الكذب على المغرب.. شهــادات وتجارب شخصيـــة تفجر حقائق صادمة حــــول التضليـــل الإعلامـــي في قضيــــــة الصحــراء

الصحراء المغربية
الأحد 06 يوليوز 2025 - 13:04

فضحت شهادات وتجارب شخصية لصحافيين أجانب وعرب قدمت في اللقاء الدولي المنظم من قبل المجلس الوطني للصحافة، الذي اختتم أشغاله، أول أمس السبت بمدينة الداخلة، حجم التضليل الإعلامي الممارس بخصوص ملف الصحراء المغربية.

طريـــــق باتريسيـــــا إلى الحقيقــــــة

كانت شهادة الصحافية الإسبانية، باتريسيا مجيد خويس، أبرز قصة عرضت خلال اللقاء، بحضور 35 مشاركا من صحافيين وإعلاميين وخبراء من دول أوروبية وعربية وإفريقية وأمريكا اللاتينية، بعدما سردت من خلالها تجربتها المؤثرة مع التضليل الإعلامي والصور النمطية المروجة حول الأقاليم الجنوبية للمملكة. ووقفت باتريسيا مجيد خويس على الحقائق وتبينت حجم التضليل الممارس من جبهة «البوليساريو» الانفصالية، بعد تحقيق أجرته في تندوف وزيارة المغرب. ففي عرضها لما استخلصته من هذه التجربة، روت، من خلال مداخلتها في اللقاء المنعقد حول موضوع «التكامل بين صحافة الجودة والتربية على وسائل الإعلام»، «منذ سنوات، كانت الصحراء بالنسبة لي مجرد صورة ذهنية مغلقة: لون كاكي، ثكنات عسكرية، ومناطق مغلقة تروى عنها حكايات كثيرة في الإعلام الإسباني».

لكن في عام 2012، تسرد الصحافية الإسبانية، «قررت أن أرى بعيني، وأسمع بأذني، دون وساطة أو مرافقين. غادرت منفردة، مدفوعة برغبة داخلية لكشف الواقع الذي لطالما خفي خلف الضجيج السياسي والدعائي»، قبل أن تزيد موضحة «رحلتي نظمت بمساعدة ممثل جبهة (البوليساريو) لدى مفوضية الاتحاد الإفريقي، وانطلقت إلى مخيمات تندوف. لكن منذ اللحظة الأولى، شعرت أن كل شيء يخضع للمراقبة: من الشخص الذي رافقني بصفة (سائق) إلى تقييد حرية التنقل واللقاء. لم يسمح لي بإجراء المقابلات التي كنت أبحث عنها». وذكرت أنه «وراء هذا الصمت، بدأت تتكشف لها حقائق صادمة»، لتضيف «رأيت مساعدات إنسانية، مرسلة من إسبانيا ودول أخرى، تباع في صيدليات يديرها مقربون من مسؤولي الجبهة. المياه المرسلة من الاتحاد الأوروبي تباع للسكان المحليين.. فأدركت سريعا أن هناك تجارة حقيقية خلف ستار (القضية العادلة)، وأن دافع الفاتورة هم دافعو الضرائب في إسبانيا». ومضت قائلة «بعد جهود مضنية، تمكنت من الحديث مع شاب صحراوي لا ينتمي لـ (البوليساريو)، وصف نفسه بـ (الصحراوي الحر). والده قتل في الحرب مع المغرب، لكنه نفسه مطارد، لا يسمح له بالكلام، ويتعرض للتهديد بمجرد طرقه أبواب إحدى (الوزارات) في تندوف»، لتؤكد بعد ذلك، «الدخول والخروج إلى المخيمات محكوم بإجراءات صارمة: الجيش الجزائري أولا، ثم عناصر (البوليساريو) المدججين بالسلاح. لا دخول بعد منتصف الليل. من يصل متأخرا عليه أن يبيت في السيارة». وأضافت باتريسيا مجيد خويس «خرجت من هناك بقناعة راسخة: الرهائن الحقيقيون هم الصحراويون غير الموالين للبوليساريو»، مبرزة أنها قررت، لاحقا، «التوجه إلى الصحراء الغربية الواقعة تحت السيادة المغربية، دون مرافقة رسمية».

