محطات تحلية مياه البحر .. أي آثار محتملة على البيئة في المغرب؟

الصحراء المغربية
الإثنين 24 أكتوبر 2022 - 14:41

دفعت موجة الجفاف التي تضرب المغرب منذ سنوات، الحكومة إلى الانخراط الجدي في البحث عن حلول لمواجهة معضلة النقص المائي، الذي بات يهدد حواضر وقرى المملكة على السواء، في ظل تراجع حقينة السدود، التي لم تعد تتعدى نسبة الملء فيها خلال صيف العام الجاري، 25 في المائة.. ومن ضمن هذه الخيارات، إنجاز محطات لتحلية مياه البحر في عدد من المدن الساحلية بالمملكة. فماهي التكلفة البيئية المحتملة لهذه التقنية البديلة؟ السؤال حملناه إلى خمسة خبراء مغاربة، ضمنهم مختصون في تحلية مياه البحر يشتغلون مع منظمات عربية ومؤسسات أممية، فتباينت أجوبتهم بين محذر، ومطمئن، ومتفائل بمستقبل هذه العملية.

من ضمن 20 محطة لتحلية مياه البحر، التي تطمح الحكومة المغربية في إنجازها في أفق 2030، تبقى محطة اشتوكة آيت بها، التي دخلت مرحلة الاستغلال، بداية سنة 2022، واحدة من أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة المتوسط وإفريقيا، وستُمكن في آخر المطاف من إنتاج 400 ألف متر مكعب في اليوم من المياه المحلاة، سيتم تقاسمها بالتساوي بين مياه الشرب ومياه الري، وفق أرقام تضمنها بلاغ للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة. وهي محطة تستخدم تقنية التناضح العكسي، التي تُستعمل بشكل كبير في العالم، بنسبة تفوق 65%، في حين تنطلق المرحلة الأولى من إنشاء محطة الدارالبيضاء منتصف سنة 2023، اعتمادا على التقنية ذاتها، وكذلك بآسفي في أفق 2025.
كما توجد مجموعة أخرى من المشاريع المماثلة في طور البلورة أو قيد الإنجاز، بكل من الجديدة، والناظور، والحسيمة، والعيون، وسيدي إفني، والداخلة، وطرفاية، وكلميم، حسب ما أفاد به نزار بركة، وزير التجهيز والماء، في جواب عن سؤال بمجلس النواب، علما أن المغرب أنشأ أول محطة لتحلية مياه البحر عام 1976 بطرفاية بطاقة إنتاجية تبلغ 70 مترا مكعبا في اليوم.
هذه المحطات أصبحت، بإجماع عدد من المختصين، خيارا لا غنى عنه في ظل الشح الواضح في الموارد المائية، الذي بات يعانيه المغرب في السنوات الأخيرة.. فماذا يقول الخبراء الخمسة، الذين تواصلت معهم "الصحراء المغربية"، حول تحلية مياه البحر في بلدنا وما مدى تأثير ذلك على البيئة؟
الخبير المغربي جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة، اعتبر أن تحلية مياه البحر أصبحت بديلا مثاليا في المنطقة المتوسطية وليس في المغرب فقط، بسبب تداعيات التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف. 
وقال "لقد أصبح شح المياه واضحا في المغرب، وهذا يستدعي بطبيعة الحال مضاعفة الجهود في ما يتعلق بالإدارة المتكاملة لموارد المياه، في شقيها المتعلق بإدارة الطلب على الماء وإدارة توفير مياه إضافية غير تقليدية". وشدد في هذا الصدد على أن تحلية مياه البحر تظل خيارا مهما في ما يخص توفير مياه غير تقليدية، مضيفا أن هناك خيارا آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في الزراعة بالخصوص، باعتبار هذا القطاع الأكثر استهلاكا للمياه في المغرب، بحولي 80 في المائة من الموارد المائية، وهذ "رقم كبير"، حسب الخراز.
إن تكلفة استخراج مياه عذبة من البحر لم تعد تتجاوز كمعدل عالمي 0،30 دولار للمتر المكعب، حسب جواد الخراز، الذي سبق أن شغل منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه في سلطنة عمان بين 2015 و2020.
لكن إذا كانت تكاليف إنتاج هذه المياه المحلاة منخفضة، حسب الخبراء، فإن تكلفتها البيئية تظل محل نقاش واسع بين المختصين.
الخراز يرى أن آثار تحلية مياه البحر على المنظومة البيئية "حقيقة لا يمكن إغفالها"، لكنها ليست بالتهويل، الذي يتم تصويرها بها.
وأوضح، في هذا السياق، أن الخطر الذي يمكن أن يهدد البيئة البحرية هي المياه المرتجعة، أي تلك المياه التي يُعاد رميها في البحر بعد الحصول على المياه النقية، والتي تكون شديدة الملوحة وتحتوي في بعض الأحيان على مواد كيماوية يمكن أن تشكل خطرا على المكونات البحرية..
وزاد منبها إلى أنه عندما تُرمى هذه المواد الكيماوية مع المياه المرتجعة في البحر وبطريقة مركزة، يمكن أن يؤثر ذلك على البيئة البحرية، من أسماك وشعاب مرجانية..

