المرصد الوطني للإجرام يرصد معالم الجريمة وتحولاتها في المغرب خلال 20 سنة

الصحراء المغربية
الأربعاء 12 نونبر 2025 - 16:05

أصدر المرصد الوطني للإجرام، التابع لوزارة العدل، أولى منشوراته التحليلية الكمية، في إطار تفعيل مهامه الرامية إلى بناء ذاكرة مؤسساتية حول الظاهرة الإجرامية، رصد فيه معالم إحصائية للجريمة بالمغرب على مدى 20 سنة (2002-2022).

وتضمن المنشور، الذي تتوفر "الصحراء المغربية" على نسخة منه، معطيات غير مسبوقة حول خريطة الجريمة في المغرب خلال 20 سنة، حيث كشفت المعطيات المجمعة عن اتجاه عام تصاعدي في حجم الجريمة المسجلة قضائيا خلال العقدين الماضيين. إذ بلغ العدد الإجمالي للقضايا المسجلة 10 ملايين و94 ألفا و605 قضايا، خلال الفترة الممتدة ما بين 2002 و2022، أفضت إلى متابعة ما مجموعه 12 مليونا و346 ألفا و852 شخصا أمام القضاء.

هذه الأرقام المرتفعة، بحسب المرصد، تفصح عن دينامية تصاعدية للجريمة، لم تكن على وتيرة واحدة، إذ شهدت فترات تراجع ظرفي سنتي 2015 و2020، قبل أن تبلغ ذروتها سنة 2022 مع تسجيل أكثر من مليون و171 ألف قضية، وهو أعلى رقم في عقدين كاملين.

وفي هذا الصدد، أوضح التقرير أن سنة 2022 مثلت منعطفا استثنائيا، إذ ارتبط الارتفاع الكبير بمرحلة ما بعد جائحة كوفيد 19، وبمخالفات خرق حالة الطوارئ الصحية، التي شكلت وحدها 57 في المائة من مجموع القضايا المسجلة في تلك السنة، بما يعادل 468 ألفا و395 ملفا قضائيا.

 

منحى تصاعدي وتغير في أنماط الجريمة

يرصد التقرير مسارا عاما متصاعدا للجريمة بالمغرب، حيث تضاعف عدد القضايا المسجلة منذ سنة 2002 بأكثر من ثلاث مرات. هذا التطور يعكس تحولا هيكليا في الظاهرة الإجرامية، التي لم تعد تقتصر على الجرائم التقليدية، بل شملت مجالات جديدة ذات طابع اقتصادي وإداري ورقمي.

أما على مستوى البنية النوعية للجرائم المسجلة، فتظهر البيانات أن الجرائم المنصوص عليها في قوانين خاصة (مثل: مدونة السير، وقانون المخدرات، وغيرها) تحتل المرتبة الأولى من حيث الحجم. تليها في المرتبة الثانية الجنايات والجنح المرتكبة ضد الأشخاص، وفي المرتبة الثالثة، تأتي الجنايات والجنح المرتكبة ضد الأموال، وتليها في المرتبة الرابعة الجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة.

كما سجلت الدراسة تزايدا مطردا في الجرائم ذات الطابع الاقتصادي والإداري، مثل: الرشوة واستغلال النفوذ، فضلا عن ارتفاع تدريجي في الجرائم الإلكترونية الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات منذ 2003.

ويشير التقرير إلى أن هذه التحولات تعكس تفاعل المجتمع المغربي مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية التي ميزت العقدين الأخيرين، بما فيها توسع المدن الكبرى، والتحولات السريعة في أنماط العيش، واستعمال الوسائط الرقمية في المعاملات.

 

منهجية علمية ومعطيات غير مسبوقة

أُحدث المرصد الوطني للإجرام بموجب مرسوم صدر سنة 2022، استجابة لتوصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.

ويضطلع المرصد بمهمة تجميع وتحليل المعطيات الجنائية وتوفير قاعدة بيانات وطنية شاملة، تعد الأولى من نوعها في تاريخ العدالة المغربية.

وفي التقرير الأول حول معالم الجريمة في 20 سنة، اعتمد المرصد على منهجية علمية دقيقة جمعت بين تحليل المعطيات الورقية القديمة التي تمت رقمنتها بالكامل، والسجلات الإلكترونية الحديثة، مع إعادة تصنيف القضايا حسب فئات القانون الجنائي والقوانين الخاصة.

