يشهد ملف الصحراء المغربية، في الآونة الأخيرة، تطورات لافتة، حيث بدأت تظهر مؤشرات للحسم النهائي لهذا الملف. وهي مؤشرات تراكمت بتزايد الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي، وبانحسار واضح في الدعم الخارجي لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، فضلا عن المواقف الصريحة لقوى دولية وازنة كأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، التي أعلنت دعمها الواضح لسيادة المغرب على صحرائه.
وقد واكب هذا التحول السياسي والدبلوماسي مسار تنـموي متسارع غير ملامح الواقع المعيشي في الأقاليم الجنوبية، وفتح آفاقا جديدة نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا.
وفي هذا السياق، يطل أحد المؤسسين والقادة البارزين السابقين للجبهة، البشير الدخيل، عبر «الصحراء المغربية» ليفضح واقع المخيـمات ويسلط الضوء بالصوت والتفصيل على الارتباط العضوي بين قيادة «البوليساريو» وممارسات العنف والتطرف.
فمن خلال حوار أجرته معه الجريدة، يفتح الدخيل الأعين مجددا على الواقع كما هو، بعيدا عن الدعاية، ويعكس كيف أن المغرب يراكم المكاسب، بينـما «البوليساريو» تنزلق نحو نهايتها المحتومة.
ويؤكد رئيس منتدى البدائل للدراسات الصحراوية أن تندوف ليست سوى تجمعات من الخيام تخضع لسيطرة عصابة «البوليساريو» التي تنهج أساليب قهرية على السكان، مشددا على أن الجبهة الانفصالية مصيرها إلى الزوال، في ظل تصاعد المعطيات الميدانية والدبلوماسية التي تقرب تصنيفها دوليا كمنظمة إرهابية.
في ظل النجاحات المغربيـــة المتتالية على المستوى الدبلوماسي، نشهـــد تصعيدا في استفزازات وانتهاكات جبهة «البوليساريــــو» الانفصالية، كيف تفسرون هذا السلــــوك؟
منذ سنة 1988، بدأت ملامح العد العكسي لجبهة «البوليساريو» في الظهور، إذ شهدت مخيمات تندوف مظاهرات واسعة، خصوصا من قبل بعض القيادات التي انتفضت ضد الغطرسة والاستبداد الممارسين من قبل مجموعة ضيقة سميت بـ»اللجنة التنفيذية».
ومن هنا، انفجر الوضع في هذه المخيمات، وأصبح هناك، إذا صح القول، انفلات أمني. وقد غادر على إثر ذلك عدد مهم هذه المخيمات، بعضهم في تجاه أماكن أخرى مثل إسبانيا، حيث يوجد اليوم ما يزيد عن 8 آلاف شخص لديهم وثيقة بلا وطن.
ومنذ ذلك الحين، ظلت الجبهة الانفصالية حبيسة النهج التفكيري نفسه. وكما نعلم، في سنة 1991، أبرمت اتفاقية وقف إطلاق النار لعوامل عدة، أبرزها إدراك «البوليساريو» أنه لا يمكنها مواجهة القوة العسكرية للمغرب، إضافة إلى تنامي رأي واسع يميل إلى إيجاد حل تفاوضي على طاولة الحوار.
غير أن الأمور أخذت منحى آخرا بعد مجيء المدعو إبراهيم غالي، الذي كما نعلم إنسان متشدد جدا.
فقد قام زعيم الانفصاليين بخرق اتفاق وقف إطلاق النار بقيامه بعملية فاشلة في منطقة الكركرات. ومنذ ذلك الحين، لجأت «البوليساريو» إلى أسلوب الاستفزازات، والتي تحولت لاحقا إلى عمليات إرهابية، كما رأينا سابقا وأخيرا في مدينة السمارة.
اليوم، الجبهة الانفصالية في وضع بائس ومزر جدا، في وقت يرسخ فيه المغرب مكانته كدولة قوية، ذات رؤية استراتيجية واضحة، وحضور متزايد وقوي على المستويين الإقليمي والدولي. وتسعى «البوليساريو» من خلال هذه الاستفزازات المتمثلة في القيام بعمليات في حد ذاتها راشية إلى لفت الأنظار الدولية، إلا أن هذه الأساليب تعد غير مقبولة وغير لائقة.
