حقراء هاجموني داخل المغرب وخارجه وهددوني بالتصفية

الخميس 28 شتنبر 2006 - 10:22

الأم العازبة تكون غالبا ضحية اغتصاب مثل خادمات البيوت اللواتي يعجزن عن المطالبة بحقوقهن نلاحظ أن هناك جهلا كبيرا بما جاءت به مدونة الأسرة يشمل النساء الأميات والمتعلمات والمثقفات الهدف كان هو مساعدة الأطفال المتخلى عنهم قبل أن ينصب الاهتمام أيضا على الأمه

٭ ألم تكن تخلق لك صراحتك وعفويتك صداما مع جهات معينة؟

- كثيرا جدا، بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى التهديد بالتصفية الجسدية، ومن هؤلاء أحدهم ما زال مجهولا لحد الساعة بالنسبة إلي، وتلقيت فقط رسائله المقرفة، ومنهم من يفتح فمه أمام الملأ لمهاجمتي، ويتحين أبخس الفرص لإبداء معارضته لأشغال وأهداف الجمعية وتوجهها التضامني، وللإشارة فإن هذه السلوكات لا تعرف مكانا محددا لمحاربتي، فسواء كنت داخل المغرب أرمي بأفكارهم الساقطة، أو كذلك أثناء وجودي خارج الوطن، رغم أن الحالة الأخيرة هي التي تحز في نفسي كثيرا، ليس خوفا أو شكا في نبل أعمالنا، وإنما لصدور تلك الانفعالات من أبناء جلدتنا في أقطار أخرى أمام جنسيات أجنبية، كان من المفروض أن نقدم لها أحسن صورة عن المسار الديمقراطي، الذي ينهجه المغرب، والمدى التوافقي، الذي يطبع مختلف الفعاليات والتوجهات الوطنية في ما بينها

٭ يبدو أن هناك ذكريات ليست بالسارة عاشتها عائشة الشنا في هذا الشأن؟

- أكيد، فحتى تلك، التي مرت على حدوثها سنوات، ما زالت تشوش على مزاجي، كما حدث في مؤتمر باريس عام 1999، الذي ضم وقتها عددا كبيرا جدا من الجمعيات والمهتمين بالبيئة، زيادة على خبراء اجتماعيين واقتصاديين وسياسيين، ففي هذا المؤتمر كان استدعائي مفاجأة كبيرة بالنسبة إلي، لأنه لم يقترحني أحد للحضور، حسب ما كنت أعلمه، قبل أن أدرك بالسؤال أن هناك منظمة دولية تعرفني جيدا، وتتابع عن كثب تحركاتي في هذا المجال، وكعادتي أبيت إلا أن أستغل ذلك الجمع لأعري المستور، وأكشف بالتالي عن حقيقة الواقع، طالما أنني مقتنعة بأن لا حل دون طرح المشكل، وإلا لماذا تعقد مثل هذه المؤتمرات، قلت إنني تحدثت طويلا عن الأمهات العازبات، وكل ما يتعلق بهن من مشاكل وظروف مزرية، بعد التطرق بطبيعة الحال إلى الأسباب، ولهذه الغاية تلقيت وأنا في ذلك البلد تهديدا من سيدة مغربية تدعي أنني أشوه صورة المغرب، وأمهلتني، حسب اعتقادها، فرصة الدخول إلى المغرب حتى تنفذ وعيدها
فمثل هذه الأوهام، التي ما زالت تعشش في رؤوس البعض تؤرقني بكل صراحة، ولن أخفيك أنني تألمت بشدة في ذلك الوقت، وذرفت دمع الأسى على أناس أخطأوا طريق إصلاح الفاسد، وفي الحقيقة ليست هذه الحادثة هي الأولى أو الأخيرة، وإنما شبيهها كثير أتحاشى دائما مجرد تذكره في حديثي مع نفسي
هناك موقف مماثل، الإهمال وليس التهديد، أود أن أشير إليه قبل إغلاق هذا القوس، وهو عندما استدعيت سنة 1995 إلى مؤتمر بكين بالصين، ففي هذا البلد شعرت وكأنني في حلم حين وجدت جمعيات مغربية لم تكلف نفسها عناء الاتصال بي لمرافقتهم، أو تترك لي على الأقل خبرا بالجمعية يفيد مشاركتهم، حتى يكون هناك تنسيق بيننا، لكن وبكل أسف جاءت الدعوة من الغريب
ورغم ذلك، تحديت كل هذه الشكليات، وشاركت بالنهج ذاته، حتى أنني حملت معي إلى تلك البقاع حلويات مغربية، وارتديت اللباس المغربي التقليدي داخل قاعة المؤتمر