وأكد المرصد أن الهدف من هذا العمل الذي يعد ثمرة مجهود تأسيسي، هو "تجميع وتوحيد الرصيد الإحصائي الجنائي المتاح على مدى عقدين من الزمن (2002-2022)، لوضع قاعدة بيانات مرجعية تتيح إجراء تحليلات علمية للاتجاهات الكبرى للظاهرة الإجرامية، وتوفر دعامة أساسية لصناع القرار من أجل بلورة سياسات جنائية قائمة على الأدلة".

 

هيمنة القوانين الخاصة على المشهد الجنائي

من أبرز الخلاصات التي توصل إليها التقرير، هيمنة الجرائم المنظمة بمقتضى قوانين خاصة، بنسبة 48.8 في المائة من مجموع القضايا المسجلة خلال العقدين الماضيين، مقابل 22.2 في المائة للجرائم ضد الأشخاص، و15.7 في المائة للجرائم ضد الأموال، و6.8 في المائة للجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة.

ويعكس هذا التوزيع تزايد وزن الجرائم الاقتصادية والإدارية والمخدرات والتعمير في المشهد الجنائي المغربي، بما يعبر عن تطور البنية القانونية واتساع مجالات التجريم.

 

الجرائم ضد الأشخاص.. عنف في الصدارة

بلغ مجموع القضايا المرتكبة ضد الأشخاص ما مجموعه 2 مليون و249 ألفا و191 قضية، تهم أكثر من 2.8 مليون متابع أمام القانون.

وتبوأت جرائم العنف المرتبة الأولى بنسبة 70.5 في المائة من هذا الصنف، وفي مقدمتها الضرب والجرح العمدي، خصوصا تلك التي ينتج عنها عجز يفوق أو يقل عن عشرين يوما.

وسجلت السنوات 2005 و2016 و2019 و2022 أعلى المعدلات في هذا النوع، إذ بلغ عدد القضايا سنة 2022 أكثر من 158 ألف قضية و199 ألف متابع، بنسبة تطور بلغت 25 في المائة مقارنة بالسنة التي قبلها.

 

الجرائم ضد الأموال .. سرقات ونصب في الواجهة

بلغت القضايا المتعلقة بالجرائم ضد الأموال مليونا و581 ألفا و87 قضية، تتصدرها قضايا السرقات وانتزاع الأموال بنسبة 44.4 في المائة، تليها قضايا النصب وإصدار شيكات بدون مؤونة بنسبة 5.3 في المائة، ثم الاعتداء على الأملاك العقارية بنسبة 14.1 في المائة.

وعرفت هذه الجرائم تذبذبا عبر السنوات، حيث ارتفعت سنة 2005 بنسبة 55.5 في المائة، وتراجعت سنة 2020 بنسبة 26.1 في المائة، قبل أن تعود للارتفاع سنة 2022 بنسبة 18.7 في المائة.

وأبرز التقرير أن انتشار هذه الجرائم يرتبط بتطور المعاملات التجارية غير المهيكلة وبمظاهر الاحتيال العقاري التي بدأت تأخذ بعدا مقلقا في بعض المناطق.

 

جرائم ماسة بالأخلاق العامة.. تراجع في الجائحة

تشكل الجرائم ذات الطابع الأسري والأخلاقي إحدى أبرز الفئات المسجلة، حيث بلغت نسبتها 77.6 في المائة من مجموع القضايا ضمن هذا الباب، وأسفرت عن 66.6 في المائة من إجمالي عدد المتابعين.

وتتوزع هذه القضايا بين الجرائم ذات الطابع الجنسي التي تشكل 70 في المائة من المجموع، وذلك بأكثر من 575 ألف قضية و730 ألف متابع أمام القضاء، وجرائم إهمال الأسرة بنسبة 17.7 في المائة بعدد يفوق 62 ألف قضية.

وسجلت سنة 2005 أرفع معدلات هذا الصنف، تلتها سنة 2016، قبل أن تعرف منحى تراجعيا خلال سنوات الجائحة.

 

قضايا الأمن العام .. ارتفاع جرائم الشغب الرياضي

رصد التقرير 253 ألفا و174 قضية تمس الأمن العام، تتقدمها جرائم التسول والتشرد بنسبة 47.9 في المائة، تليها العصيان بنسبة 28.6 في المائة، ثم تكوين العصابات الإجرامية والتعاون مع المجرمين بنسبة 17.5 في المائة.

