جمعيات المجتمع المدني تغني نقاش تعديل مدونة الأسرة بحزمة مقترحات

الصحراء المغربية
الأربعاء 04 أكتوبر 2023 - 17:40

أمهل صاحب الجلالة الملك محمد السادس الحكومة ستة أشهر من أجل رفع مقترحاتها بشأن تعديل مدونة الأسرة المغربية، وفق ما نصت عليه الرسالة الملكية السامية الموجهة لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش. ومواجهة لإكراه الزمن التشريعي لاستخراج التعديلات المزمع إلحاقها بمدونة الأسرة، سارعت الحكومة في شخص رئيسها، ووزير العدل، إلى عقد اجتماعات مع الأطراف ذات الصلة، وتشكيل لجنة مكلفة بالإشراف العملي على تنزيل ما تضمنته الرسالة الملكية من توجيهات في اتجاه إطلاق مسار التشاور وفتح نقاش عمومي، وتوحيد الرؤى والمزاوجة بين مركزية الأبعاد القانونية والقضائية مع زوايا النظر الشرعية والحقوقية أو المتعلقة بالسياسات العمومية في مجال الأسرة، بوصفها الخلية الأساسية للمجتمع.

كما لاقت المنهجية التي دعت إليها الرسالة الملكية السامية لتعديل مدونة الأسرة، استحسان المجتمع المدني، وكل القطاعات المعنية بقضايا الأسرة، وكذا جمعيات نساء المغرب، التي كانت تنتظر لحظة الإشارة من جلالة الملك لتكليف من يهمهم الأمر لاستقبال انتظاراتهم من مشروع مدونة جديدة تليق بمستوى مغرب 2024، وتوافق التحديات والمتغيرات التي شهدها المجتمع المغربي ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا.
فماهي إذن أهم التعديلات التي يقترحها المجتمع المدني على اللجنة المكلفة بإعداد مشروع مدونة الأسرة الجديدة، لإدراجها في نصوص المدونة، تضمن استقرار الأسرة الاجتماعي وحقوق جميع مكوناتها؟ في سبيل البحث عن حلول جذرية للقضاء على الآثار السلبية للثغرات التي رافقت اعتماد المدونة منذ سنة 2004. سؤال تجيب عنه "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" و"فيدرالية رابطة حقوق النساء" و"منظمة النساء الاتحاديات"، و"جمعية التحدي للمساواة والمواطنة"، و"اتحاد العمل النسائي" و"جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات" في تصريحات لـ"الصحراء المغربية".



تشريع أسري موحد ومنسجم

قالت "فدرالية رابطة حقوق النساء" على لسان رئيستها سميرة موحيا، إن المدونة بشكلها الحالي تخالف روح الدستور، مشيرة إلى أن المطلب الأساسي يتجسد في جعل القانون المعدل موحدا ومنسجما ويضمن الاستقرار الأسري والمساواة بين الجنسين في الحقوق والرعاية والمسؤوليات، بصياغة واضحة وقانونية وحقوقية، منسجمة في بنودها، تحترم كرامة النساء وتبتعد عن تكريس التمييز والدونية، وفي حالة الفراغ القانوني، يجب الإحالة على الدستور أو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
في هذا الاتجاه، سارت وجهة نظر "جمعية التحدي للمساواة والمواطنة"، حيث أعلنت رئيستها بشرى عبدو أن أهم المطالب تتلخص في مراجعة لغة المدونة ككل، وحذف المصطلحات والعبارات التي من شأنها أن تكرس الصور النمطية لمهام وأدوار الرجال والنساء، والدمج العرضاني لمبدأ المساواة بين الزوجين، وتبني مقاربة حقوقية، تستند إلى نسق مفاهيمي عصري، فضلا عن اعتماد المادة 4 بمثابة السند القانوني والفلسفي لبقية بنود القانون، وإلغاء أي بند يتعارض مع المبادئ المنصوص عليها.
وركزت "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب"، في بلاغ صادر عنها، توصلت "الصحراء المغربية" بنسخة منه، على ضرورة ملاءمة نص مدونة الأسرة شكلا ومضمونا مع روح ومبادئ ومقتضيات الدستور، واستحضار قيمة المساواة الفعلية المنصوص عليها في الدستور والمصادق عليها في التزامات المغرب تجاه المنتظم الدولي، ومراعاة الانسجام بين القوانين الوطنية وبينها والمواثيق الدولية، أخذا بالاعتبار التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عرفتها الأسر المغربية، وحذف المادة 400 التي تخول للقضاء الرجوع إلى المذهب المالكي لسد كل ثغرة قانونية.
أما "اتحاد العمل النسائي"، فصرح على لسان رئيسته المحامية عائشة لخماس بالقول "نطالب بتغيير جذري لمدونة الأسرة يشمل لغتها ومضامينها وفلسفتها لتجيب عن أوضاع الأسرة المغربية الحالية، ومكانة المرأة المعاصرة والمجتمع المغربي، وتتلاءم مع دستور 2011 وما تضمنه من مستجدات تؤكد على تجريم التمييز بسبب الجنس، وبإقرار المساواة التامة بين النساء والرجال بما في ذلك الحقوق المدنية، والاتفاقيات المصادق عليها".