وقالت، عن هذه التجربة، «لم أقابل مسؤولين حكوميين مغاربة، بل سعيت فقط للقاء صحراويين. وهنا كانت المفاجأة.. مدينة العيون تنبض بالحياة. رأيت مطاعم (ماكدونالدز)، وشوارع حديثة، ومشاهد لنساء صحراويات ومغربيات يتعانقن ويضحكن. التقيت مسؤولين منتخبين من أصول صحراوية، يتحدثون عن مشاريع، وعن انتماء متعدد الأبعاد». وأشارت، أيضا، «في العيون التقيت شاعرا صحراويا يدعى بشير التهليل، أحد مؤسسي (البوليساريو)، الذي روى لي كيف اخترع اسم الجبهة، وكيف جرى تمويلها مبدئيا بأموال إسبانية نقلت في حقائب عبر الحدود. عندما قرر الانفصال عنها، اعتُقل، رغم ادعاءات البوليساريو بأنه (لا توجد سجون)»، لتزيد موضحة «عند عودتي إلى إسبانيا، واجهت موجة من الكراهية والاتهامات. منعت من الحديث، وتعرضت للتضييق. شعرت وكأنني عدت إلى زمن الرصاص أيام تنظيم (إيتا). لكنني رفضت الصمت. قلت لنفسي: إن كانت (إيتا) لم تستطع إسكاتي، فلن يسكتني البوليساريو». وأضافت «عدت إلى المغرب في زيارة أخرى، ووجدت ما لا يقال كثيرا في الإعلام الإسباني: الحفاوة، الكرم، الإنسانية. أذكر يوم جمعة، رأيت رجلا ينزل من بيته بطبق كسكس نحو مكان ترابي، فسألت: لمن هذا؟ فقيل لي: لأبيه أو لأخته، فهو من العائلة. ذكرني هذا بالمائدة الإسبانية أيام الآحاد، حين كانت العائلات تجتمع حول الباييّا أو الدجاج بالبطاطا»، معلقة على هذا المشهد بالقول «لحظة بسيطة، لكنها اختزلت الكثير: الكرامة والدفء الإنساني، خارج كل الروايات السياسية». لتختم باتريسيا مداخلتها بالتأكيد قائلة «أصبحت من أشرس خصوم جبهة (البوليساريو) في إسبانيا لأنها كذبت علينا».

الصحافي الفلسطيني محمد مهنا كانت له بدوره تجربة خاصة مع الأكاذيب المروجة حول الصحراء المغربية. وأكد بخصوصها، في مداخلته حول موضوع «التضليل الإعلامي واستخدامه في الحرب الأخيرة على غزة»، «التقطت صورا لأطفال مصابين بغزة لأتفاجأ بنشرها في وسيلة إعلامية أجنبية تحت عنوان: الحكومة المغربية تقتل أطفال الصحراء»، مشيرا إلى أنه قام بالاتصال بعائلة الأطفال، الذين قتلوا وهم على قيد الحياة، قبل أن يعمد بعد ذلك إلى مقاضاة الوسيلة الإعلامية المعنية لإظهار الحقيقة.

نســـــــــج الأكاذيــــــــــب

من جهته، ذكر الصحافـــــــــــي المكسيكي، عمر سيبيدا كاسترو، أن «الأمثلة الواضحة حول التضليل هو ما يجري في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث تنسج الكثير من الأكاذيب من قِبل أطراف مسلحة ومدعومة، غارقة في إخفاقاتها الذاتية، وأسيرة لإيديولوجيات متجاوزة»، مشيرا إلى أن «أكاذيبهم تهدف إلى خلق أجواء من العنف وعدم الاستقرار، في حين أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماما… وهذا ما نراه اليوم في مدينة الداخلة». وأضاف «في المكسيك، نواجه باستمرار هذه النماذج المصورة: المكسيكي السمين، ذو القبعة العريضة والشارب الطويل، نائم تحت شجرة صبار»، مؤكدا، في هذا السياق، «اليوم، كثير من الناس من مختلف أنحاء العالم، ممّن يخطّطون لزيارة المكسيك، يسألونني بقلق: «حين أصل إلى مطار العاصمة، وأخرج إلى الشارع، هل سأواجه إطلاق نار؟».

