دراسة ميدانية حول المرأة والعنف السياسي في المغرب

الاغتصاب أشد أنواع تعذيب النساء

الثلاثاء 21 مارس 2006 - 11:00
إحدى ضحايا سنوات الرصاص

كشفت دراسة ميدانية حول المرأة والعنف السياسي في المغرب، أن نسبة كبيرة من النساء تعرضن للعنف من قبل الدولة خلال الفترة الممتدة ما بين 1956 و 1999.

وتمثل النساء نسبة 17٪ من مجموع الملفات التي توصلت بها هيئة الإنصاف والمصالحة
وهؤلاء النساء هن ضحايا مباشرات للعنف السياسي، فيما تصل نسبة الضحايا غير المباشرات إلى حوالي 50٪.
وأبرزت الدراسة التي أجريت تحت إشراف الأستاذ الباحث المختار الهراس من قبل ست باحثات في مجال الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، الآثار السلبية التي خلفها العنف السياسي على الضحايا من النساء وفي مقدمتها حرمانهن من حقهن في الشعور بالاستمرارية في الحياة، طالما أن حياتهن وهوياتهن أصبحت تحدد أساسا بالعنف، وأظهرت الدراسة التي قدمتها نادية كسوس، باحثة في الأنثروبولوجيا مساء أول أمس الثلاثاء بالرباط، بمناسبة انعقاد يوم تداولي حول نتائج عمل هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها بخصوص النوع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أظهرت أن أغلب الضحايا ينتمين إلى الوسط القروي ويعتمدن في حياتهن على الفلاحة وتربية المواشي، كما أن أغلبهن لم ينلن حظا من التعليم والتكوين.
وبينت الدراسة أن الغالبية العظمى من الضحايا لم يكن لديهن علم بالنشاط السياسي لأزواجهن، ولم يكن لديهن انتماء إلى حركات سياسية أو أحزاب.
وذكرت الدراسة أنه رغم الخصوصية النسائية، فإن العنف السياسي الممارس ضد النساء، لم يكن له الوقع نفسه على الضحايا، ذلك أن الفوارق المتعلقة بالطبقية والثقافية والجهة والجيل والوضعية العائلية والمستوى التعليمي والعلاقة بالسياسة لعبت دورا في جعل آثار العنف السياسي تتفاوت من ضحية إلى أخرى، فكل امرأة عاشت العنف السياسي بشكل خاص.

وأفضت الدراسة إلى أن الغالبية من النساء ضحايا العنف السياسي تعرضن للصدمة على اعتبار أنهن لم يكن مهيئات لمواجهة العنف، وقد استهدفن لكون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور اعتبروا أنهم يشكلون تهديدا للدولة.
وتعرضت النساء، كما جاء في الدراسة، لكل أنواع التعذيب بدءا بالركل، والصفع، والصعق بالكهرباء، والاختناق، مرورا بالتعذيب النفسي والتهديد بالقتل والإهانة والسب والشتم، وانتهاء بالاغتصاب الذي يعتبر أقصى وأعنف أنواع التعذيب الذي مورس ضد النساء، خلال الفترة التي شملها البحث، بالرغم من عدم وجود أدلة تثبت أن الاعتداء الجنسي كان يسمح به رسميا، إلا أن شهادات الضحايا تؤكد أن مشاهد الاغتصاب والاعتداء الجنسي كانت تقع بشكل متكرر وأن النساء كن يعشن في خوف من العنف الجنسي، لايبدو أنه جرى معاقبة الاغتصاب والتحرش الجنسي رسميا كأنواع من التعذيب، فثقافة الإفلات من العقاب، حسب نتائج البحث، قوبلت بالتسامح والتغاضي مما ساهم في إمكانية قيام أفراد من رجال السلطة باستغلال النساء جنسيا. ولم يظهر البحث أي دليل على مساعي الدولة لحماية النساء.
ومن خصائص التعذيب القائم على النوع، إخضاع النساء للعُري القسري، وإطلاق صفات العاهرات واللقيطات والمنحلات والفاجرات عليهن، وتعريضهن للتعذيب أمام أعين أطفالهن وإرغامهن على مشاهدة أطفالهن وهم يتعرضون للتعذيب.
وأبرزت نتائج الدراسة ان العنف السياسي شكل قطيعة ونقطة حاسمة في حياة النساء التي تغيرت إلى الأبد، حيث خرجن من جحيم التجربة المؤلمة، إلى عالم غير متقبِّل وعدائي تجاه النساء، وواجهن الشك والعدائية في محيطهن.

وتعرضت الضحايا للتهميش والإقصاء والغربة داخل محيطهن، كما عانت نساء وبنات المعتقلين والمختفين من صعوبات اقتصادية، إذ أن العديد منهن عشن ومازلن يعشن في فقر، وتعاني العديد منهن من الإحساس بالذنب، إذ أحسسن أنهن قمن بخيانة أطفالهن ولم يكن أمهات صالحات.
وتعرضت بعض النساء لمحن أخرى بعد خروج أزواجهن من المعتقل، وفي مقدمة هذه المحن:الطلاق واستئثار أزواجهن بالتعويضات التي توصلوا بها من سنوات الاعتقال، كما أصبحت العديد من النساء أرامل في سن مبكرة بعد وفاة أزواجهن تحت التعذيب.
وقدمت الدراسة مجموعة من التوصيات من بينها : ضرورة توفير الرعاية الصحية والنفسية للضحايا وذويهن، وجبر أضرار الأمهات اللواتي فقدن طفلا أو جنينا، وجبر أضرار الزوجات بما عانينه من أعباء إضافة أثناء اعتقال أزواجهن.
وأوصت الدراسة بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الصدمات العاطفية والمعاناة والألم من جراء القلق وعدم الاستقرار من جبر الضرر، وتعويض النساء عن الأعمال المنزلية التي قمن بها أثناء اعتقال أزواجهن أو آبائهن أو اختفائهم وتمكينهن من دخل معاش شهر لضمان حصولهن على ضرورة الحياة طيلة ما تبقى من حياتهن.

وكان التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة قد أوصى من جهته بتعزيز المراجعة الأخيرة للقانون الجنائي بإدراج تعريف واضح ودقيق للعنف ضد النساء يعتمد المعايير الدولية في المجال، والتنصيص على تشديد العقوبات في حالة تعرض النساء للعنف بمختلف أشكاله بما في ذلك الاغتصاب من طرف موظفي الأجهزة المكلفة بتنفيذ القوانين وتوسيع مجال تجريم التحرش الجنسي ليشمل مختلف الفضاءات، والأخذ بإلزامية وضع النساء أثناء الحراسة النظرية تحت مسؤولية نساء.
كما دعا التقرير إلى إحداث آلية وطنية للنهوض بحقوق النساء وحمايتهن، وتتبع إعمال السياسات العمومية في المجال، بالإضافة الى التعزيز المؤسساتي والجغرافي لمراكز الاستماع والمساعدة القانونية والنفسية للنساء ضحايا العنف، وفتح باب الاستفادة من خدماتها أمام النساء ضحايا ماضي الانتهاكات.




تابعونا على فيسبوك