في لحظة حرجة عاشتها إسبانيا بسبب انقطاع واسع النطاق للكهرباء، يوم الإثنين 28 أبريل، برز المغرب كفاعل حاسم في تجنيب الجارة الشمالية كارثة أكبر، حيث بادر المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE) إلى تحويل اتجاه التيار الكهربائي نحو إسبانيا، في خطوة وصفتها الصحافة الإسبانية بـ"المنقذة".
ورغم أن المغرب يُعد عادة مستورداً للطاقة من إسبانيا، فقد قام، بطلب من الشركة الإسبانية لتسيير شبكة الكهرباء(REE)، بتفعيل خطي الربط الكهربائي القائمين تحت مضيق جبل طارق، وهو ما مكّن من إعادة تشغيل محطات كهرباء رئيسية في الجنوب الإسباني.
الربط الكهربائي.. شريان طارئ للإنقاذ
الخطان الكهربائيان اللذان يربطان محطة فارديوا المغربية قرب طنجة بمحطة طريفة في الجنوب الإسباني يتمتعان بقدرة تشغيلية تصل إلى 900 ميغاواط، ويمران عبر سبعة كابلات بحرية تحت مضيق جبل طارق، ما يجعل منه نقطة استراتيجية لتبادل الطاقة بين إفريقيا وأوروبا.
وأكدت مصادر رسمية من المكتب الوطني للكهرباء، في تصريحات صحافية، أن "الشبكة المغربية ظلت مستقرة ولم تتأثر بالانقطاع الذي طال إسبانيا"، مضيفة أن الطاقة التي تم ضخها ساهمت بشكل مباشر في إعادة تشغيل المرافق الكهربائية الحيوية، خصوصاً في الجنوب الإسباني.
إشادة واسعة في الصحف الإسبانية
أجمعت الصحف الإسبانية من El Día إلى Diario Córdoba وEuropa Sur وLevante-EMV على إبراز الدور المحوري للمغرب في هذا الظرف الطارئ، واعتبرت الربط الكهربائي بين البلدين "طوق نجاة"، حيث قال Área Costa del Sol إن "الكابل الكهربائي بين طريفة والمغرب أنقذ إسبانيا من أزمة طاقة أعمق".
فيما أبرزت يومية El Debate شكر رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، للمغرب على تضامنه السريع، مذكراً بأن هذا النوع من التعاون يُظهر أهمية الشراكات الاستراتيجية في أوقات الأزمات.
المغرب يتصرف كدولة مسؤولة إقليمياً
هذا التحرك المغربي يعكس ليس فقط الكفاءة التقنية العالية، بل أيضًا الإرادة السياسية القوية للعب دور إقليمي مسؤول في الأزمات. فبينما كانت 15 منطقة في إسبانيا تعيش شللاً تاماً طال حتى المستشفيات وشبكات الاتصالات، كانت الرباط تتحرك بصمت وفعالية لتقديم العون الفوري.
وقد أكد تقرير لوكالة أوروبا بريس أن المغرب لم يتأثر بهذا الانقطاع، باستثناء بعض التذبذبات المحدودة في شبكة الإنترنت ونظام التذاكر بالمطارات، وهو ما يعكس صلابة بنيته التحتية.
إن المفارقة البارزة في هذا الحدث، هو أن المغرب، الذي استورد من إسبانيا في عام 2024 أكثر من 2500 جيغاواط ساعة من الكهرباء، هو نفسه من بادر هذه المرة إلى العطاء، وهو ما وصفته الصحف الإسبانية بـ"تحول في موازين الطاقة الإقليمية".
وتأتي هذه الخطوة في سياق أوسع تسعى فيه الرباط إلى تعزيز سيادتها الطاقية، من خلال مشاريع مثل بناء محطة للغاز الطبيعي المسال في ميناء الناظور، وتطوير برامج للهيدروجين الأخضر بالتعاون مع فاعلين دوليين مثل Acciona وMoeve.
التعاون في الأزمات: طريق المستقبل
أبرزت أزمة الكهرباء في إسبانيا الحاجة الملحة لتكثيف التعاون الطاقي بين الضفتين، خاصة في ظل التغيرات المناخية والضغوط على شبكات الطاقة التقليدية. وكما قال أحد المحللين في صحيفة Levante-EMV: "ما كان يُعتبر مجرد ربط تقني، أصبح اليوم رمزاً للتضامن الإقليمي".
ولم يكن تدخل المغرب فقط مسألة تقنية، بل رسالة واضحة بأن الجار الجنوبي بات شريكًا موثوقًا، لا فقط في تبادل الكهرباء، بل في مواجهة الأزمات الكبرى بقيم التضامن والمسؤولية.