 

الآثار الجانبية لمحطات تحلية مياه البحر "واردة"

باعلي الصغير، مهندس زراعي، والرئيس الوطني لجمعية الماء والطاقة للجميع، أفاد، بدوره، أن المغرب عاش سنة 2022 أزمة حادة بدأت بوادرها خلال السنتين الفارطتين أدت إلى تراجع حقينة السدود وقلة التساقطات وتراجع في الفرشة المائية في أغلب المناطق على المستوى الوطني، وهناك 3 أحواض تجسد خطورة هذا التراجع (حوض ملوية، وحوض تنسيفت، وحوض أم الربيع)، مضيفا أن هذا التراجع ألقى بظلاله على السياسات العمومية وعلى العيش اليومي للمواطنين، فأصبح من الضروري التفكير في تنويع مصادر تعبئة الموارد المائية، بالإضافة إلى الاستمرار في نهج سياسة بناء السدود التلية والمتوسطة، التي لولاها لكانت الأزمة أكثر حدة. ومن ضمن هذه الحلول، تقنية تحلية مياه البحر، خاصة "أن التكلفة والجانب التكنولوجي أصبحا في متناول الجميع"، وفق تعبيره.
وأضاف باعلي الصغير لـ"الصحراء المغربية" أن الموارد المائية المعبأة من خلال الوسائل غير التقليدية كتحلية مياه البحر، كأي مشروع، تخضع لدراسات قبلية مرتبطة بالآثار على البيئة الاقتصادية والاجتماعية والأضرار التي يمكن أن تمس الإنسان والحيوان والطبيعة بصفة عامة، مؤكدا أن الآثار الجانبية لمحطات تحلية مياه البحر على المحيط البيئي هي واردة، ولكن يمكن التقليل منها من خلال عقلنة الاستعمال، والمواكبة، والرصد، وإصدار نشرات منتظمة حول الوضعية الطبيعية لهذه البيئة.
وفي الاتجاه ذاته، أكد الخبير المغربي في البيئة والهندسة المدنية وعلوم البحار عبد الرحيم الخويط، أن إنجاز أي محطة لتحلية مياه البحار يستوجب مراعاة جوانب تتعلق بدراسة التأثير البيئي لتحديد حجم التأثيرات، والعمل على تجنب الأضرار البيئية لعمليات تحلية مياه البحر، التي غالبا ما تخلف زيادة في نسبة الأملاح في البحر، وبالتالي فتأثيرها على المنظومات البيئية أمر وارد، وجب معه البحث عن حلول بديلة للتخفيف من آثار زيادة نسبة الملوحة على المنظومات البيئية، وتحدد الدراسات الواجب إنجازها في الموضوع مكان إنجاز المحطة أيضا.
وأردف الخويط، الذي يتابع أبحاثه في كندا، في تصريح مماثل للجريدة، أن نسبة الأملاح المستخلصة من تحلية مياه البحر يكون لها تأثير على المنظومات البيئية بصفة عامة، وقد تظهر بعض الأعشاب والكائنات الحية التي تتأقلم مع زيادة نسبة الأملاح في منطقة معينة من البحر فيما قد تختفي أو تموت كائنات أخرى، بما فيها الأعشاب التي لا تستطيع العيش في بيئة مالحة إلى حد معين، وبالتالي فإن تأثير ارتفاع نسبة الملوحة في البحر، يغير طبيعة الحياة لدى المنظومات البيئية. 

 

لا خوف على الثروات البحرية..