تزويج القاصرات

شددت "فيدرالية رابطة حقوق النساء" على الارتكاز دائما على المصلحة الفضلى في ما يتعلق بحقوق الأطفال، وإلغاء كلي لزواج القاصر، واعتبار 18 سنة هو سن الأهلية للزواج دون أي استثناء، مع حذف المادة 16، واعتبار عقد الزواج الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج.
من جانبها، أكدت "جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات" على لسان أمينة التوبالي، عضو مكتب التنفيذي والباحثة في قضايا المرأة والمساواة، أن أهم التعديلات التي وقع عليها خلاف هي المادة 20 المتعلقة بزواج القاصرات، داعية إلى أن يكون حق الفتاة في الزواج نفسه المخول للشاب في 18 سنة، بعد أن تكون قد أنهت دراستها وفي كامل نضجها.
أما "جمعية التحدي للمساواة والمواطنة"، فدعت بدورها إلى منع تزويج الأطفال نهائيا من خلال حذف المادة 20 المتعلقة بإمكانية إعطاء الإذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، وما يستتبعها من مواد 21 و22، مع تعديل المادة 39 عبر إضافة زواج الأشخاص دون سن الأهلية إلى موانع الزواج المؤقتة.



إجماع على منع التعدد

أجمعت الجمعيات التي تحدثت إليها "الصحراء المغربية" على منع هذا البند من مدونة الأسرة، كونه، حسب فيدرالية رابطة حقوق النساء "انتهاك صريح لكرامة المرأة وإنسانيتها نتيجة سوء التقدير لتبرير التعدد، فضلا عن تأثيراته النفسية على الزوجة وعلى الأطفال واستقرارهم الاجتماعي".
وحسب جمعية التحدي للمساواة والمواطنة "لابد من المنع النهائي من خلال تعديل المادة 40، وحذف المواد من 41 إلى 46، وتعديل المادة 39 عبر إضافة وجود زواج سابق لم يحل رباطه إلى موانع الزواج المؤقتة".
وبالنسبة لجمعية جسور ملتقى النساء المغربيات، فإن مطلب المنع نابع من الحجج والتبريرات "السخيفة" لأجل رغبة الرجل في التعدد مثلا مرض الزوجة.



الزواج والصداق والطلاق

بالنسبة للزواج من الأجانب، قالت فيدرالية رابطة حقوق النساء إن المدونة الجديدة "يجب أن تنص على المساواة بين الجنسين في الزواج، لأن الأمر أصبح متجاوزا بالنظر لمعدلات الزواج المختلط، وأن اعتناق الإسلام يجب أن يكون عن اقتناع وليس إثباتا بشهادة".
كما دعت إلى تبسيط مسطرة زواج مغاربة العالم وتوثيق الزواج، باعتماد رقمنة الإثبات، وحل مشكل تنازع القوانين لصالح بلد الإقامة. إلى جانب الدعوة إلى حصر الطلاق في نوعين وهما الطلاق للشقاق والتطليق الاتفاقي كونهما المعتمدين أكثر. أما الصداق، فلا يجب أن يبقى شرط صحة لعقد الزواج، وأن يدخل في باب الأعراف والتقاليد والهدية بين الزوجين.
أما جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، فتقترح في هذا الباب الاحتفاظ بالمادة 26 التي تعتبر الصداق رمزيا، وتدعو لحذف المواد من 27 إلى 33 التي لازالت تكرس الصداق كثمن للمعاشرة الزوجية.
وتشمل المقترحات، أيضا، وضع حد للتلاعب بدعاوى ثبوت الزوجية من خلال منع الزواج العرفي "زواج الفاتحة"، واعتبار وثيقة عقد الزواج الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج. إلى جانب تنظيم وتوحيد مساطر الطلاق بالاحتفاظ بطلاق الشقاق والطلاق الاتفاقي والتطليق للغيبة، وحذف الأنواع الأخرى.