٭ تؤكدين غير ما مرة أن المغرب لا يضم أمهات عازبات، وإنما أمهات متخلى عنهن، كيف توضحين هذه النقطة؟

- بالفعل قلت هذا، وحجتي في ذلك أن ظاهرة الأمهات العازبات توجد في أوروبا، حيث الإجماع على بلوغ هدف الرفع من نسبة النمو الديمغرافي، لذلك تسن سياسة مدروسة من قبلهم لذلك، وبالتالي يمكن للأم هناك أن تمنح لابنها اسمها، أو أن يمنح الأب اسمه لابنه، حتى ولو لم يكن بينهما ارتباط، وهذا نقيض ما يتمتع به مجتمعنا من قيم ومبادئ إسلامية تقدس الزواج الشرعي، لهذا فالأم العازبة عندنا تكون غالبا ضحية عملية اغتصاب، وهذا نجده في حالات خادمات البيوت اللائي لا تتوفر لديهن القدرة على المطالبة بحقوقهن أو مواجهة المصير، الذي يترقبهن بعد الطرد، الذي يتعرضن إليه ظلما، أضف إلى هذا التعنيف المجتمعي، الذي يسلط عليهن ويحرمهن حتى من مجرد التعبير عما يعانينه، هذا إذا لم يتعاظم الأمر وتحال على العدالة بتهمة الفساد

٭ هل يمكن القول إن المحظوظات ممن يغرر بهن هن اللواتي يرشدن إلى جمعية التضامن النسوي؟

- بكل تأكيد، إذ أن ما يحتضنه الشارع من آفات ومهالك خير دليل على ذلك، فالأم العازبة لا تخسر شيئا عند المجيء إلى جمعية التضامن النسوي، بل على العكس من ذلك تستفيد أشياء لا حصر لها، فهي تضمن أولا أجرا بالعمل في مطاعم الجمعية يغنيها عن مد يدها للغير، كما أنها تكون مرتاحة البال على ابنها، الذي يقضي طيلة اليوم في حضانة جماعية، ويستفيد بدوره من تربية قويمة، هذا علاوة على التوازن النفسي، الذي يستعدنه بعد الحالات الهستيرية، التي يأتين بها في أول لقاء، وهذه الحالات كافية في غياب الدعم والمساندة لتلقي بهن إلى ما لا تحمد عقباه، ففي مقر الجمعية على الأقل هناك أطر متخصصة تحاول قدر الإمكان التعامل مع كل حالة على حدة، وإيجاد الوضع المناسب لها

٭ ماذا استفادت عائشة الشنا من جميع هذه الجولات خارج أرض الوطن؟

- صعب جدا الحديث عن جميع ما استفدته لكثرته طبعا، سواء من الناحية الشخصية، مما يغني تجربتي كامرأة مناضلة، أو في ما يتعلق بنطاق اشتغالنا ككل داخل المجتمع المغربي

