في كتاب أصدره مؤخرا عن مركز دراسات الوحدة العربية

بلقزيز يحاول اعادة كتابة تاريخ الحداثة في الفكر العربي المعاصر

السبت 16 يونيو 2007 - 08:23

أصدر مركز دراسات الوحدة العربية مؤخرا بحثا نظريا لعبد الإله بلقزيز، تحت عنوان"العرب والحداثة : دراسة في مقالات الحداثيين".

ويحاول الكتاب تقديم مساهمة متواضعة في إعادة كتابة تاريخ الحداثة في الفكر العربي المعاصر، وهي محاولة تعبر عن رغبة جادة في إعادة الاعتبار لهذا الموضوع الذي لحقه حيف شديد، وتعرض لتهميش كبير، بالأخص في الربع الأخير من القرن الماضي، من لدن معظم من تصدوا لكتابة تاريخ الفكر العربي الحديث والمعاصر من مواقع ثقافية توسلت بمقدمات إيديولوجية، وأعلنت العداء للحداثة بشكل صريح من دون أن تصغي إلى خطابها أو تضعه في ميزان التقدير العلمي.

ويعتقد بلقزيز أن "تأريخا للفكر يعرض عن تناول الأفكار والمنظومات الفكرية المتباينة في كليتها، ويجنح للانتقائية والتحزب الثقافي ليس من تاريخ الفكر في شيء، ولا يقبل النظر بوصفه جهدا علميا".

يتناول الكتاب، خطاب الحداثة منذ النشأة، وحتى نهاية النصف الاول من القرن العشرين، وانصرف إلى مطالعة سياقات التطور التي قطعها هذا الخطاب في النصف الثاني من القرن ذاته، ولم يكن اختيار المؤلف لهذه الفترة مصادفة، انما لأن الإنتاج الفكري فيها لم يكن يستند الى مفهوم دقيق وشامل للحداثة عند من كتبوا سابقا عن مسائل المعاصرة والتقدم والتنوير إذ لم يبدأ هذا المفهوم في التبلور إلا في النصف الثاني من القرن العشرين وكان لابد من إقامة عزل بين طورين من فكر الحداثة والاهتمام في المرحلة الأولى بطورها الابتدائي وفي المرحلة الثانية تناول طور النضوج الفكري منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين ومن خلال المتون الفكرية الكبرى.

يركز القسم الأول من الكتاب على بناء مقدمات عامة حول جدل الإصالة والحداثة في الفكر العربي وحول جدلية الأنا والآخر باعتبارها جدلية تأسيسية فيه ويهتم القسم الثاني بدراسة فكرة الحداثة وتطورها وبوضع حصيلتها في ميزان نقدي فيما يتناول القسم الثالث المفاهيم الرئيسية في خطاب الحداثة (الحرية والدستور والعقل والسياسة والمدنية والعلم والتنوير) لدى ثلاثة من ممثليه الكبار في النصف الأول من القرن العشرين.

وفي نقد، خطاب الاصالة من الفكر الى الإيديولوجيا تبين للكاتب أن سؤال الأصالة لا ينبعث إلا من جوف الثقافات والمجتمعات المكتنزة بالخبرة الحضارية الذاهبة بعيدا عن الاستلذاذ بالنفس والمواريث الى حدود النرجسية، فليس من الممكن للمجتمعات التي لا تتوافر فيها هذه التراكمات أن تنتبه إلى رصيدها العظيم فتعيد رؤية ملامحه في مرآة تجربتها الماضية.

مشيرا الى ان لكل مجتمع وثقافة حيز من التعبير عن فكرة الاصالة يضيق او يتسع تبعا للظروف التي يقع فيها ذلك التعبير الغالب على القول بها والتشديد عليها، أن يقع حيث تضطرب الاحوال وتنقلب الموازين ويجد الاجتماع السياسي والاجتماع الثقافي نفسه أمام موجات متدفقة من التحول او الاختلال بحيث تهتز بها قواعده ويتناول الكتاب اصالة النهضوية، فيرى ان القرن التاسع عشر عهد اتصال العرب والمسلمين بتاريخ غير تاريخهم وبقيم وأفكار ومنظومات غير افكارهم، فصدمتهم مدنية أوروبا الزاحفة ووضعت مجتمعاتهم وثقافتهم موضع دفاع مستحيل أو أشبه ما يكون بذلك.