الحضانة والولاية القانونية

تعتبر فيدرالية رابطة حقوق النساء أن الولاية القانونية على الأبناء يجب أن تكون واجبا مشتركا بين الزوجين، وفي حالة الطلاق، يجب الاتفاق على الولاية القانونية المشتركة للأبناء، أو اعتبارها حقا للحاضن من أجل حق التصرف في الشؤون الإدارية والقانونية والقضائية الخاصة بهم.
كما طالبت بأن تكون الحضانة مشتركة من خلال المساواة بالاحتفاظ بالأطفال بعد الطلاق، خاصة للمرأة في حالة رغبتها في الزواج مرة أخرى.
هذا الطرح، أكدت عليه جمعية التحدي للمساواة والمواطنة من خلال اقتراح حذف شرط عدم زواج طالبة الحضانة، والاحتكام للمصلحة الفضلى للطفل، وتحقيق التوازن بين الزوجين في ما يخص الولاية على الأبناء بإلغاء جميع المقتضيات التي تجرد المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين (المادتين 236-237). ومراجعة المقتضيات التي تجعلها في مرتبة ثانوية أو تحت وصاية طرف آخر (المادة 238 وما يليها من مواد). والتنصيص على حق الأم في النيابة الشرعية على أبنائها إلى جانب الأب، واعتبارهما معا متساويان في الولاية القانونية على الأبناء.
أما جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات، فتعتبر أن الأصح أن تعهد للزوجين الولاية معا، وأن يتدخل القضاء في حالة إخلال أي طرف بالتزام يصب في مصلحة الطفل.



الطرد من بيت الزوجية

شددت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة على معالجة هذه المسألة باقتراح ملء الفراغ القانوني لضمان تدخل واضح ومنهجي من قبل النيابة العامة، ومراجعة المادة 480-1 من القانون 103-13 بشكل يرفع اللبس، وتحديد الفرق بين المسؤولية الناتجة عن الطرد من بيت الزوجية وتلك الناتجة عن الامتناع عن الإرجاع. مع تجريم كل أنواع الطرد من بيت الزوجية دون التمييز بين المبرر منه أو غير المبرر، وتفعيل مقتضيات المادة 121 الخاصة بالتدابير المؤقتة، وتفعيل جل تدابير الحماية المنصوص عليها.



إثبات النسب

دعت فيدرالية رابطة حقوق النساء إلى عدم التمييز بين البنوة والنسب في تعديلات المدونة الجديدة، مقترحة أن يكون إقرار حق الطفل في النسب بغض النظر عن الحالة العائلية للزوجين، وإلحاقه بنسبهما معا، مع اعتماد الخبرة الجينية. وهو ما اقترحته كذلك جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بالتنصيص على اعتماد الخبرة الجينية كأداة لإثبات النسب يلجأ إليها في جميع المنازعات القضائية، على أن يلحق النسب فور ثبوته ويترتب عنه كل آثار البنوة الشرعية.



النفقة

أوردت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في هذا الباب عددا من المقترحات تتمثل في التنصيص على أن النفقة مسؤولية الزوجين يتحملانها معا، كل حسب إمكانياته، مع الأخذ بالاعتبار الأعمال التي يؤديها الزوجان داخل المنزل في إطار تقاسم المسؤولية المشتركة على الأسرة.
كما طالبت بحذف عبارتي أجرة الحضانة وأجرة الرضاعة، واعتبارهما جزءا من النفقة التي يتحملها الزوجان معا تجاه أسرتهما وأبنائهما. وحذف مصطلح نفقة المتعة والاستعاضة عنه بعبارة التعويض عن الخسائر أو جبر الضرر للإشارة للتعويض الذي يعطى للزوجة المطلقة عندما لا يكون الطلاق برضاها أو من قبلها.
وشملت المقترحات كذلك حذف مصطلح النشوز واستبداله بمصطلح ازدراء العلاقة الزوجية وغياب الاحترام واللذين يمكن أن يصدرا عن كلا الزوجين، وكذا حذف مصطلحي الهجر والإيلاء مع استبدالهما بعبارة انقطاع التواصل أو انقطاع العِشرة الزوجية.