ما تقييـمكم لمواقف دول كبرى داعمة لسيـــــادة المغـــــرب علـــى صحرائـــــه؟
وهل نحن فعليا أمام اقتــراب مرحلة الحسم النهائي لهذا النزاع المفتعل؟
من المعروف أن الدول لا تتخذ قراراتها انطلاقا من العاطفة، بل تشتغل بمنطق البراغماتية والواقعية السياسية. وهذا الملف عمر طويلا. المواقف الصادرة عن هذه الدول الكبرى تعكس إدراكا متزايدا بأن الحل الواقعي والعملي هو مقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب، والذي يعتبر حلا سلميا وذا مصداقية.
وقد عبرت العديد من الدول، بما فيها أعضاء مؤثرون داخل مجلس الأمن، بشكل صريح عن دعمها لهذا المقترح. وهو ما يترجم اليوم إلى دعم دبلوماسي واضح يعكس وجاهة الطرح المغربي، ويؤكد صواب المسار الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره لله.
كما يؤكد أن هناك خطة حقيقية متماشية مع الواقع والعمل على الأرض، وتوجها يمكن أن يضمن السلام ليس فقط للمنطقة، بل لكل شعب المنطقة الكبيرة، بما فيها أوروبا ودول الجوار.
هي إذن نتيجة حتمية للبراغماتية في العمل الدبلوماسي والعمل الاقتصادي، خصوصا، والعمل الجيو استراتيجي.
واليوم، يمكن القول إن المغرب يحقق تقدما مستمرا على مستوى «بورصة الاعترافات»، وهو مؤشر واضح على أن مقترحه يحظى بتأييد فعلي، ويتحول تدريجيا إلى المرجعية الوحيدة المطروحة على الطاولة. إنه ببساطة الحل الوحيد الممكن، والواقعي، لإنهاء هذا النزاع المفتعل.
ولا يمكن لـ«البوليساريو» أن ينزع هذه الأرض بالقوة، كما يطرح. فذلك انتحار من طرف هذه المنظمة الصغيرة التي أصبحت في عزلة متزايدة يوما بعد آخر.
تحولت مدينتا العيـــون والداخلة إلى قبلة للتـمثيليات الدبلوماسيــة الأجنبيــة. ما دلالات هذا الحضور المتزايد؟ وكيف ينعكس على المشهد السياسي الإقليـمي والدولـــي؟
وجود القنصليات في الأقاليم الجنوبية ليس فقط اعتراف دولي بأحقية المغرب في أرضه، وإنما هو أيضا نتيجة عمل دبلوماسي وسياسي واقتصادي تقوم به المملكة عبر العالم. وهذا مهم، لأنه ليس من رأى كمن سمع.
فجبهة «البوليساريو» الانفصالية تصور عبر حملات دعائية مضللة، أن الوضع مزر في هذه الأقاليم، وأن هناك استبدادا والكثير من هذه العبارات الجوفاء.
بينما هذا الوجود يتيح تبيان أن الواقع الميداني يختلف جذريا عن هذه الصورة المشوهة. فهو يبرهن على أن هناك تغييرا على الساحة. وهذا التغيير مهم جدا ويمكن له أن يبدل الوضع في شمال إفريقيا، خصوصا في ظل المبادرات التي يقوم بها المغرب على كافة الأصعدة.
لذلك، فلا غرابة أن نرى هناك وفودا ودولا تغير مواقفها، والتي كانت مبنية على ظلال معين نتيجة زيف بروباغندا وسياسة جزائرية و«بوليسارية».
فالحال، هو أن هذه الدول بعيدة عن القارة السمراء، ولا تفقه في الواقع الحقيقي والسيرورة التاريخية للمنطقة. وبالتالي، بعد الوقوف على الحقيقة على الأرض، فلا يمكنها إلا الاقتناع بوجاهة المقترح المغربي، وبأن المملكة قادرة على ضمان الاستقرار والسلم في المنطقة.
الأقاليم الجنوبية للمملكـــة تشهد نهضة تنـموية متسارعة على مستوى البنية التحتية، الاستثمار، والبرامج الاجتـماعية. كيف تقرأون هذا المسار التنـمـــــــــــوي؟
فعلا، المملكة المغربية، ومنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، شهدت تحولا عميقا في السياسة التنموية على مختلف المستويات، سيما على الصعيد الاجتماعي.
