لقب بـ قنابلي المولودية الوجدية

محمد مرزاق لاعب جمع بين القوة والإبداع ودماثة الأخلاق

السبت 25 مارس 2006 - 14:46
محمد مرزاق

ونحن صغار في أواسط السبعينات، كنا ننسج حوله حكايات أقرب ما تكون إلى الخيال منها إلى الواقع، من قبيل تساؤلنا، حول من يكون اللاعب الذي باستطاعته أن تخترق كرته شباك المرمى، بل أكثر من ذلك، أن تكسر عمود المرمى.

الجواب كان جاهزا لدينا، وهو "محمد لقنابلي"، وهو اللقب الذي كنا نسمع به ممن كانوا يكبروننا سنا، والذين تابعوا مباريات المولودية بالملعب البلدي، وأطلقوه على لاعب خط وسط مولودية وجدة يومئذ، محمد مرزاق صاحب القذفات الصاروخية، التي لاتصد ولا ترد.

كنت أسمع كثيرا عن هذا اللاعب، الذي اشتهر بين الرياضيين باسمه الشخصي "محمد"، أكثر من اسمه العائلي "مرزاق"، لكنني لم أتعرف عليه، إلا في سنة 1996، عن طريق الصدفة، حينها جئت بصورة لفريق المولودية، خلال عقد السبعينات وعرضتها عليه، كي يدلني على صورته بين لاعبي الفريق، لأن تقلبات الزمان، كان لها تأثير على ملامح اللاعب المذكور، ففي الصورة يبدو محمد مرزاق، بوجهه الوضاء وقامته الطويلة وشاربه الأسود الموشوم، شبيها حسب تصوري، بلاعبي أميركا اللاتينية، خصوصا من البيرو أو الشيلي، في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ.

محمد مرزاق منتوج صرف لفريق المولودية الوجدية، الذي تدرج عبر جميع فئاته، بدءا من سنة 1964، لعب موسمين في فئة الصغار، ومثلهما في فئة الفتيان، ثم انتقل بعدها مباشرة، لتعزيز الفريق الأول لسندباد الشرق، وهو لايزال فتى يافعا، كما جاور فئة الشبان، التي نال معها مرتان لقب وصيف بطل المغرب، بعد تعثرين اثنين، في المبارتين النهائيتين أمام الوداد البيضاوي.

وبدء من موسم 67-68، أصبح محمد لاعبا رسميا، في صفوف المولودية، ويذكر محمد أول لقاء رسمي، يجريه مع فريقه الأم، كان بالملعب البلدي بوجدة، ضد الدفاع الحسني الجديدي، وآلت نتيجته لصالح الفريق الوجدي، بحصة هدفين دون رد، على عهد المدرب نويفو، الإسباني الأصل والفرنسي الجنسية، وخلال هذا اللقاء خاض محمد شوطه الأول، في مركز جناح أيمن، قبل أن يشغل مركز وسط الميدان في الجولة الثانية، وعن هذه البداية يقول محمد: "جاورت في بداية مشواري مع المولودية، لاعبين كبارا، من أمثال مدني، العربي رحمهما الله، مغدر، موسى، عزاوي، رمضان وبوزيان شافاه الله وعافاه، وقد استفدت من تجربتهم الشيء الكثير، ووجدت من جانبهم كامل الدعم والمساندة، كما أنني كنت أحظى باحترامهم جميعا، في المقابل كنت معجبا جدا، باللاعب عبد الغني مدني، وكذلك باللاعب بوزيان".

أما أول هدف وقعه محمد لصالح المولودية، فكان في نفس الموسم المذكور، في مرمى الاتحاد البيضاوي، ولعله يقول محمد، يكون أسرع هدف في تاريخ البطولة الوطنية: "وقعت هدفي الأول في مرمى الطاس، بعد ثوان معدودة من بداية المقابلة، حتى أن المذيع الذي كان يدعى عمر السميري، الذي كان ينقل أطوار المباراة، عبر أثير الإذاعة باللغة الفرنسية، من شدة فرحته وتأثره بهذا الهدف"، قال في وصفه: Mohamed viens de marquer le premier but à la première seconde قبل أن يجيبه المذيع بالإذاعة المركزية بالرباط، الذي كان مكلفا بربط الاتصال مع الملاعب الوطنية، بقوله: "إذا كان الأمر كما تقول، فسيكون هذا رقم قياسي عالمي" قبل أن يضيف: "يستحيل أن يوقع لاعب هدفا، في الثانية الأولى من عمر المباراة".