* هل يمكن أن تشرحي لنا هذه النقطة الأخيرة؟

- أذكر أنني أجبت عن هذا السؤال في أحد اللقاءات التلفزية، وأكدت أن المغرب يجب أن يستفيد من منظمات دولية لمحاربة الفقر وأسبابه، لأن التجربة الدولية غنية جدا بالمحطات، التي تسير في الاتجاه نفسه، الذي يخطوه بلدنا، وتأكدت لي هذه الفكرة خصوصا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1993، حين فوجئت بأشد درجات الفقر والمجاعة، وهناك أبدت مختلف المنظمات العالمية تجاربها الرائدة، والأمر نفسه تكرر في الولايات المتحدة الأميركية حين استدعيت رفقة نساء عربيات ومغاربيات، وزرنا على إثرها سبع ولايات، وكذا مجموعة من الجمعيات، فكانت أهم ملاحظة استخلصتها هي أن المجتمع المدني هو الذي يقوم بمثل هذه الأدوار وليس الحكومة، وكذلك الأمر في كندا، التي سافرت إليها من أجل الاستفادة من تكوين خاص، بحيث أحسست أن المواطن هناك يشعر بشكل كبير بأهمية وجدوى تحمل المسؤولية في تنمية بلده، وأن الجمعيات لا تقدم شيئا بالمجان، فحتى الألبسة المهداة من طرف المتبرعين يعيدون تلفيفها ويبيعونها بأثمنة رمزية تدعيما للتضامن وأيضا لاستمرارية حركة ونشاط الجمعيات، وعلى هذا الأساس ارتأيت في أكثر من مناسبة أن أشدد على ضرورة إنجاز إحصائيات شفافة، وإعطاء أرقام حقيقية للمعنفات، التي بواسطتها يمكن أن نتفادى هذا النوع من الظواهر، ولو أننا يجب أن نحمد الله لخلو مجتمعنا من كثير من العادات المشينة كختان الفتيات، الذي يشغل مسؤولي العديد من الدول في إفريقيا، وخصوصا في مصر
كما أنني اكتشفت من جولاتي في جنوب إفريقيا تحديدا أن المغرب يحظى بميزة محمودة تبعده عن أي تعنيف عرقي أو ديني أو سياسي، وهذا في حد ذاته مؤشر على أن مجتمعنا مجتمع واع، ويواكب مستجدات الواقع، تبقى فقط الحاجة إلى إرادة فعل المزيد والرقي إلى ما هو أفضل

٭ هل كان لاحتكاككم بواقع الأم والطفل دور في محاولة تقديم مشروع قانون أو على الأقل تعديل بعض النصوص؟

- عموما لم نتوقف يوما عن النداء بالإصلاح والتغيير في النصوص المنظمة لحقوق الطفل والمرأة، على اعتبار أن تحقيق هذا المطلب يفتح فرصا أوفر لقيام المجتمع المدني بدوره على أتم وجه، وبما أن منطق الرغبة في التغيير يفرض تقديم البديل، فإنني قدمت رأيي عام 2001 مثلا في مشروع إدماج المرأة في التنمية، بعد أن بلغ مخطط تعديل مدونة الأحوال الشخصية آنذاك الباب المسدود، واحتد الصراع بين مؤيد ومعارض

٭ بعد حدوث هذه العقدة، التي تحدثت عنها، جاء التدخل الملكي ليحسم الأمر، وخرجت أخيرا المدونة إلى حيز التطبيق، ماذا حملت في نظركم من جديد للأم العازبة؟

- شخصيا لا أرى محلا للأم العازبة في مدونتنا الجديدة، وهذا ما نود توضيحه للوافدات على مؤسسة التضامن النسوي، إذ نلاحظ أن هناك جهلا كبيرا من طرف النساء بما جاءت به المدونة، لدرجة أن البعض يخلطن بين ما لهن وما عليهن، وهذا ما جعلني أدعو مجددا إلى تنظيم المزيد من الدورات للتعريف بمضمون المدونة، لأنني اكتشفت أن ذلك الجهل لا يقتصر على النساء الأميات فقط، وإنما على نساء لديهن مستويات ثقافية أو تعليمية عالية أيضا، وحتى أرجع إلى الأمهات العازبات في علاقتهن بنصوص المدونة، أقول إن مصيرهن يبقى رهينا بمدى ليونة أو تشدد القاضي، في تمتيعهن بظروف تخفيف أو نحو ذلك