فقد جرى التركيز بشكل كبير على الإنسان كمحور أساسي للتنمية، ويتجلى ذلك بوضوح في إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى جانب برامج اجتماعية أخرى، تهدف بالأساس إلى تمكين المواطنين، سيما الفئات الهشة، من العيش الكريم وتوفير شروط حياة أفضل لمن لا يملكون قوتهم اليومي.
وهذه سيرورة لا يمكن أن نحصرها في سنوات قليلة، بل هو عمل مستمر. وهو يتطلب مجهودات كبيرة، وأن تكون هناك مراقبة متواصلة لهذه البرامج وتطبيقها على أرض الواقع بالشكل المطلوب.
إن التوجيهات الملكية السامية والدعم السياسي لهذه البرامج واضحان وجليان، غير أن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ، وهو تحد لا يقتصر على جهة دون أخرى، بل يهم جميع الأقاليم، بما فيها الأقاليم الجنوبية التي تحظى بعناية خاصة.
فالبرامج المسطرة تظل طموحة وقادرة، إذا ما جرى تنفيذها بالشكل المناسب، على إحداث نقلة نوعية في الوضع الاجتماعي للمواطنين في مختلف مناطق المملكة، خاصة في الأقاليم الجنوبية التي تشكل رهانا استراتيجيا للتنمية المستدامة.
في ظل ما يثار من تقارير حقوقية دولية، كيــف تقيـمون الوضـــــع الإنسانــي داخل مخيـمات تندوف؟ وهل يمكن القول إن سكان هذه المخيـمات رهائن في يد قيادة «البوليساريـــــو»؟
الوضـــع الحقوقـــي المتدهـــــــور داخـــل تندوف لا يخفى على أحد. الجميع يعرفه. وهو يعود إلى سنة 1973، حيث بدأت الجبهة الانفصالية في ارتكاب انتهاكات جسيمــــة لحقــــوق الإنســـــان.
ومن أبـــــرز هذه الانتهاكات واقعــة قطع أنف المواطن بدوي على يد زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، في جريمة تجسد الطابع القمعي والدموي لـ «البوليساريو».
وهو مسار تخلله العديد من مشاهد انتهاكات حقوق الإنسان، منها قتل واختطاف الناس. فلا ننسى، أنه في نواحي السمارة، على سبيل المثال، تم اختطاف أكثر من 810 أشخاص.
وقــــد اعتمدت الجبهـــــــــــة الانفصالية، بدعم واضــح مـن الجزائر، سياســـــــــــة ممنهجــــة لتعمير هذه المخيمات، عبر استقدام أفراد من مناطق متعددة. وهي سياسة استمرت إلى اليوم، في ظل بقاء نفس الوجوه في قيادة الجبهة.
وللتوضيح، فإن سكان المخيمات ينقسمون إلى أربع فئات رئيسية، ويتعلق الأمر بالمختطفين، وهم الأقلية، ويشملون أفرادا من مناطق السمارة، والبويرات، وطانطان، والداخلة ومناطق أخرى، وقد تم نقلهم إلى المخيمات قسرا.
بينما الفئة الثانية تهم المنحازين، وهم من بدو مالي وموريتانيا الذين انتقلوا إلى المخيمات للعيش، ثم هناك سكان تندوف الأصليون، وهم صحراويون جزائريون، وجدوا في المخيمات مصدرا للاستفادة من المساعدات الدولية.
فيما الفئة الرابعة، فهي غير المحتجزة وتضم ما يقارب 8000 شخص مقيمين في الخارج بدول عدة مثل إسبانيا. وهنا، أريد التوضيح أن هذه الفئة أو بالأحرى من يمكن تسميتهم بالمقتنعين، لا يمكن القول إنها محتجزة، وهي تتنقل بين الدول.
فمنذ الثمانينيات تغير الوضع في تندوف، التي لا تستحق أن تصنف كمدينة، حيث رغم الادعاءات التي تروجها أبواق الجبهة الانفصالية في الخارج بوجود «مخيمات لاجئين»، فإن الحقيقة تختلف تماما.
