بالنكافة والعمارية والنقش بالحناء

العرس المغربي يحتفظ بروح التقاليد رغم تغيرات الزمن

الأربعاء 19 يوليوز 2006 - 15:45

تبقى مناسبة الزواج في المغرب، إحدى المناسبات المهمة التي تساعد على صلة الرحم بين العائلات، التي حالت مشاغل الحياة دون لقائها والتعرف على أحوال بعضها البعض، بالرغم من كون زواج اليوم، يختلف بشكل كبير عن ما كان عليه الأمر في الأمس، بسبب تخلي العديد من الأسر

فإذا كانت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تدفع بالبعض إلى ترتيب أولويات الزواج حسب أهميتها الفعلية، حتى لا يصبح العرس عبئا ماديا، يضاف إلى قائمة طويلة من الأعباء المرتبطة بالزواج، وأهمها إيجاد مسكن مناسب، فالبعض الآخر وبالنظر إلى ما تشكله هذه المناسبة بالنسبة له، من فرصة للتباهي والتبجح على الأهل والأحباب، يجنح إلى البذخ في الحفلات والمغالاة في المأكولات وما إليها من التوابع، التي لا تخدم إلى حد ما رمزية الزواج بقدر ما تفرغه من فحواه، وهناك أيضا أناس آخرون، يسعون رغم انعدام الإمكانيات المادية إلى تقليد هذه النوعية من الأعراس، مما يجعل مصيرها بعد انقضاء العرس، اجترار الديون وتأديتها بأقساط على حساب القوت اليومي والاستقرار الأسري.

وهناك نماذج للزواج وطقوسه وعاداته المختلفة، باختلاف المناطق، واختصرت إلهام الصبيحي، الطقوس المعمول بها لدى نسبة كبيرة من المغاربة انطلاقا من حمل أهل الخاطب السكر وباقة ورد والذهاب إلى منزل الفتاة المرغوب فيها، إذ يجري تحديد موعد الخطوبة الكبرى، التي تتميز بإحضار الخاطب للحلي وألبسة لـ "رشم" العروسة ويجري حينها قراءة الفاتحة لمباركة عقد الزواج والتفاهم بين العائلتين على مقدار المهر أو الصداق، وبعد ذلك يوثق العقد عدلان، ويقدم العريس لعروسه خاتم الارتباط، وأضافت محدتثنا، أن المغاربة متعارف لديهم "أن يكون أول أيام العرس مساء الجمعة، إذ يحضر أهل العريس ما يسمى بـ "الدفوع"، أي الهدايا في حين تزين العروس، وتنقش بالحناء، وتتوج الليلة بقراءة القرآن من طرف "الطلبة"، ويكون يوم السبت خاصا بالحفلة.

فتتكلف "النكافة" بإلباس العروس أجمل الثياب، أهمها القفطان وهو لباس أخضر، وأول ما تبدأ به العروس الاحتفال، هو ارتداؤها لباس الأميرة، أو ما يسمى فستان الفرح، ويوضع على رأسها التاج اللامع ويجري حينها تبادل شرب الحليب وسط زغاريد وأهازيج شعبية"
يضع العريس، تضيف إلهام الصبيحي في تصريحها لـ "الصحراء المغربية"، الخاتم الذهبي في يد عروسه، ثم تضع هي الأخرى خاتم الزواج في يد عريسها وسط علامات الخجل والارتباك، وترتدي العروس، لباسا رباطيا نسبة إلى الرباط عاصمة المغرب، في لون الذهب وتحمل على هودج، ويطاف بها، على الحضور وهي ترمي لهم الزهور أو الحلوى، بعد ذلك، تقول إلهام، يتناول المدعوون ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات.

