أثارت حادثة السير التي أودت بحياة أكثر من 23 مسافرا وجرح العشرات في طريق مراكش، العديد من الأسئلة حول جدوى الحملات التحسيسية والوصلات الإشهارية والشعارات المرفوعة من طرف اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، إذا كانت لا تؤدي دورها الأساس في التخفيف من حد
فأين يكمن بالفعل الخلل؟ هل في صعوبة التواصل والتأثير على مستعملي الطريق راجلين وسائقين حتى يأخذوا حذرهم، وينتبهوا لأهوال الطريق؟ أم أن التواصل موجود لكن تنقصنا الصرامة والردع وإعطاء العبر والأمثلة لمخالفي القوانين المعمول بها، حتى تؤدي الإخافة و"الترهيب" ما لم تستطع أن تؤديه الوصلات الإشهارية المشخصة والتي ينتبه البعض إلى دقة تمثيلها والتشخيص فيها أكثر من هول الفاجعة التي تسببها الحوادث وسوء التعامل مع قوانين السير، بدون أن نهمل وضعية الطرقات التي تثير الكثير من الحسرة والتأفف لما يتخللها من مطبات واختلالات تقنية تساعد في شقها الكبير من الرفع من حجم الضحايا والخسائر .
أسئلة وأخرى حاولنا تناولها مع ثلة من الشباب، للخروج ببعض الانطباعات، حيث أكد لنا سعد الطيفي على أن "عصب الإشكال يكمن في كون الهندسة المعمول بها في العديد من الطرقات الحضرية والثانوية تغيب عنصر الطوارئ، مما يحول أصغر خطأ في الانتباه إلى كارثة ذات عواقب وخيمة"، وفسر ذلك في ضيق الشوارع والممرات واعتماد بعضها كمرائب لوقوف السيارات، وحمل في ذات السياق الراجلين المسؤولية في عدم التزامهم بإشارات المرور .
ومن جهته، أبرز أحمد بوسراوي "أن الاختناق الذي تشهده معظم الشوارع الرئيسية للمدن المغربية من نتائجه في الغالب الاصطدامات، والحوادث المميتة لا قدر الله، وهذا راجع بالأساس إلى واضعي تصميم التهيئة الذين غاب عنهم أن النمو الديمغرافي أمر وارد، الشيء الذي وضع مستعملي الطريق في اختلاط محفوف بالمخاطر"، وبالنسبة للطرق السيارة، فيرى أحمد بوسراي، أن "الجيد منها والتي تتوفر على جميع المواصفات التقنية المطلوبة، أصبح نادرا ما نسمع عن وقوع حوادث بها، أما تلك التي تكون في مداخل القرى والمدن فمصائبها لا تحصى، بالنظر إلى عدم اهتمام القائمين على تدبير هذا القطاع بالفضاءات المحيطة بهذه الطرق بحيث لا يتم بناء جسور وقناطر مؤمنة ومراقبة حتى تمكن ساكنة المناطق المجاورة بالتجول بكل حرية لقضاء أغراضهم عوض مغامرتهم في مواجهة ومراوغة سرعة السيارات" .
ويرى خالد لودغي "أنه من أجل تشجيع السائقين على استعمال الطرق السيارة، يجب أن تعيد الجهات المعنية النظر في تذاكر الأداء وتكيفها مع الطاقة المالية للمواطنين، كما تفرض الضرورة ـ يقول خالد ـ أن تغير الجهة الوصية عن قطاع النقل ببلادنا الاستراتيجية المعمول بها في تسليم رخص السياقة، بخاصة لسائقي الحافلات وسيارات الأجرة، فالكثير من ممتهني هذا المجال لا يتحلون بالمسؤولية اللازمة في ضبط أعصابهم والتزام الحذر والمرونة والتسامح في التعامل سواء مع الراكبين أو غيرهم من مستعملي الطريق"، وأبرز في السياق ذاته "أن الواجب يقتضي كذلك، أن يتعرف السائق عن الحالة الميكانيكية لسيارته وعدم إهمالها، عند أي خلل أو عطب، أو شعور بشيء غير طبيعي في حركية سياراته" .
إنه في الواقع، مسؤولية حوادث السير في المغرب مشتركة وتمس الجميع، وعلى الكل أن يساهم من موقعه وبدوره في إيجاد حلول ناجعة لهذه المعضلة الاجتماعية، إذ لا أحد يروقه أن تحصد طرقنا سنويا آلاف القتلى، وتخلف الملايين من المعاقين والعديد من الأسر المكلومة.