"لسنا بصدد عفو عاد، بل إزاء حكمة، ولا أمام مواقف وليدة ظروف معينة، بل ترجمة فعلية على أرض الواقع، مرة أخرى، لفكر جلالته المتنور، وأمام تطبيق لمشروع صناعة مغرب ومغاربة الألفية الثالثة على نحو يقدر المواقف، ويمكن من صناعة التاريخ والثروة"
رغم ما يخلفه وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) من أثر سلبي في النفوس عالميا، فإن ما يشرفنا نحن المغاربة في هذه الأيام، ويمنحنا جرعة أمل ويرفع منسوب التفاؤل لدينا أن المملكة المغربية تشكل بالفعل استثناء حقيقيا.
صحيح أننا نلنا نصيبنا من حالات الإصابات وفقدنا مواطنين كنا نأمل أن يظلوا بيننا، لكن السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس خففت الوطء، خصوصا أنها فضلا عن تأثيرها الإيجابي في النفوس، جعلت المغرب يحظى باهتمام عالمي بالغ، ويحظى بالإشادة بكل لغات العالم.
لم يكد مداد أقلام المشيدين بالقرارات الملكية الحكيمة يجف حتى وجدوا أنفسهم أمام تحد مغربي جديد يستدعي الوقوف عنده وكتابة المزيد عن المملكة المغربية، التي تصنع التاريخ وتبعث المزيد من رسائل التميز عبر التماسك، الذي كان الفضل فيه لجلالته من خلال منح الشعب فرصة إبراز أريحيته وما لديه من خصال حميدة، في عز هذه الأزمة العالمية التي تعد الأقوى في تاريخ البشرية، عبر إصدار الأمر إلى الحكومة بإحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا.
إن العفو الملكي الصادر في حق 5654 معتقلا وفق شروط إنسانية وموضوعية مضبوطة، رافد من روافد التميز الملكي في تدبير الجائحة، إذ ينم عن العطف الملكي ويجسد العناية الموصولة، التي يحيط بها جلالته منذ اعتلاء عرش أسلافه المنعمين رعاياه المعتقلين وهم في المؤسسات السجنية، عناية ليست محصورة في الزمان أو المكان، بل إنها تتواصل بعد انتهاء العقوبات ومعانقة الحرية. لسنا بصدد عفو عاد، بل إزاء حكمة، لا أمام مواقف وليدة ظروف معينة، بل ترجمة فعلية على أرض الواقع، مرة أخرى، لفكر جلالته المتنور، وأمام تطبيق لمشروع صناعة مغرب ومغاربة الألفية الثالثة على نحو يقدر المواقف، ويمكن من صناعة التاريخ والثروة، كما أشرنا في افتتاحيات سابقة.
وتبقى مؤسسة محمد السادس لرعاية السجناء، وما تحمله من رمزية دالة على ما نقوله، إذ ساهمت وتساهم في تحويل السجن من مكان للعقاب الصرف إلى موقع للتقويم. وهو التحول الذي يوليه جلالة الملك أهمية بالغة ويترجمه تغير مسار السجناء السابقين، واستغلالهم فرص متابعة الدراسة وتعلم حرف تضمن لهم العيش الكريم، ويشكل اليوم الوطني للسجين في التاسع من دجنبر من كل عام فرصة لتسليط الضوء على هذه الفئة من المجتمع ويتيح أمامها فرصة لتفجير طاقاتها وإبراز مؤهلاتها.
إن العناية الملكية التي تجسدت في العفو المولوي، الذي تغيى تجنيب نزلاء المؤسسات السجنية الإصابة عبر تخفيف الضغط، وتمكين الفئة الأكثر عرضة منها للتهديد من معانقة الحرية وتمتيعها بالرعاية وفق ما جاء في البلاغ، الذي أصدرته وزارة العدل في هذا الشأن، إذ أشار إلى أن "هذه العملية سيتم تنفيذها بطريقة تدريجية. وأفاد أنه في هذا الإطار، وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، فإن المستفيدين من العفو الملكي سيخضعون للمراقبة والاختبارات الطبية، ولعملية الحجر الصحي اللازمة في منازلهم، للتأكد من سلامتهم".
إن حدث العفو الملكي يدعونا إلى الوقوف عند محطات تدل على العناية الملكية بالسجناء، سواء تعلق الأمر بالسابقين أو المقيمين حاليا في المؤسسات السجنية، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر إشراف جلالته في ماي المنصرم وتزامنا مع شهر رمضان المعظم على إطلاق البرنامج الوطني لدعم المشاريع الصغرى والتشغيل الذاتي لفائدة السجناء السابقين، الذي شمل أيضا 18 شخصا جرت إدانتهم في السابق في قضايا التطرف والإرهاب وشاركوا في برنامج مصالحة الهادف إلى إعادة إدماجهم ومصالحتهم مع المجتمع. سيجعل العفو الملكي دون شك المستفيدين منه وعائلاتهم يثمنون ذلك عاليا ويقدرونه، ويشيدون به لأنه جاء في ظروف خاصة، ظروف تسيطر فيها جائحة كورونا على التفكير، لكن الله عز وجل مصداقا لقوله "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"، وقد جعل أمير المؤمنين حكمة العفو وخيرها يعمان المملكة.