٭ من المعلوم أن اسم عائشة الشنا أصبح مرادفا لجمعية التضامن النسوي، ماذا تعني لك الجمعية قبل الحديث عن إطارها القانوني؟

- لا شك أن جمعية التضامن النسوي هي جزء لا يتجزأ من عائشة الشنا، ورغم مروري بالعديد من الأزمات والتعقيدات بسبب طبيعة عملي، إلا أنني لا أتصور نفسي يوما خارج إطار التضامن النسوي، بل الأكثر من هذا إنني أرفض أي حكم مجاني على نساء المؤسسة، دون اعتبار ظروفهن والأسباب، التي قادتهن إلى ذلك المصير، حتى أنني وقعت في شنآن مع إحدى المساعدات الاجتماعيات بعد أن ثارت ثائرتها حين نشرت إحدى الصحف صورتها خطأ على أساس أنها أم عازبة، وقتها اعتبرت تصرف هذه المرأة غير سليم، وهي التي من المفروض أن تكون الأكثر إحساسا بهن، وتقربا من واقعهن، علما أن لدينا مساعدات اجتماعيات أتين للمؤسسة على اعتبار أنهن أمهات عازبات، وبعد استفادتهن من تكوين خاص، استطعن اقتحام مجال العمل الجمعوي بتفوق

٭ ما هي الإمكانيات الأخرى، التي تقدمها الجمعية للنساء العازبات؟

- تعنى الجمعية، بالإضافة إلى ما سلف ذكره، بتأطير النساء البالغ عددهن 58، في الطبخ والخياطة، وتلقينهن دروسا في محو الأمية، وتزويدهن بمعلومات تخص حقوقهن وواجباتهن، هذا بالإضافة إلى كيفية التعامل مع أطفالهن، على اعتبار أن الهدف الأول للجمعية لم يكن مساعدة الأمهات المتخلى عنهن، وإنما الأطفال المتخلى عنهم

٭ كيف إذن تحولت الغاية من الطفل إلى الأم؟

- لا نستطيع الجزم في مسألة التحول، إنما يمكن القول إن الاهتمام أصبح منصبا على الاثنين، نظرا لعدم إمكانية فصل أي طرف عن الآخر، إن أردنا الحرص على بناء مجتمع سليم ومتكافئ، فلا الأم تستطيع الاستغناء عن فلذة كبدها، ولا الطفل باستطاعته النمو بشكل قويم بعيدا عن أمه، ويحضرني اللحظة مشهد مؤثر للغاية، رغم مرور أزيد من عشرين سنة على حدوثه، إذ كنت متطوعة في الجمعية المغربية للتخطيط العائلي، حين رأيت بالصدفة أما منطوية على نفسها ترضع وليدها وعلامات اليأس والتأثر بادية على قسمات وجهها، كان وقتها يكفي الأم العازبة أن تضع بصماتها على استمارة خاصة لتعلن تخليها عن طفلها بصفة نهائية، وكان تبين لي أن تلك الأم لا ترغب في ما أقدمت عليه، إنما كانت ضحية للعديد من الضغوطات والإكراهات المجتمعية، ولما أتت اللحظة، التي تسلم فيها الطفل، حدث موقف غريب، بحيث انتزع الرضيع من ثديها لدرجة تدفق الحليب على وجهه، وأؤكد لك أنني لم أنم تلك الليلة، خصوصا وأنني كنت أنا أيضا وقتها في فترة رضاعة أحد أبنائي




تابعونا على فيسبوك