ويلاحظ أن هذه الفئة من الجرائم شهدت ارتفاعا تدريجيا خلال السنوات الأخيرة، خاصة المرتبطة بأعمال الشغب والعنف أثناء التظاهرات أو المناسبات الرياضية.

 

الجرائم الاقتصادية.. الرشوة تتصدر القائمة

سجلت الجرائم المرتكبة من طرف الموظفين العموميين ضد النظام العام 197 ألفا و476 قضية، تتصدرها قضايا الرشوة واستغلال النفوذ بنسبة 98 في المائة من المجموع، بعدد بلغ 195 ألف قضية و197 ألف متابع.

أما جرائم الاختلاس والغدر فبلغت نسبتها 1.2 في المائة فقط. ويؤكد التقرير أن منحنى هذه القضايا شهد تصاعدا ملحوظا منذ سنة 2013، في تزامن مع تفعيل آليات المراقبة الإدارية والإصلاحات التشريعية المتعلقة بالشفافية.

من جانب آخر، سجلت جرائم التزوير والتزييف والانتحال أكثر من 60 ألف قضية، تصدرتها جرائم انتحال الأسماء والصفات بنسبة 47 في المائة، وتزوير الوثائق الإدارية بنسبة 32.3 في المائة، ثم تزوير الأوراق التجارية والبنكية بنسبة 10 في المائة.

وتعتبر سنة 2019 الأعلى من حيث عدد القضايا والمتابعين، بعدد تجاوز 9 آلاف قضية و12 ألف متابع.

 

الأفراد ضد النظام العام.. احتدام وتوتر

بلغ عدد القضايا التي ارتكبها الأفراد ضد النظام العام 100 ألف و949 قضية، جاءت جرائم الإهانة والاعتداء على موظفين عموميين في مقدمتها بنسبة 99.2 في المائة، تليها إهانة الرموز الوطنية بنسبة 0.8 في المائة.

وسجل التقرير ارتفاعا تدريجيا في هذا النوع من القضايا خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس تطورا في العلاقة بين المواطن والإدارة واحتدام التوترات اليومية في الفضاء العمومي.

في حين حققت الجرائم المنظمة بمقتضى قوانين خاصة، أرقاما قياسية سنة 2022 بأكثر من 800 ألف قضية، ومليون و64 ألف متابع، بفضل إدراج مخالفات الطوارئ الصحية.

وجاءت الجرائم المرتبطة بالسكر العلني في الصدارة بنسبة 29 في المائة، تليها قضايا المخدرات بنسبة 22.3 في المائة، والتعمير بنسبة 10 في المائة، بما يفوق 538 ألف قضية و548 ألف متابع.

 

4947 متابعا بقضايا الإرهاب خلال 20 سنة

بلغ مجموع القضايا الإرهابية 6523 قضية خلال العقدين، وتورط فيها 4947 شخصا. وسجلت سنة 2003 الذروة بـ 2198 قضية، قبل أن تنخفض سنة 2004 إلى 85 قضية فقط، ثم تراجعت بنسبة 58.3 في المائة سنة 2020 و8.7 في المائة سنة 2021.

ويبرز التقرير أن هذا التراجع يعكس نجاح المقاربة الاستباقية للأجهزة الأمنية والقضائية في مكافحة الإرهاب.

 

الجرائم الإلكترونية.. تحديات جديدة

سُجلت في سنة 2020 نحو 78 قضية تمس الحريات، ارتفعت إلى 104 قضايا سنة 2021، ثم تراجعت إلى 93 قضية سنة 2022. أما الجرائم الإلكترونية فقد تضاعفت منذ سنة 2003، لتبلغ سنة 2021، 167 قضية و310 متابعين، و171 قضية سنة 2022.

ويعتبر التقرير هذا الصنف من الجرائم أحد التحديات الجديدة، التي تفرض تحديث آليات الرصد والتتبع القانوني.

ويمثل هذا الإصدار التأسيسي، حسب المرصد الوطني للإجرام، خطوة أولى ضمن سلسلة من الإصدارات التي يعتزم نشرها، بهدف توفير قاعدة بيانات متكاملة تشكل دعامة أساسية لإرساء سياسة جنائية قائمة على الأدلة، من أجل تحويل الإحصاء الجنائي إلى أداة استراتيجية لتدبير العدالة والأمن المجتمعي تساهم في فهم أعمق للظاهرة الإجرامية.
 




تابعونا على فيسبوك