وأشار إلى أنه «لتفكيك هذه الصور النمطية، فإن أفضل وسيلة هي السفر، والسير في شوارع العالم، والحديث مع الناس دون أحكام مسبقة أو أقنعة، أو قراءة الكثير من الأدب. لكن، للأسف، الغالبية العظمى من الناس في العالم لا تسافر، ولا تتجوّل في الشوارع، أو الأسواق، أو المقاهي، أو سيارات الأجرة، أو الأحياء القديمة». لهذا، يشرح عمر سيبيدا كاسترو، «تبقى الصحافة ذات أهمية قصوى، لأنها من أبرز الجسور التي تنقل الواقع، والتجارب، وأصداء المجتمعات، وتسهم، في الوقت ذاته، في تحطيم الصور النمطية التي غالبا ما تكون سببا في الكراهية والتهميش». وبهذا الخصوص، قال أيضا «نواجه اليوم تحديات كبيرة في ما يخص وسائل الإعلام والمعلومات المضللة. فقد تسببت شبكات التواصل الاجتماعي، التي تعتمد على الفورية، في إبعادنا عن عمق الأشياء، ودفعتنا إلى ما يعرف اليوم بـ (هوس المعلومات) أو (الإنفوديميا) – أي أن رقمنة العالم قد حوّلت الأشياء إلى «معلومات مفرغة». وكما قال الفيلسوف الكوري بيونغ-تشول هان: (لم نعد نسكن الأرض والسماء، بل نعيش في غوغل إيرث والسحابة الرقمية)».

واعتبر أن «القدرة على الكتابة، والتحدث، والرواية، ولكن قبل كل شيء: الاستماع، هي من المهام الجوهرية للصحافي»، مشيرا إلى أنه «لا يمكننا أن ننسى أصول مهنتنا، فحين لا ننقل الحقيقة كما هي، بشجاعة وصدق، فإننا نقع في فخّ ما تسعى إليه العديد من القوى: الكذب لخداع المجتمعات». وأضاف «كما قيل مرارا هنا، فإن وباء المعلومات الزائفة، أو ما يعرف بـ (الإنفوديميا)، يعد من أخطر التهديدات، التي يستخدمها مروّجو الكراهية والصراع. فهي أسلحة بالغة الخطورة، وإن لم يمتلك الصحافيون القدرة على كسر تلك المنظومات الفوضوية، فلن نكون قد أدينا رسالتنا كما ينبغي»، لينهي مداخلته بالقول «علينا أن نعيد ابتكار أدواتنا، وأن نستخدم القلم بشجاعة، والأفكار الكبيرة بثبات، لنُنشئ منصّات جديدة، وننقل الأحداث الجوهرية بصدق، لأنّ المجتمع العالمي الذي يرى بوعي هو مجتمع في طور التقدّم. لذا، أود أن أقترح على اللجنة المنظمة إنشاء منصة دائمة، نتمكن من خلالها من البقاء على تواصل مستمر».

ضحيـــــة آخر للصــــــور النـمطيــــة

الصحافـــــــــــــــــي السوداني، الصادق إبراهيم أحمد إبراهيم، كانت له أيضا تجربة مع الخطاب المغلوط، الذي روج حول الصحراء المغربية، قبل اكتشاف الحقيقة في ما بعد. وفي هذا الصدد، أورد في مداخلة له حول موضوع «دور الصحافة والتربية الإعلامية في تصحيح الصور النمطية»، «أنا شخصيا كنت من ضحايا هذه الصور النمطية. فعندما كنت أسمع عن (مشكلة الصحراء المغربية)، كنت أظن أن هناك مظالم تاريخية حقيقية، وتهميشا سياسيا، وفقرا في القيادة التنموية. وكنت أظن أن من يعبرون عن وجهة النظر المغربية إنما يقدمون مجرد رواية رسمية، وأن هناك تيارات سياسية أخرى أو آراء يجب أن تسمع». وتابع الصحافي السوداني «لكن حين وطأت قدماي أرض المغرب، اكتشفت أن تلك الصورة النمطية غير موجودة، وأن الواقع مغاير تماما لما كانت تروجه وسائل الإعلام الأجنبية أو بعض الأطراف الخارجية»

