مثلما كان النجم العالمي هشام الكروج موعودا بالألقاب، كان موعودا أيضا بالدموع، دموع توديع العائلة للالتحاق بالمركز الوطني لألعاب القوى، دموع الحسرة على لقب أولمبي كان في المتناول عام 1996.
ودموع في لحظة إعلان التوقف عن الركض وراء الألقاب، حين يبكي الكبار، يكون الحدث مهما، لكن الأحداث التي عشناها مع الكروج نجم نجوم ألعاب القوى العالمية ربما كانت كفيلة بأن تدفعنا إلى أن نعارض قراره لأننا نريد أن ننتشي بالمزيد من الألقاب.
لو لم يكن الذين عايشوا الكروج يحبونه ويعرفون أنه من الأفضل للرياضي أن يستريح قبل أن يطلب منه لمنعوه من اتخاذ قرار الاعتزال لأنه فعلا بطل ورجل قلما يجود الزمان بمثله
بدمع ساخن، كتب هشام قصة الوداع، وبقلب دامع تقبل الذين في قلوبهم، بدل الدم، صورة جميلة لبطل أهدى المغرب ألقابا عالمية ومنح الصحافيين المغاربة فرصة معايشة بطل عالمي كبير و حين جمع هشام الكروج أمتعته وهو يتأهب لمغادرة بيت الأسرة في اتجاه الرباط، بدا للمقربين منه وكأنه مسافر نحو المجهول، فذاك الفتى الذي تربى في أحضان أسرة فقيرة، والذي غادر عالم كرة القدم مكرها، لم يكن يعرف أنه يختزن في صدره طاقة لا يمكن أن تكون لأي إنسان.
وحين كانت والدته تعاقبه كلما عاد إلى البيت وملابسه متسخة نتيجة ارتمائه على الكرة للذود عن مرمى فريق الحي، لم تكن تعلم أنها توجهه بطريقة غير مباشرة نحو عالم النجومية، لم تكن تدري حين وضعته في 14 شتنبر 1974 أنها ولدت نجما عالميا ولم تدر وهي تعاقبه أنها تعبد الطريق لنجم عالمي، كم هي عظيمة تلك الأم وربما لا تدري
بعد عودة هشام من رحلته إلى الخارج وبعد أن تراه يوميا وبشكل غير معتاد ستدري
ستدري أن ابنها عاد إلى حضنها بعد غياب دام 16عاما، لم تكن تراه إلا من حين إلى آخر، كان غيابه هو القاعدة وحضوره الاستثناء.
سيعود هشام بوجهه الطفولي بعد أن يمسح الدموع التي انهمرت من عينيه وهو يغادر بيت الأ سرة الصغيرة، ليتجه نحو بيت بات يكبر مع توالي ساعات وأسابيع وشهور وأيام التداريب، إلى أن صار عضوا في كل بين مغربي وهو يدخل الفرحة إلى قلوب الجميع، ويسقط الأرقام الواحد تلو الآخرى، ويحرز الألقاب الواحد تلو الآخر .
وهكذا أصبح عضوا في الأسرة العالمية.
هشام، الذي أدمعت عيناه وهو يقول أول أمس، الاثنين أمام عدسات الكاميرا حانت لحظة استراحة المحارب، رجل قلما يجود الزمان بمثله.
لم يكن إنسانا طبيعيا، لم يكن يفعل ما يريد إلا وهو فوق الحلبة.
لم يكن يأكل أو ينام أو يعيش كما يريد، بل كما يريد مدربه عبد القادر قادة وكما تريد المهنة التي اختارها.
أحب مهنته، منحها كل شيء فبادلته العطاء، لا شيء يأتي من فراغ.
هشام الذي كان الكل ينتظر ما سيقوله في الموعد الذي ضربه لرجال الإعلام، لم يجد الطريق مفروشا بالورود، أحرز لقب بطولة العرب للعدو الريفي وهو في فئة الفتيان، وفاز ببرونزية بطولة العالم للشباب في سباق خمسة آلاف متر عام 1992 في سيول، وتألق متوسطيا، ثم أبعدته الإصابة، لكنه عاد أكثر عزما وتوهجا في العام 1995، إذ أحرز لقب بطولة العالم داخل القاعة، ومنذ ذلك التاريخ والإنجازات والألقاب تتوالى من تتويج إلى آخر.
هكذا كان مسار الكروج الذي ختمه بميداليتين ذهبيتين في أولمبياد أثينا عام 2004، كان الإنجاز مهما ليس فقط لأن الأمر تعلق بلقبين أولمبيين في دورة واحدة، بل لأن هشام أخفق مرتين وبشكل يثير الدهشة في إحراز اللقب الأولمبي الأول عام 1996 في دورة أطلانطا، حين سقط وهو يستعد للانطلاق على بعد 400 متر من خط الوصول، والثانية في العام 2000 في سيدني حين اكتفى بالميدالية الفضية.
وكان آنذاك يعاني مشاكل صحية، غير أنه لم يبرر الإخفاق بذلك، وظل ينتظر إلى أن انقض على ميداليتين ذهبيتين في أثينا وكانت الثالثة ثابتة بالفعل.