فـ «البوليساريو» لم تمنح المقيمين في تندوف صفة لاجئ وفق القوانين الدولية، ولم يتم إجراء أي إحصاء رسمي رغم طلبات الأمم المتحدة المتكررة، وذلك لأنه لا بد لها من تضخيم الأعداد للحصول على أكبر كمية من المساعدات الإنسانية.
إن الصورة التي تحاول الجبهة الانفصالية تقديمها للعالم على أنها «جمهورية» ما هي إلا وهم لا يمت للواقع بصلة. فالمخيمات ليست سوى تجمعات من الخيام تخضع لسيطرة عصابة تنهج أساليب قهرية على السكان، وتدار بعقلية الميليشيا لا بمقومات الدولة.
فقيادة الجبهة الانفصالية هي كذلك، ونمطها نمط العصابات وتمارس أساليبها القهرية على الناس. وكتوضيح أخير في الختام، أريد أن أشير إلى أنه يجب التأكيد على أن هذه المخيمات تضم مجموعات سكانية مختلفة، كل واحدة منها لديها وضع يخصها نتيجة السياسات الفاشلة التي قامت بها هذه العصابة في المخيمات.
على ضوء التحولات الأخيرة، خاصة على المستويين الدبلوماسي والتنـموي، ما هــو مصير جبهــــة «البوليساريو» الانفصاليــــــــة؟
هذا السؤال مهم جدا. فمصير «البوليساريو» يجب النظر إليه من كفتين.
فأولا، لا يجب أن ننسى أن 71 في المائة من الصحراويين، وفق إحصاء الأمم المتحدة لسنة 1998، يعيشون في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وهذه النسبة الكبيرة تشارك بفعالية في العملية السياسية والديمقراطية، من خلال الانخراط في الأحزاب، والمشاركة في الانتخابات، وتسيير الشأن المحلي عبر البلديات والجهات، وقد أصبحت منهم نخب حقيقية تسهم في بناء المستقبل.
وهذا المعطى يعكس التحول الفعلي على أرض الواقع، حيث يلمس وجود هذه الأكثرية في أراضيها.
في المقابل، هناك أقلية معنية بهذا الملف، تتوزع بين التواجد في إسبانيا، ونسبة محدودة جدا داخل مخيمات تندوف، حيث أضحت تبهرن «البوليساريو»، كل يوم، على أنها منظمة ذات طابع إرهابي.
ولذلك، فمصير الجبهة الانفصالية، دون شك، هو أنها، في يوم من الأيام، ستوضع في اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. فالتحركات والاستفزازات التي تقوم بها هذه الحركة الصغيرة، التي كانت نومت العالم بأنها تمثل شعبا بينما هي لم يصوت عليها في يوم من الأيام من طرف المواطنين وإنما نوع من الاستبداد وفرض الذات على الناس الذين جيء بأكثريتهم بالقوة من دول أخرى، سيؤدي بها لا محالة إلى تصنيفها حركة إرهابية. وحين إذن، لا بد لها أن تواجه مصير حركات أخرى كما هو حال «بي كا كا» في تركيا و»إيتا» الباسكية في إسبانيا.
فجميع المنظمات التي تبنت العنف والقهر وتشويه الأشخاص والجماعات، والقيام بالعنصرية، لابد لها أن تزول.
و«البوليساريو» مصيره الزوال لأنه لا يمتلك اليوم إمكانية البقاء أو تمثيل يخول له الجلوس على طاولات الحوار، وأن يفاوض على مصير الأقاليم الجنوبية. فمعظم السكان الصحراويين اليوم موجودون في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ويمتلكون بطاقة وطنية ويشتغلون في جميع الميادين.
«البوليساريو» منظمة خارجة عن الحدود، وقد ظهر أن هناك تيارا بها ينشط في المنظمات الإرهابية بدول الساحل. وهذا دليل على أن كل يوم يمر يبين أن هناك انزلاقا خطيرا للجبهة الانفصالية للعنف والتطرف، اللذين تنبذهما الدول كافة.
واستنادا إلى كل ما سبق، أؤكد على أن «البوليساريو» ليس هم الصحراويين، وليس القضية، بل فقط منظمة عسكرية قيادتها فرضتها الجزائر علينا جميعا، وعانينا من قهرها منذ سنة 1975، كما يعلم الجميع. وسياستها ما زالت سياسة إرهابية فعلية حقيقية ومصيرها أن تصنف دوليا كمنظمة إرهابية.