استبعد حاميد حليم، رئيس مؤسسة المغرب الأزرق والمستشار في الإعلام البحري والتواصل، أي خطر لتحلية مياه البحر على البيئة البحرية، مشيرا في تصريحات استقاها مراسل الجريدة بآسفي، إلى أن خيار المغرب بإحداث محطات تحلية مياه البحر هو خيار استراتيجي وحكيم في مواجهة النقص الحاد، الذي تعرفه الفرشة المائية وانحسار التساقطات المنتظمة.
وأوضح المتحدث أن معظم محطات تحلية مياه البحر بالمغرب تقع على الواجهة الأطلسية المفتوحة، ما يجعل من تأثير مخلفات هذه العملية "ضئيل جدا"، بفعل التفكك والتحلل والتبدد في كتلة المحيط الأطلسي وتياراته العنيفة.
ولفت حليم الانتباه إلى أن حجم النفايات التي تقذفها الوحدات الصناعية بالمدن الكبرى في البحر تبقى "أكبر وأخطر" مقابل المخلفات من المياه المستعملة في التحلية، التي تعود إلى البحر، والتي لا يكون لها تأثير كبير على التنوع البيولوجي للمحيطات، التي تحتوي على الملايين من العوالق وبيض الأسماك واليرقات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، التي تشكل جوهر السلسلة الغذائية البحرية، وبالتالي تكاد تنعدم هذه المخاوف من الآثار الجانبية لتحلية البحر على البيئة، لانفتاح المحيط على التيارات البحرية القوية. 
من جهته، شدد عمر الويدادي، المنسق الوطني للاتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة والخبير في مجال البيئة، على الحاجة الماسة إلى ابتكار حلول أخرى والرهان على البحث العلمي من أجل تدبير أفضل للعواقب البيئية الناجمة عن اللجوء إلى محطات تحلية مياه البحر.
وقال في حديث لـ"الصحراء المغربية"، إن المغرب سائر في إرساء عدد من محطات معالجة مياه البحر، ومحطة أكادير تشتغل وقابلة للتوسيع في انتظار أن يتم تسريع بناء محطة الدارالبيضاء والسعيدية والناظور، لأن الوضعية حرجة من حيث الموارد المائية المتوفرة.
وحذر الفاعل البيئي من أنه رغم التكلفة المالية المقبولة لتحلية مياه البحر، إلا أن الأثر البيئي حاضر، موضحا أن الحديث عن محطة معالجة مياه البحر يعني الحديث عن طرح نفايات في البحر تشمل كميات هائلة من الأملاح، وهذا التخلص، يضيف الويدادي، سيشكل مصدرا للتلوث، كما سيؤثر على التوازن للحاملات البيئية، وبالتالي التأثير على التوازنات الطبيعية.
وأضاف المنسق الوطني للاتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، أن عند إرساء محطة معالجة يتجدد طرح الإشكال المتعلق بالتأثير على الكائنات البحرية من خلال النفايات الملحية، التي سيتم التخلص منها، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة..

 