. تنــــــدوف.. سجــــــن كبيـــــر

في اليوم الأول، أيضا، من اللقاء الدولي المنظم يومي 19 و20 يونيو الجاري، وضعت قضية الصحراء المغربية تحت مجهر الصحافيين، بعدما شكلت محورا رئيسيا في مداخلة الصحافي البيروفي، ريكاردو سانشيس سيرا. وأكد المتحدث أن المغرب مثال جلي على مدى تأثير التلاعب الإعلامي على الأوطان، معتبرا أن «المعلومات المضللة حول قضية الصحراء المغربية شكلت أداة ممنهجة في أيدي بعض الأطراف الدولية، التي لا هدف لها سوى زعزعة الاستقرار والنيل من سيادة المملكة». وذكر الصحافي البيروفي أن «جبهة (البوليساريو) والجزائر استخدمتا استراتيجيات إعلامية تقوم على تشويه الواقع، ونشر الأكاذيب حول حقوق الإنسان، واختلاق حرب وهمية، والتستر على الانتهاكات الفظيعة المرتكبة في مخيمات تندوف»، مبرزا، في هذا الصدد، « لا أحدا يمكن أن يخدعني بالقصص.. لقد زرت تندوف شخصيا، نعم، تندوف. إنها سجن كبير، يخضع لنظام بوليسي استبدادي. لا وجود للحرية هناك، وسكانه يعيشون في ظروف لا إنسانية. ما أبعد الشبه بينها وبين الداخلة، فهنا يتنفس الناس الحرية والديمقراطية الحقيقية».

وأضاف «كما ذكرت، فإن جبهة البوليساريو والجزائر استغلتا الإعلام لتزييف الواقع، لا بهدف الإعلام، بل من أجل زرع البلبلة، وبث الشكوك، وممارسة الضغط السياسي على المغرب، وذلك عبر وسائل إعلامية تنسجم مع روايتيهما، لترويج الأخبار المفبركة والمضللة..». وقال أيضا «لا بد من الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو ترتبط بعلاقات مع الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، ولها صلات مباشرة مع تنظيم حزب الله الإرهابي التابع لإيران، كما أن الجزائر تستخدمها كدمى تحركها في حرب تخوضها من أجل الوصول إلى المحيط الأطلسي. إن الجزائر تكذب في حملتها الدعائية المضللة، فقط من أجل البقاء السياسي، ولتثبيت نظامها العسكري، وهو أمر لا يصدق في القرن الحادي والعشرين».

المغـــــــرب في صحرائـــــــه

من جانبه، قال خافيير فرنانديز أريباس، أحد قيدومي الصحافة الإسبانية ورئيس نادي الصحافة، إنه من واجب الصحافي المهني التصدي لما يروج من أخبار مضللة حول مغربية الصحراء. وأوضح خافيير فرنانديز أريباس، في الجلسة الافتتاحية، أن المشكلة تكمن في أن البعض لم يحضر إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتخصص في إصدار أحاكم ونشر أخبار زائفة مضللة لأسباب بعضها مجهول، بينما البعض الآخر معلوم خدمته لأجندة خصوم الوحدة الترابية للمغرب. وذكر أن الوضع الحالي في الصحافة المنقسم بين من يعتقد بأخلاقيات المهنة، واستيقاء الأخبار من مصادرها، وتحليلها بناء على معطيات موضوعية، وبين من يشتغل بناء على الشعبوية، والإثارة والربح السريع، مشددا على أن الصحافيين عليهم التحقق ونشر الأخبار الحقيقية من مصادرها واستيقاء الآراء من الشارع والمجتمع المدني للإطلاع على الصورة الحقيقية وهذا ما نقصده بالتربية الإعلامية. ودعا خافيير فرنانديز أريباس الصحافيين بمختلف الوسائل الإعلامية للتحقق من الأخبار، موردا أنه «من يأتون إلى هنا (الأقاليم الجنوبية) يقفون على حقيقة التنمية عكس الأخبار التي روجها أعداء الوحدة الترابية وأصحاب الأوهام». وأورد الصحافي الإسباني ضرورة التصدي للأخبار المضللة والابتعاد عن الأخبار غير المصدقة بالمنطق السليم، موردا أن مناطق الأقاليم الجنوبية «مستقرة وتشهد نهضة عظيمة والمغرب في صحرائه، وبعض الصحافيين الذين ينشرون أخبارا مغلوطة هم ليسوا في خدمة المجتمع التي تتطلب بث الحقيقة». واعتبر أريباس أن الإعلام خدمة عمومية يجب أن ترقى إلى التطلعات والتركيز على الأخبار الحقيقية، مشيرا إلى أن الصحافة لديها الحق في «الرأي والإيديولوجية، لكن ما ليس مقبولا السعي للتأثير على الرأي العام في اتجاه معين والاعتماد على الشعبوية»، ليختم مداخلته بانتقاد تلوث المشهد الإعلامي بالأخبار الزائفة.




تابعونا على فيسبوك