في لحظة فارقة عاشتها إسبانيا إثر انقطاع واسع في التيار الكهربائي، برز المغرب كفاعل حاسم في إنقاذ الوضع، مقدّماً دعماً فورياً أعاد التوازن لشبكة الكهرباء الإسبانية. خطوة مغربية عابرة للضفة لم تمر مرور الكرام في مدريد، بل كانت محور إشادة رسمية من أعلى مستوى دبلوماسي.
فقد وجّه وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، رسالة امتنان صريحة إلى المغرب، خلال مثوله اليوم الاثنين أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الإسباني، مؤكداً أن ما قامت به الرباط ليس مجرد مساعدة تقنية، بل "دليل إضافي على علاقات ممتازة تتعزز بثقة واستمرارية".
الرباط.. من مستورد إلى مزود للطاقة
خلال الأزمة، تحوّل المغرب في ظرف ساعات من مستورد للكهرباء إلى مزود رئيسي لإسبانيا عبر مضيق جبل طارق. فقد خصص المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ما يقارب 38% من قدرته الإنتاجية لدعم الشبكة الكهربائية الإسبانية، خاصة في المناطق الجنوبية.
هذا التحرك لم يكن معزولاً، بل يندرج ضمن رؤية استراتيجية تقوم على التكامل بين الضفتين، وتؤكد أن الرباط لم تعد فقط شريكاً اقتصادياً، بل أيضاً دعامة استقرار إقليمي في أوقات الشدة.
الوزير ألباريس لم يخفِ إعجابه بالدينامية الجديدة للعلاقات المغربية الإسبانية، مشيراً إلى أن التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 23 مليار أورو، وهو رقم قياسي يعكس قوة الارتباط الاقتصادي.
وذكّر المسؤول الإسباني بافتتاح مكاتب جمركية جديدة في كل من سبتة ومليلية، مشيراً إلى أن تدفق البضائع في الاتجاهين بلغ حالياً 3.5 طن، في عملية يُراهن عليها لتقوية الاقتصاد المحلي وتسهيل المبادلات.
دعم ثابت لمبادرة الحكم الذاتي
لم يكتفِ ألباريس بالحديث عن الاقتصاد والطاقة، بل جدّد موقف بلاده بخصوص ملف الصحراء المغربية، معتبراً مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية"، وهو تصريح يحمل ثقلاً دبلوماسياً واضحاً في خضم سياقات إقليمية حساسة.
ولا يقتصر التقارب بين الرباط ومدريد على الملفات الآنية، بل يتجاوزها إلى مشاريع مستقبلية، أبرزها التحضير المشترك لتنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب البرتغال، ما يعكس تطلع البلدين إلى مرحلة متقدمة من الشراكة الاستراتيجية.
وفي سياق حديثه أمام البرلمانيين، ختم ألباريس رسالته بتأكيد أن العلاقات مع المغرب "لم تكن في أي وقت بهذا القدر من الثقة والصلابة"، في إشارة واضحة إلى أن الجار الجنوبي أصبح اليوم رقما أساسيا في المعادلة الأوروبية والإقليمية.