وفي صباح يوم الأحد، يحمل أقارب العروس البيض المسلوق واللحم والدجاج والرغايف إلى العروسين في موكب "الدقايقية"، وبعد أسبوع لا تخرج فيه العروس ويحملها العريس إلى بيت والديها لتقبيل الرأس والحصول على رضا الأبوين، ثم ربط الحزام للعروسه استعدادا لتحمل متطلبات الحياة الزوجية، وطبيعة هذه الطقوس وإن كانت تهم بعضها أسرا مغربية، إلا أن أهميتها تبرز في إشراك الأهل والأحباب في الاحتفال، وأكدت بخصوص ذلك نجاة المرابط (باحثة اجتماعية)، على أن مسألة التشهير بالزواج من خلال احتفالات مدوية، تمليها مبدأ الإشهار لكي تعرف العشيرة أو القبيلة أو الحي أن فلانة أصبحت زوجة لفلان، حتى يكون الكل على بينة من الأمر، ويأخذ ذلك بعين الاعتبار، كما أبرزت، "أن أهمية ذلك تتجلى في استمرار العرس في مناطق عدة من المغرب إلى حدود سبعة أيام، خاصة في مناطق الجنوب والوسط، إذ تشمل أيام العرس جميع ما يمكن أن تقوم به العروس وتعده أسرتها لتقديمها في أحلى الحلل إلى زوجها، فبدءا من اليوم الخاص بالحمام واليوم الموالي المخصص لشراء لوازم الاحتفال وجهاز العروس.

ومستلزماته، ثم يوم الحناء وبعدها تكون العروس في أتم الاستعداد لتقبل التهاني، وتضيف، أنه "برغم من كون عدد أيام العرس عرفت تقلصا، مع الهجرة إلى المدن، إلا أنه مازالت بعض أسرة تحاول أن تحترم التقاليد التي عايشتها، حتى ولو كانت مختزلة"، وأكدت في السياق ذاته، "أن غلاء تكاليف الزواج، وما يليه وما يسبقه، جعل التركيز ينصب على الأمور الضرورية"، وهذا ما ذهبت إليه أيضا حياة رقيب، بإبرازها أنه رغم التغيير الذي طرأ على طقوس الأعراس، "إلا أنها تظل في المغرب مرتبطة بالأصول، وبالذاكرة التاريخية، فلا يكاد عرس يستغني عن النكافة أوالعمارية، ولا على مراسيم الحناء، فهذه الرموز، تظل حاضرة بقوة في مخيلتنا الشعبية".

وعن حجم تكاليف العرس، اعتبرت حياة رقيب، أنه "في الغالب تثقل كاهل أسرة العروس، لكن باعتبارها تدخل في باب الضروريات يجعل بعض هذه الأسر تغمض عينيها لتحمل ذلك، إكراما للمدعويين وزف ابنتهم بما يليق بها".

ومن جانبها ترى سعيدة الوعدودي، "أن الظروف الاقتصادية التي نعيشها اليوم، قلصت إلى حد كبير نسبة الزواج، وطرحت إلى الواجهة، إكراهات حقيقية، تضطر العديد من الأسر التعاطي معها، بما يلزم من مرونة لمحاربة شبح العنوسة التي يتهدد عددا كبيرا من الفتيات، الشيء الذي جعل الخطبة ملغية لدى بعض اللواتي تفضلن الزواج بطريقة مباشرة، وتوفير الجهد المادي لتجهيز بيت الزوجية، فيما يكون العرس في حدود الإمكانيات المتوفرة، ويساعد على ذلك، تفهم الزوجان واتفاقهما المسبق، والذي يكون أشد تأثير على رأي الأسرة وموقفها".

ومهما يكن الحال، فالتغيرات التي طرأت بين العرس في الماضي والحاضر، لم تفقده جوهره، أي أن هناك احتفاظا على روح التقاليد لكن في قالب المتغيرات، التي يعرفها زمننا المغربي الحالي المتأثر بنسمات غربية، ويظهر ذلك خاصة في دخول التنظيم والتوضيب واللباس والأغاني الغربية في صميم طقوس الاحتفال، بما يفيد أن العرس المغربي يتعايش مع جميع التحولات ويواكبها، ومع ذلك يظل مثار إبهار بالنسبة لجنسيات أخرى، لما يبرزه من ثراء على مستوى الألوان الغنائية والأهازيج الشعبية والعادات والتقاليد الغنية والمتنوعة وطبيعة الوجبات الغذائية التي تبرز كرم المغاربة وضيافتهم.




تابعونا على فيسبوك