كان يمكن نخبهم الفكرية ان تتعوذ بمدونتها الموروثة من شرور المدنية تلك والافكار الوافدة في ركابها فتنسحب الى خطوطها الدفاعية الخلفية »التراث« متحصنة ومتخندقة لتمنع نفسها ولكن ما أحسن حظها اذ اختارت غير هذا السبيل لجلب تحد الحداثة الوافدة المحمولة في ركاب الجيوش الغازية، قبلت التحدي وطفقت تبحث في حداثة أوروبا عما أسس لها وأسس لشوكة هذه المدنية الظافرة الجديدة.

ثم يتطرق الكاتب إلى إيديولوجيا الأصالة ومفارقاتها ليدخل بعدها الى الفصل الذي يتناول الحداثة من النهضة الى النكسة فيلاحظ أن للحداثة في الفكر العربي المعاصر تاريخا، ولا حاجة للقول ان تاريخ فكرة الحداثة هو بالذات تاريخ وعيها بنفسها كمشروع ثقافي ذلك أن هذه الفكرة لم تقدم نفسها تلقائيا ودائما كمصادفة معرفية في تاريخ الفكر العربي المعاصر وإنما أدركت منذ البدايات انها خطاب ثقافي جديد يقترح على الوعي العربي رؤية مختلفة للعالم والمجتمع والثقافة متمايزة عن الرؤى والتصورات السائدة كانت تعرف انها تحمل رؤية قد لا يتحملها المجتمع والوعي لحدتها.

ويعتبر المؤلف انه من المسلم به ان تاريخ الحداثة في الفكر العربي المعاصر، تاريخ خاص هو تاريخ هذا الفكر نفسه، اذ لم تختلف فكرة الحداثة في المنشأ والصيرورة عن غيرها من الافكار الكبرى التي شغلت الوعي العربي المعاصر، مثلها في ذلك مثل الأصالة والهوية والوحدة والاشتراكية وسواها، بدأت فكرة وانتهت الى ايديولوجيا وتلك مشكلة أزمنت في الفكر العربي منذ بواكير ميلاده الحديث، وثمة أسباب عديدة تفسر ذلك الانتقال.

وفي تناوله لمقالات الحداثيين يرى الكاتب ان خطاب الحداثة لم يكن برانيا مفتعلا في الفكر العربي المعاصر، كان له ما يبرره في الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي.

وقد توقف المؤلف مطولا عند عدد من الحداثيين العرب أمثال علي عبد الرازق وطه حسين_مشيرا الى أن الحداثة طرقت أبوابنا من مدخل أدبي وفني يشهد عليه مسرح توفيق الحكيم وروايات نجيب محفوظ وشعر نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب وموسيقى الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، وسينما صلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، ومن يقو على تجاهل صرخة عبد الرحمن بدوي الوجودية، وصرخة فؤاد زكريا الوضعية وعلموية سلامة موسى المبكرة، ومن يملك أن يشطب من سجل «مغامرات» الحداثة انتروبولوجية علي الوردي وجينالوجيه جمال حمدان وشخصانية محمد عزيز االحبابي وتاريخانية عبدالله العروي، وجدلية حسين مروة وطيب تيزيني ومهدي عامل وسمير أمين وصادق جلال العظم وفوكوية محمد عابد الجابري وسيميائية محمد اركون ونقدية حسن حنفي التاريخية وصولات هشام جعيط بين التاريخ السياسي والاجتماعي وتاريخ الفكر وعلم الاجتماع السياسي وحذاقة التحقيق المقارن لدى رضوان السيد، وسياحة جورج قرم الفكرية بين الاقتصاد والتاريخ والانثروبولوجيا السياسية.




تابعونا على فيسبوك