كيف يمكن التخفيف من أضرار تحلية مياه البحر

أكدت عدة دراسات، ومنها واحدة أنجزها معهد المياه والبيئة والصحة في كندا التابع للأمم المتحدة، ونُشرت سنة 2019، أن المياه شديدة الملوحة التي تفرزها محطات تحلية مياه البحر "تسبب أضرارا على الحياة البحرية" في السواحل التي تشكل المورد الأساسي للكثير من الأشخاص الذين يعتمدون على الصيد البحري.
الخبير المغربي جواد الخراز لم ينف هذه الحقيقة، لكنه اقترح مقابل ذلك استحضار ثلاثة معايير أساسية، للتخفيف من هذه الآثار السلبية على المنظومة البحرية، وهي:
أولا، العمل على تقوية التشريعات وتحيينها وتفعيلها، ومنها منع أي شركة تقوم ببناء محطة لتحلية مياه البحر أو تشغيلها من رمي المياه المرتجعة في البحر إلا حسب مواصفات معينة، مثلا الأنبوب الذي يقوم برمي تلك المياه يجب أن يكون داخل البحر على الأقل بمسافة 3 كيلومترات، بعيدا عن الشاطئ حتى لا يضر بالمواطنين..
ثانيا، يجب على هذه الشركات أن تستعمل تقنية تشتيت تلك المياه المرتجعة على نحو لا يظل التركيز على منطقة محددة، لأن ذلك سيضر كثيرا بالبيئة البحرية، ومنها الأسماك، وبيض الأسماك والشعب المرجانية وغيرها من مكونات البحر.
ثالثا، يجب على الدولة أن تفرض على الشركات المسيرة لمحطات تحلية مياه البحر معالجة أخيرة في المحطة قبل رمي تلك المياه المرتجعة في البحر، لأن ذلك سيساعد على تخفيف تركيز بعض العناصر الكيماوية حسب معايير دولية متعارف عليها قبل رميها في البحر.
وتطرق الخراز في هذا الصدد إلى الفرص الاقتصادية التي تتيحها هذه المياه شديدة الملوحة، موضحا أن هناك شركات كبرى ومتطورة تقوم بمعالجة المعادن الموجودة في المياه المرتجعة وإعادة بيعها من أجل استخدامات أخرى، أو استعمال تلك المياه المرتجعة في زراعة بعض الطحالب البحرية، مثل "سبيرولينا"، بمعني جمع تلك الطحالب وتجفيفها واستعمالها في إنتاج مواد للتجميل أو علف للأسماك..
ويمكن القول، أيضا، حسب المهندس الزراعي باعلي الصغير، إن الدراسة القبيلة لمشاريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر تساعد في التقليل من الآثار الجانبية لهذه التقنية، إذ أوضح أن الخبراء والمهندسين، يعمدون، قبل الشروع في تحلية مياه البحر، إلى دراسة الموقع وملاءمته، ومعرفة التأثيرات الجانبية لتثمين التوازن المائي والاقتصادي والبيئي، ودراسة الجدوى المرتبطة باستمرارية المشروع بعد الإنجاز، وكذا دراسة القنوات لمد الساكنة وربطها بالشبكة المائية، ودراسة الموقع البحري الخاص بمستجمعات المياه، لضخها في اتجاه المحطة ودراسة المحيط البيئي للتأكد من مستوى التأثير على الكائنات الحية البحرية من حيوان ونبات.
كما يلجأ الخبراء لدراسة الآثار الجانبية لهذه التقنية، خاصة في ما يتعلق بمعايير التفريغ في البحر بالنسبة للمياه المستعملة التي تُقذف، كمياه الصرف الموجهة للبحر، وتكون ملوحتها كبيرة، وقد تساوي الضعف على ما كانت عليه، وفي هذه الحالة يتم التأكد من جميع المعطيات التقنية والكيميائية التي تعطي نسب الملوحة.
وهذه المياه التي تُقذف في البحر بعد التحلية يتم معالجتها قبل، والتأكد من مكوناتها على أنها مطابقة للمعيار المسموح به، ويتم توزيعها بآلات توزيعا منسجما على مستوى البحر حتى لا يتم هناك تراكم أو كثافة كبيرة لهذه المواد في نقطة معينة دون غيرها حتى يكون التأثير ضعيفا جدا.
ولضمان جودة مياه البحر، يضيف باعلي، لابد من مواكبة هذه المياه التي تقذف من خلال القيام بتحاليل بشكل دوري مستمر ومنتظم، ويتم كذلك تحليل مياه البحر في نقط القذف ومدى تأثيرها على البيئة، وتنجز دراسات من حين لآخر حول الكائنات الحية لمراقبة هل هناك تراجع أم وضعية طبيعية للتكاثر.
ويمكن القول، حسب الخبير نفسه، أن تكون هناك آثار جانبية لمحطات تحلية مياه البحر على المحيط البيئي، "فهي عموما واردة، ولكن يمكن التقليل منها من خلال عقلنة الاستعمال والمواكبة والرصد وإصدار نشرات منتظمة حول الوضعية الطبيعية لهذه البيئة".

 

طمأنة المواطنين على نقاء مياه البحر المحلاة

خلص الخبراء الخمسة الذين تحدثت إليهم "الصحراء المغربية" إلى أن تحلية مياه البحر ليس بتلك السلبية التي تُصور للناس، مما يستدعي القيام بحملات توعية واسعة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لتبسيط شرح تقنيات تحلية مياه البحر وطمأنة المواطنين بأن هذه المياه المحلاة نقية بشكل كامل وآمنة، وهي التي يعتمدها سكان عدد من مدن بلدان الخليج، مثل مسقط ودبي والرياض، في تروية عطشهم وسقي زراعتهم..
كما دعوا إلى إدخال موضوع تحلية مياه البحر في البرامج التعلمية، واعتماد التدرج، انطلاقا من أقسام الابتدائي، في التعريف بجميع تقنيات تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه العادمة، في أفق الإعداد النفسي للأجيال المقبلة على تقبل هذه المياه غير التقليدية.
ونصح الدكتور الخويط بإحداث هيئة خاصة أو خلق شركة وطنية لتحلية المياه للنهوض بهذا القطاع، داعيا إلى ضرورة الحرص على نظافة مياه البحر في أصلها، من خلال منع أي تلوث قد يلحق بها جراء الممارسات البشرية، سواء تعلق الأمر بالنفايات المنزلية أو المياه العادمة أو النفايات الصناعية.




تابعونا على فيسبوك