرمز كثيمة في مجال الفن التشكيلي، فهو يسائل الثقافة الشعبية أو الموروث الشعبي، فلا غرو، إذن، أن نجده يهتم بالسحر الشعبي.

لم يتوان عن النبش في الذاكرة الشعبية والبحث عن درر وكنوز المعرفة، إذ حمل ريشته وإزميله طيلة 30 سنة، وهي المدة التي استغرقها في الصباغة والنحت والغرافيك، مسترشدا بوقار الحكماء وصمتهم، وجدلية الفلاسفة، باحثا تارة عن رمز وطلسم لفك شفراته واستنطاقه، وتارة أخرى اندهاشه أمام الغرائبي، وهي الصورة التي ظلت ملتصقة به على امتداد مساره الفني.

أقام بوجمعة لخضر معارض فنية منذ 1959، إذ عرض في مجموعة من المدن المغربية، كما في فرنسا بمناسبة البينال السادس في باريس، وتوجت أحد أعماله في معرض عالمي، أقيم بمركز بوبور بباريس تحت عنوان: "سحرة الأرض"، وكان المغاربي الوحيد الذي شارك إلى جانب فنانين عالميين ذائعي الصيت، وقد جذبت أعماله انتباه نقاد كبار في ميدان التشكيل العالمي.

في قماشات بوجمعة لخضر تأخذنا الدهشة الأولى، ويسافر بنا إلى عالم اللون والإيحاء والدال والمدلول، والمرئي واللامرئي، إذ نقف على التعقيد الهادئ، حيث الفن بالنسبة إليه طقس صامت يضيء ليالي مكتملة البدر، لأنه لا يعيش مثل الآخرين، يفضل التواضع، افتتن بعالم العلامة والرسائل والرموز، وكل غريب في الثقافة الشعبية، كما اتكأ على الثقافة العربية ـ الأمازيغية واليهودية والإفريقية باحثا عن علاماتها المبهمة والغرائبية والأسطورية.

بحث في الأساطير لاستجلاء غموضها، وترجمة أسرارها.

كتب لخضر ذات مرة عن الفن : "الفن مفهوم غامض، بسيط، معقد في الآن نفسه، ويمكن القول إن الفن صلاة ملغزة أمام المطلق. الفن منبع العلامات والرموز، والفن أيضا تعبير سحري عالمي شفاف.
أحاول أن أكون أكثر وضوحا لإبراز هذه الفكرة على الأقل لنفسي".

وقال عامل عمالة الصويرة عبد السلام بكرات، خلال تكريم بوجمعة لخضر، سنهيء مستقبلا قاعة في متحف المدينة، لتحتضن أعمال هذا الفنان الاثنولوجي، الذي يعتبر أحد أعمدة الفن التشكيلي المغربي المعاصر، سنشكل لجنة مهمتها جمع أبحاث وكتابات بوجمعة لخضر لنشرها.

وكتب عن أعماله الفنية، الكاتب محمد سجلماسي : "إنه عالم غامض، ساحر ـ أسطوري
الغرائبي والأسطوري والسحري ثيمة طافحة في جل أعماله، سواء الصباغية أو النحتية"
لخضر أكثر من اسم موشوم في ذاكرة التشكيل المغربي، إنه وجه إشكالي، الذي أعطي للفنون التشكيلية مكانة مهمة، تظل شاهدة على أعماله، ويستحق هذا التكريم، فرغم غيابه يبقى فنانا استثنائيا، كرموزه وأشيائه وكائناته وعلاماته التي انجذب إليها النقاد العالميون.




تابعونا على فيسبوك