الإرث واقتسام الممتلكات

في هذا الباب، تقترح فيدرالية رابطة حقوق النساء أن يضمن التدبير المشترك لأموال الزوجين في عقد الزواج بصفة تلقائية وليس بعقد مستقل. وفي حالة الطلاق تقسم الأموال بينهما بشكل متساو.
كما اعتبرت العمل المنزلي مصدر من مصادر تراكم الثروة وذا قيمة مالية ساهمت به الزوجة في ممتلكات الأسرة. ودعت أيضا لمراجعة منظومة المواريث لتكون مبنية على قاعدة المساواة بين الزوجين وعدم التمييز، واحترام مبدأ إرادة الشخص في التصرف في أمواله أثناء حياته، وإلغاء التعصيب بشكل نهائي. مع التنصيص على حق الزوجة في الميراث في حالة الزواج المختلط.
في هذا السياق، دعت من جانبها جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات إلى ضرورة إعادة النظر في المادة 49 من المدونة والتي تعنى بتدبير الأموال المكتسبة للزوجين، في فترة الزواج بالتنصيص على الاعتراف بحق المرأة في الكد وتثمين عملها المنزلي ودورها في التربية.
وبالنسبة لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة، فتوصي في باب تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية بإقرار نظام قانوني شامل ومتكامل، للإحاطة بتفاصيل وحالات تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية. مع جعل وثيقة اقتسام الممتلكات من الوثائق الضرورية لاستكمال ملف الزواج، وفي حالة عدم تعبئتها يحرر عقد رسمي بعدم الاتفاق عن طريق عدل موثق. مع إعطاء الصبغة الرسمية للعقد عن طريق عدل موثق.
في حالة تعبئة الطرفين لوثيقة الاتفاق على كيفية تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية، يجب التنصيص على ضرورة تسجيله بالرسم العقاري وإشهاره للأغيار، وتقييده بسجلات الحالة المدنية، ليتمكن هؤلاء من أخذ نسخ منه عند التعامل مع الزوجين، مع التنصيص على إمكانية تعديل الاتفاق بتراضي الطرفين. وفي حالة عدم تعبئة الطرفين وثيقة الاتفاق على كيفية تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزوجية، فيجب التنصيص على أن كل عقار أو منقول، تمت ملكيته أثناء قيام العلاقة الزوجية، يعتبر من الأموال المشتركة، ما لم يثبت الطرف المعني عكس ذلك، على أساس معايير مناسبة، فضلا عن التنصيص على تمتع الزوجين بسلطات متساوية على الأموال المشتركة.



 منظمة النساء الاتحاديات 
حنان رحاب: نتطلع أن تكون التعديلات المرتقبة ملبية لمطالب الحركة النسائية



لا يمكن لأي متابع موضوعي لما يتم تداوله في محاكم قضاء الأسرة إلا أن يكون مرحبا بالقرار الملكي المتعلق بتسريع وتيرة سيرورة إدخال تعديلات على مدونة الأسرة، بما يفضي إلى تجاوز الاختلالات التي أبانت عنها تجربة حوالي العقدين من التطبيق.
ويعكس هذا القرار الملكي تتبع المؤسسة الملكية لما يعتمل في المجتمع المغربي من تحولات، تتطلب تشريعات ملائمة لها، ولذلك كان الحرص الملكي على تأطير التعديلات المرتقبة بالانسجام الخلاق بين المقاصد الإسلامية في التشريع على مقتضى تحقيق العدل، والمواثيق الكونية التي صادق عليها المغرب في الشق المتعلق بالأسرة والمرأة والطفل، والقيم المغربية الأصيلة التي تحث على التضامن والرحمة والعدل. وبطبيعة الحال فإننا نتطلع أن تكون التعديلات المرتقبة ملبية لمطالب الحركة النسائية المنطلقة من المبادئ الدستورية المتعلقة بالمناصفة والمساواة والكرامة.


 




تابعونا على فيسبوك