الكتاب المدرسي يدخل مرحلة المقاربة والمواكبة النقدية

الإثنين 27 مارس 2006 - 11:18
المؤسسة التعليمية فضاء لترسيخ ثقافة حقوق الانسان

دخلت تجربة التأليف المدرسي، مرحلة المقاربة والمواكبة النقدية، قصد استحضار مكامن التعثر والضعف، وتعرية المستور بين النصوص والصور والرسوم، بهدف تجذير ثقافة جديدة تستجيب للتحول في إطار سيرورة الإصلاح الذي تعرفه المنظومة التربوية.

هذا ما يمكن أن نستشفه في اللقاء العلمي الذي نظمته وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ورابطة التربية على حقوق الإنسان يوم السبت الأخير في الرباط، حول نتائج قراءة كتب مدرسية من زاوية حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وقد همت الدراسة 50 كتابا من الكتب المدرسية الجديدة ـ حسب خديجة شاكر، مديرة مركز تكوين مفتشي التعليم ـ وكان ذلك بناء على المساطر الجديدة التي أتاحت كل فرص المنافسة والتعددية التي قطعت مع الرأي والكتاب الوحيد الذي كان عليه الأمر في ذي قبل.

وأبرزت خديجة شاكر في تصريحها لجريدة "الصحراء المغربية"، "أن من شأن هذه الدراسة أن تساعد على إعادة تأليف الكتاب المدرسي، بأسلوب يقطع مع الصيغ النمطية في المتن، خصوصا وأن الزاوية المعالجة في الدراسة هي كيفية التعاطي مع حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وهنا يبرز ـ تضيف خديجة شاكر ـ أهمية تدبير ثقافة الاختلاف واحترام الحقوق والواجبات، لا سيما وأن المستهدف من محتويات هذه الكتب هم الناشئة"، التي تقتضي اعتماد المدرسة المغربية اليوم كمختبرات مصغرة لممارسة الحياة الديمقراطية، حسب ما أكد عليه عارف عبد الغني (منسق مركزي في مداخلته وأضاف "أن ترسيخ ثقافة المواطنة يأتي عبر المناهج الموازية من أنشطة ومحاضرات وندوات وألعاب ترفيهية هادفة، وغيرها من الآليات التفاعلية، التي تعطي لعملية الممارسة بعدها الذي يتجاوز المادة الدراسية بمفهومها التقليدي، والمدرسة بهذا المعنى ـ يقول عارف ـ عامل أساسي للقضاء على التناقض القيمي"، ومن هنا يبرز، "أن الدراسة المنجزة على الكتب المدرسية هي رسالة رمزية إلى المؤلفين، والذين معظمهم لم يخضعوا لأي تكوين مسبق يخص تأليف الكتب ولم يتعرفوا من قبل على السياق العام لتناول موضوع حقوق الإنسان"، وبالتالي، فلجنة التأليف، يضيف عارف، تضم مشارب مختلفة بعضها ينتمي إلى تنظيمات سياسية أو حقوقية أو جمعوية، وبالنسبة له يمكن "أن يكون البعض مؤهلا للتأليف المدرسي من زاوية المعالجة المطلوبة والبعض الآخر، لا علاقة مسبقة له بموضوع حقوق الإنسان، ومن النادر أن يرتكز على حقوق الإنسان في عملية التأليف المدرسي، ولذلك فليس غريبا أن تظل بعض الأحكام الجاهزة بشأن المرأة حاضرة في الكتاب المدرسي، كما هناك فئة أخرى لديها مواقف مسبقة من موضوع حقوق الإنسان، مما انعكس سلبا على طبيعة حضوره في الكتب المدرسية، وليس غريبا كذلك أن تتضمن بعض هذه الكتب ما يتنافى مع مبادئ المساواة بين الجنسين".

وخلص عبد الغني عارف في مداخلته إلى "أن الكتب المدرسية محل المتابعة، تنطلق من اجتهادات فردية، الأمر الذي يستدعي أو يفترض اتخاذ إجراءات تنظيمية لتكوين وتتبع لجان التأليف"، وفي ما يتعلق بالتقرير المنجز على غرار معاينة للكتب المشخصة، شدد عبد الغني عارف على ضرورة التزام التوازن في تناول العينات ليكون التشخيص سليما، وحتى لايتعرض لأي تأويل، ومن ضمن ذلك الخصوصيات التركيبية لكل لغة واللاوعي الثقافي السائد في توظيف بعض الصور والتعابير التي تكون عادة جاهزة في مخيلة الكاتب.

لكن ما سجل لصالح هذه العملية، أنها أخرجت الكتاب المدرسي من الرأي والفكر الواحد إلى موضوع التداول والتقويم، وهذا ما ذهب إليه بوبكر لكرو (مفتش تربوي وعضو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان)، في سياق مداخلته، حيث أبرز "أن أقل ما يمكن أن تحدثه هذه الدراسة هي جعل كل مؤلف أو مقوم أو قارئ، يراجع نظرته في التأليف أو التقويم أو القراءة، ويعتبر أنها يجب أن تستجيب لمبادئ الحقوق والواجبات"، وهذا يدخل أيضا في صميم التوجه العام للميثاق الوطني للتربية والتكوين، يضيف بوبكر لركو، وفضل بناء على قراءته النقدية للمنتوج، ضرورة تدعيم المنتوج بأمثلة حية من الكتب المدرسية، بما يتنافى أو يعزز القيم المدروسة بالصور والكلمات والجمل وحتى الفقرات للرجوع إليها، والأخذ بها عند الاقتضاء.

ومن جهته تساءل بودريس بلعيد (مدير مركز البحث الديداكتيكي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)، عن "سبب إقصاء كتاب الأمازيغية من عملية التمحيص الحقوقي، خصوصا وأن دخول هذا الأخير غمار التدريس، يجعله في حاجة إلى تقويم لمحتواه، من طرف الفاعلين التربويين والجمعويين والحقوقيين، بغية الاستفادة من الأخطاء وتكريس الإيجابيات".

وبدوره يرى سعيد أبو القاسم (باحث)، أن مثل هذه الدراسة يجب أن تحتفي بها وتقاربها جهات أخرى مستقلة، وتحدو حدوها قطاعات عمومية أخرى، واعتبر "أن النواقص الموجودة في الدراسة تكمن في صعوبة المطابقة بين الاستنتاجات داخل الدراسة الخاصة وبين الخلاصات العامة والنهائية"، ومن جانبه ثمن مصطفى مستور (رئيس منتدى المواطنة) فحوى هذه الدراسة واعتبرها "جادة وإيجابية لما اعتمدته من صيغ تشاورية وتمحيصية نحو إقرار حقوق الإنسان في المغرب بدءا بالمناهج الدراسية التي تخاطب الناشئة".

وبدورها أبرزت السعيدة بوفتاس (رئيسة الجمعية المغربية للنساء والتنمية)، "أن الدراسة تميزت بغنى الأفكار والمناقشات متعددة المرامي، والتي تصب كلها في اتجاه جعل الكتاب المدرسي ملتقى الحوار والتسامح والمساواة وتدبير الاختلاف".




تابعونا على فيسبوك