أعلنت وزارة الثقافة والاتصال -قطاع الثقافة-، عن تسجيل بناية "فرايس" التي يعود تاريخها إلى سنة 1929 بحي جليز المعروف بالحي الأوروبي بمراكش، ضمن لائحة التراث الوطني، لوقف مطامع المضاربين العقاريين.
وتهدف المحافظة على الطابع متعدد الثقافات لعاصمة النخيل، وذلك تنفيذا لسياستها الرامية إلى ضمان الحماية القانونية للتراث الوطني والحضاري للمملكة، وكذا التعريف به وإبرازه وتثمينه وإدراجه في المنظور التنموي الشامل.
وعاشت البناية المذكورة، على مدى السنوات الماضية، على ايقاع تهديدات بالهدم بسبب المشاريع العقارية التي كانت تستهدف الموقع، قبل أن تتدخل جمعية "تراث" التي ترأسها المهندسة سعاد بلقزيز، وعملت على توثيق وتحليل تاريخ وأهمية البناية، مع التركيز على قيمتها التاريخية والمعمارية، وأعدت ملفا متكاملا، شمل كافة المعلومات المتعلقة بالتصميم المعماري، تاريخه، بالإضافة إلى تفاصيل مهمة عن مؤسسها، الفنان إدوارد فرايس، ليجري تقديمه إلى مديرية التراث التابعة لوزارة الثقافة المغربية، التي تختص بتصنيف وحماية المباني المعمارية ضمن التراث الوطني.
ولعل ترتيب هذه البناية ضمن التراث الوطني ساهم في رفع درجة مسؤولية جمعية "تراث"ودفعها إلى بذل مزيد من الجهود لتجنيب بناية "فرايس" أي مخاطر أو الزج بها في دائرة الخراب، والعمل على أن تبقى معلمة شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ مدينة مراكش.
وتحرص وزارة الثقافة والاتصال -قطاع الثقافة-، على حماية وصون وتثمين عناصر التراث الثقافي الوطني باعتباره محورا استراتيجيا ضمن مخططها العملي، وذلك تنفيذا للتعليمات والتوجيهات الملكية السامية في هذا الشأن، من خلال تعزيز الترسانة القانونية المؤطرة من نصوص تشريعية وتنظيمية وجعلها تواكب التطورات التي يشهدها القطاع وتتلاءم مع التشريعات والقوانين الدولية.
وحسب جمعية "تراث"، التي تأسست شهر نونبر 2022 بهدف الحفاظ على التراث المادي واللامادي لمدينة مراكش، وتحديدا المعالم المعمارية التي تمثل جزءا من الهوية الثقافية للمدينة الحمراء، فإن هذا التصنيف، هو انتصار للجهود التي قامت بها الجمعية، وبموجبه لا يمكن للمالك تعديل البناية أو هدمها دون التنسيق مع الجهات المعنية، وإشعارها قبل ستة أشهر من بدء أي أعمال.
ويشكل التراث المعماري بحي جليز المعروف بالحي الاوروبي، أحد أهم العناصر الفنية والجمالية التي تميز معالم المدينة الحمراء من خلال هندسة العمارة الكولونيالية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، التي نهلت بدورها من حضارات قديمة تمتد إلى حقب زمنية معينة، خاصة أن كل بناية تاريخية تختزن في طياتها تاريخا ضاربا في القدم ونمط عيش مشترك بين فئات اجتماعية متباينة.
وشكل هذا الإرث الكولونيالي بتنوعه وترائه، نقطة اختلاف في وجهة النظر بين المهتمين بالتراث المعماري بالمدينة، منهم من دعا إلى القطيعة معه بوصفه تراثا متجاوزا أو بوصفه حقبة انتهى زمنها بانتهاء فترة الوجود الفرنسي بالمغرب، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك ورأى في تجديده والتصالح معه بوصفه ذاكرة للمدينة ضرورة ملحة بعيدا عن أي خطاب أيديولوجي.
ويرى عدد من المهتمين بالتراث المعماري، أن البنايات الجديدة التي تم إحداثها بحي جليز لم تحترم خصوصية معمار مدينة مراكش بسبب تجاوزها الارتفاعات المسموحة التي أصبحت تحجب رؤية الامتداد الطبيعي للمدينة نحو الفضاءات الخضراء التي تشكل لوحة خلابة مع جبال الأطلس الكبير.
وفي هدا الإطار، أكد عبد المنعم أبو الهدى أحد المهتمين بالتراث الثقافي والمآثر التاريخية بمراكش، في تصريح لـ "الصحراء المغربية" أن التراث الكولونيالي لم يجري تقنينه بعد بالمدينة الحمراء، بخلاف مدن الرباط والدارالبيضاء ووجدة، التي صنفت فيها مجموعة من البنايات التي تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي ضمن لائحة المآثر التاريخية الوطنية.
وشدد أبو الهدى في هذا الإطار، على ضرورة أخد رأي المديرية الجهوية لوزارة الثقافة، قبل هدم البنايات التاريخية خصوص تلك التي تم إحداثها في فترة الاستعمار، مشيرا إلى أن هذه البنايات القديمة تندرج في إطار نمط أغبيكو، ويبلغ مجموعها حوالي 150 بناية بكل من المدينة العتيقة وحي جليز والحي العسكري، والتي لم تستفد من قرار التقييد أو مرسوم إدراجها ضمن الآثار الوطنية على غرار المدن التي شهدت هذه العملية من قبيل فاس ومكناس والدارالبيضاء والجديدة والرباط ووجدة.
ودعا إلى إعداد قانون خاص بالتراث الكولونيالي بمشاركة مختلف ممثلي الوزارات المعنية، لحماية هذه البنايات القديمة وإعادة ترميمها والعمل على تصنيفها ضمن الآثار الوطنية.