نظم "المقهى الأدبي كرسي فاطمة المرنيسي"، بشراكة مع مؤسسة "هبة"، أخيرا، لقاء أدبيا في الرباط، تحت شعار "فلسطين بعيون مغربية"، لمناقشة كتاب "فلسطين ذاكرة المقاومات" للشاعر والكاتب المغربي محمد بنيس، من تأطير وتسيير الأستاذة الجامعية والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة ليلى بوعسرية، وبحضور عدد من الإعلاميين والباحثين والمثقفين من النساء والرجال.
صدر الكتاب عام 2021 في سياق استمرارية هذا الالتزام، حيث ينسج الكاتب علاقة وثيقة بين المقاومة والثقافة، متأثرا بموقف الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي كان يؤكد قائلا: "عندما نحرر شبرا واحدا من فلسطين، سنهتم بالثقافة".
وفي هذا الصدد، تحدثت ليلى بوعسرية عن أهمية الكتاب في سياق مقاومة الاحتلال عبر الثقافة، مبينة أن اهتمام محمد بنيس بالقضية الفلسطينية ليس طارئا، بل هو امتداد لمواقفه الفكرية والسياسية التي أضفى عليها حضورا بارزا في أعماله، لا سيما تلك التي أبرزت دور المثقفين العرب في التصدي لمحاولات التهميش الثقافي من قبل الاحتلال.
يستند الكتاب إلى مجموعة متنوعة من النصوص، تشمل حوارات، مقالات نقدية، نصوصا شعرية ومترجمة تعود لفترات تاريخية مختلفة، مما يمنح القارئ صورة متكاملة عن التاريخ الفكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية. اختيار هذه النصوص لم يكن اعتباطيا، بل استند إلى منهج تحليلي دقيق يبرز الترابط بين الثقافة والمقاومة، مستحضرا في ذلك مقاربة إدوارد سعيد حول العلاقة بين الإمبريالية والثقافة، وفق ما أبرزته الأستاذة الباحثة في علم الاجتماع.
واستحضرت ليلى بوعسرية في كلمتها مساهمة الراحلة فاطمة المرنيسي، التي رأت أن الاستبداد لا يقتصر على السيطرة السياسية، بل يشمل أيضا فرض تصورات نمطية تعيق تحرر الشعوب، وهو ما يتقاطع مع رؤية بنيس حول مقاومة الاحتلال الثقافي.
كما أبرزت في مداخلتها تناول محمد بنيس لعدد من الأسماء الوازنة من باحثين وسوسيولوجيين، ضمنهم عبد الكبير الخطيبي، الذي تناول القضية الفلسطينية في أعماله، ومنها كتاب "الحمّى البيضاء"، الذي انتقد فيه تعامل الغرب مع القضية الفلسطينية. ويسترجع بنيس تفاصيل صداقته مع الخطيبي، التي بدأت حينما كان طالبا، حيث ساعده في جمع وثائق فلسطينية أثناء تحضيره لهذا الكتاب.
يختتم الكتاب بفصل يتناول التطبيع وحرية الطريق نحو التحرر، حيث يستدعي الكاتب شخصيات من التاريخ، مثل السلطان عبد الحميد الثاني، الذي رفض الإغراءات المالية الضخمة مقابل منح فلسطين كوطن للاحتلال. وإعادة قراءة هذه المواقف في سياقها التاريخي تسهم في تعزيز الوعي بضرورة مقاومة الاستعمار الثقافي والسياسي، انطلاقا من رؤية شمولية تعيد الاعتبار للمثقفين والرموز النضالية.
وتبعا لذلك، شكل اللقاء المخصص لقراءة كتاب "فلسطين ذاكرة المقاومات" مشروعا ثقافيا متكاملا يربط بين الماضي والحاضر، ليطرح سؤالا جوهريا حول قدرة المثقفين على الفعل من أجل القضية الفلسطينية، وهو ما يجعل من قراءة هذا الكتاب دعوة للتفكير في دور الثقافة كمسار مستمر للمقاومة والتحرر.