محمد جمع داخل المستطيل الأخضر، بين المهارات الفردية والإبداع الكروي، فضلا عن التمريرات المركزة والقذفات القوية، الكرة بالنسبة إليه كانت متعة وهواية، لذا لم يكن يفكر في الألقاب خاصة الفردية منها ولا حتى المنح المادية، ورغم شوقه الكبير للتهديف، فهو لم يكن أنانيا، كان يعي أن كرة القدم هي لعبة جماعية، وأن دوره ينحصر بدرجة أولى في عملية التنسيق، بين خطي الدفاع والهجوم، فقد كان "سقاء ماهرا"، يروي تعطش زملائه في خط الهجوم، قبل أن يستجيب لرغبته الذاتية، في هز شباك الخصوم، ومع ذلك نال لقب وصيف هداف البطولة الوطنية في موسم 72-71 وراء لاعب فريق الدفاع الحسني الجديدي وزير.

تعتبر سنة 1972 سنة متميزة، في مشوار اللاعب محمد الدولي، فقد فاز صحبة المنتخب الوطني للشبان، بالدوري الدولي لنادي لوهافر الفرنسي، أمام منتخبات عالمية، قبل أن يرافق أسود الأطلس، في أولمبياد ميونيخ في نفس السنة، ويوقع معهم على أفضل إنجاز في تاريخ المشاركة الوطنية، في الألعاب الأولمبية حين تمكنوا من تجاوز الدور الأول.

مشوار محمد الدولي كان قصيرا، وهو نفسه لايدري السبب، وبتواضع كبير يقول، بأنه ومعه ثلة من لاعبي المولودية الوجدية، لم ينصفوا في حمل القميص الوطني مدة أطول، مستغربا في ذات الوقت،عن الدوافع التي جعلت المولودية، وهي بطلة المغرب في موسم 7475، تغيب تمثيليتها عن النخبة الوطنية، المشاركة في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالجزائر سنة 1975، هل المولودية أدت ضريبة البعد الجغرافي لمدينة وجدة، أم الإجحاف الإعلامي أم المحسوبية، في انتقاء العناصر الوطنية، أسئلة يطرحها محمد ويتركها معلقة؟؟ نظام خاص كان يتبعه محمد في مسيرته الرياضية، كما أسرت لنا بذلك بعض المصادر الرياضية المقربة منه، سواء مع المولودية أو مع النخبة الوطنية، فهو كان يحرص على تنظيم أوقات : نومه، تغذيته وراحته، ثم نظامه الغذائي والوقائي، في نفس الوقت، هو اجتماعي بطبعه، لكنه يتفادى مجالس اللهو و العبث، ويتحاشى فضول الكلام ولغو الحديث، كان ينظم صفوف زملائه، داخل المستطيل الأخضر، ويتوسط للصلح بين المتخاصمين، مما جعله محط احترام وتقدير الجميع، حتى أن البعض أطلق عليه لقب "ملك".

محمد قد يكون اللاعب الوحيد، الذي عاش وفيا لفريقه الأم المولودية الوجدية، في مسيرة دامت 13 سنة بلا انقطاع، دون أن يجاور قبله ولابعده أي فريق آخر وحاليا بعد أن بلغ من العمر 55 سنة، لا يجد محمد أستاذ التربية البدنية، راحته إلا في بيته، فهو لايتردد على المقاهي إطلاقا، وقلما يتوجه إلى الملعب البلدي أو المركب الرياضي، بل ولايقصد الأسواق أو الشوارع الرئيسية بوجدة، إلا عند الضرورة القصوى، بيد أنه كثير الخطى نحو المسجد، الذي لايبعد عن مقر سكناه، سوى بأمتار قليلة، في حين أنه، لا يبخل في تلبية دعوات المشاركة في المباريات التكريمية، التي يعتبرها فرصة لصلة الرحم، مع زملاء الأمس البعيد، أيام الصبا والشباب التي ولت.




تابعونا على فيسبوك