وثيقة المطالبة بالاستقلال

أروع صور الالتحام بين العرش والشعب

الخميس 12 يناير 2006 - 16:37
اامغفور له محمد الخامس والجنرال دغول.

يخلد الشعب المغربي وفي طليعته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير يوم 11 يناير 2006 الذكرى الـ 62 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تشكل إحدى أبرز الذكريات الوطنية المجيدة التي يزخر بها تاريخ المغرب المعاصر، ومعلمة مجيدة أوقدت الحماس الوطن

وكتبت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مقال بالمناسبة بعنوان " وثيقة المطالبة بالاستقلال أروع صور الالتحام بين العرش والشعب من أجل الحرية والكرامة" ، أن حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يوم 11 يناير 1944 أربك حسابات نظام الاحتلال الأجنبي، حيث صدرت هذه العريضة في وقت كانت فيه الحماية الفرنسية تمر بظروف عسيرة في الخارج والداخل، ولم يكن من قبيل الصدف أن يختار الوطنيون المغاربة بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس هذا التاريخ للمطالبة باستقلال المغرب وصيانة وحدته الترابية والذود عن مقدساته الدينية والسياسية، بل كانت مفاجأة للحماية الفرنسية التي كانت منشغلة بتطورات الحرب العالمية الثانية
وجاء تقديم عريضة وثيقة المطالبة بالاستقلال ليربكها، إذ لم تجد ما ترد به على هذه العريضة إلا القمع والاعتقال والنفي والمحاكمات الصورية.

ورغم كل مظاهر التنكيل، صمد المغاربة واختاروا طريق الكفاح لتنتصر قضيتهم العادلة , وفي هذا النطاق جاء في خطاب جلالة المغفور له الحسن الثاني يوم 11 يناير 1972 »هذه المعارك إن دلت على شيء إنما تدل على أن المغرب من شماله الى جنوبه لم يخضع أبدا أمام قوة المستعمر وتهديداته، ولكن معركة يناير 1944 أظهرت له أنها تهدد وجوده وكيانه، لأنها أولا لم تكتسب صبغة حربية، فلا يمكن أن يقول قائل اذ ذاك أن الغلبة ستبقى للقوي أو ستبقى للضعيف، ولكن خاضها المغرب بالسلاح الفكري والافكار والعواطف والمبادئ لا تكيف ولا تقيم إلا بضوابطها ومشروعيتها".

وحطمت هذه الخطوة الجريئة الوجود اللامشروع لفرنسا بالدولة المغربية التي تمتعت دائما كما تقول الوثيقة التاريخية بحريتها وسيادتها الوطنية وحافظت على استقلالها طيلة قرون خلت .

لقد كان لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال وبمضمونها التحرري وأبعادها الوطنية والسياسية الأثر العميق في أوساط عموم الشعب المغربي، إذ تعزز بعرائض التأييد للسلطان من مختلف جهات المملكة، حيث عبر عن استعداده لتقديم جميع التضحيات من أجل الدفاع عن مضمون هذه الوثيقة .

ولم يكن غريبا أن يقابل الاحتلال الفرنسي هذه الخطوة بلغة القمع الوحشي والاعتقال والنفي، ففي الوقت الذي كانت تجسد فيه هذه العريضة التاريخية أسلوبا حضاريا توخى من خلاله رائد التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إيجاد الحلول العادلة للقضية المغربية، كان رد السلطات الفرنسية مقترنا بلغة العنف والقمع حيث طال الاعتقال بعض موقعي الوثيقة ورموز الحركة الوطنية،الشيء الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة 29 يناير 1944 التي اتخذت شكل مظاهرات عارمة سقط اثرها شهداء وضحايا بالرباط وسلا وفاس وأزرو وغيرها من المدن المغربية تأييدا للوثيقة واستنكارا لحملات الاعتقال والقمع ضد الوطنيين .

لقد كان أثر هذا الحدث السياسي الذي يعتبر منعطفا في تاريخ النضال المرير الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة رمز المقاومة ورائد التحرير الوطني جلالة المغفور له محمد الخامس، قويا في مسار نظام الحماية الذي فرضته فرنسا على المغرب منذ سنة 1912، خصوصا وأن تاريخ تقديم هذه العريضة لم يكن وليد الصدفة بل روعيت فيه الظرفية التي من شأنها أن تسهم في التعجيل بالاستقلال، وهي ظرفية مرت خلالها الحماية الفرنسية بلحظات عسيرة على المستويين الخارجي والداخلي .

ي 11 يناير سنة 1944، جرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي وقعها ممثلو مختلف اتجاهات الرأي العام المغربي إلى جلالة المغفور له محمد الخامس وإلى المقيم العام الفرنسي وممثلي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية
وانصب اهتمامها على السياستين العامة والداخلية، حيث طالبت الوثيقة على مستوى السياسة العامة بإلغاء الحماية وجعل الاشراف على العلاقات الخارجية للمغرب برئاسة هيئة مغربية، كما طالبت الوثيقة بأن يصاحب ذلك اعتراف دولي باستقلال المغرب وهذا كان هو الغرض من تقديم نسختين إلى ممثلي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية .

وعلى المستوى الداخلي، نصت العريضة على مجمل الاصلاحات التي يجب على المغرب القيام بها تحت رعاية جلالة الملك .

وهكذا تعتبر وثيقة المطالبة بالاستقلال تجسيدا للرباط المقدس الذي كان يربط بين العرش والشعب وللثقة المتبادلة بين القمة والقاعدة ولاستمرار الكفاح الذي خاضاه جنبا إلى جنب من أجل عزة الوطن وكرامته وسيادته .

وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أنه إيمانا منها بأهمية التاريخ في حياة الشعوب والأمم، وسعيا إلى إبراز معالمه وأطواره، دأبت على الاعتناء بالذكريات الوطنية، مستهدفة بذلك الإسهام في ترسيخ دلالات وأبعاد ومغازي هذه الذكريات الخالدة في الذاكرة المغربية الجماعية، وفي ذاكرة الأجيال الصاعدة على وجه الخصوص، من أجل أن تبلور على مستوى الواقع طموحها الدؤوب المتجسد في صيانة الذاكرة الوطنية والحفاظ على تاريخ الكفاح الوطني الحافل بالأمجاد، ليظل بذلك تخليد هذه الذكريات أرضية خصبة ومنبعا دافقا لا ينضب لشحذ الهمم والاعتزاز بقيم الوطنية والمواطنة والهوية والحفاظ على إرث الأجداد وصيانة الأمانة الكبرى والرسالة الخالدة .




تابعونا على فيسبوك