يخلد المغاربة في يوم 21 غشت من كل سنة، ذكرى عيد الشباب، الذي يتزامن هذه السنة مع الذكرى الـ 62 لميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهي مناسبة وطنية ترمز إلى المكانة المتميزة التي تحظى بها فئة الشباب في المشروع المجتمعي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة، وفرصة لاستحضار أهم الإنجازات في تطوير وتعزيز مكانة الشباب في المملكة المغربية، توجيها وتنظيرا وتقويما.
ولقد أولى صاحب الجلالة منذ توليه عرش أسلافه المنعمين، اهتماما خاصا بالشباب المغربي، وتخصيص حيز مهم في خطبه السامية لهذه الفئة من المجتمع، مؤكدا أن الشباب المغربي "متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة"، مجسدا الرؤية المولوية لصاحب الجلالة وإدراكا أنهم مستقبل البلاد وركيزتها الأساسية، لتتركز جل اهتماماته في توفير الفرص والبيئة الملائمة لتطوير مهارات وقدرات الشباب، من خلال العديد من المبادرات والإصلاحات، بهدف انخراطهم في الدينامية المجتمعية وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية.
مبادرات ملكية تواجه تحديات التنزيل المؤسساتي
في هذا الصدد، أكد الدكتور كمال الهشومي، أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية كلية الحقوق أكدال جامعة محمد الخامس بالرباط، أن "المبادرات الملكية أحرزت تقدما ملحوظا في الاعتراف بأهمية الشباب وضرورة إدماجهم في مسار التنمية"، موضحا أنه "منذ اعتلاء جلالته العرش، شكل ملف الشباب محورا أساسيا في العديد من الخطب والمشاريع، حيث ركزت المبادرات الملكية على تحسين التعليم والتكوين المهني، وتشجيع المبادرة الذاتية، وإطلاق برامج لدعم التشغيل وتمويل المقاولات الناشئة مثل برنامج "انطلاقة"، فضلا عن تعزيز البنى التحتية الرياضية والثقافية، لتمكين الشباب من فضاءات للإبداع والاندماج الاجتماعي".
واعتبر الأستاذ الجامعي، في تصريح لـ "الصحراء المغربية" بهذه المناسبة، أن هذه الخطوات ورغم إيجادها لإطار داعم "اصطدمت بضعف الفعالية المؤسساتية وصعوبة التنزيل الميداني للسياسات العمومية، سواء بسبب غياب التنسيق بين القطاعات أو ضعف آليات التقييم والمواكبة".
ولذلك، يضيف الهشومي، فإن نجاح المبادرات الملكية والسياسات العمومية في تحقيق إدماج فعلي للشباب يظل مرتبطا بقدرتها على الانتقال من "منطق البرامج المجزأة إلى منطق السياسات المندمجة ذات الأثر القابل للقياس". وأكد أن التجربة أظهرت أنها تحتاج إلى بيئة مؤسساتية وسياسية أكثر مرونة وانفتاحا لضمان استدامتها.
وفي سياق تعزيز المشاركة السياسية للشباب، أكد الأستاذ الهشومي أن الأمر لا يقتصر على تسهيل ولوج الشباب إلى المؤسسات المنتخبة، بل يتطلب أيضا دمجهم في دوائر صناعة القرار اليومي داخل الإدارات والهيئات الاستشارية، وتوفير مسارات للترقي السياسي مبنية على الكفاءة والابتكار"، معتبرا أن نجاح هذه الجهود مرهون بإصلاح المنظومة الحزبية نفسها، بحيث تتحول الشبيبات الحزبية من هياكل للتأطير الانتخابي إلى منصات فعلية لتأهيل القيادات الشابة القادرة على صياغة وتنفيذ سياسات تستجيب لتطلعات جيل متجدد من المغاربة.
وأشار المتحدث إلى أن التحدي الأساسي اليوم ليس فقط في إطلاق مبادرات جديدة، بل في بناء منظومة سياسات عمومية ذات التقائية متكاملة تضمن للشباب موقعا مؤثرا ودائما في قلب المشهد السياسي وصناعة القرار العمومي.
محدودية حضور الشباب في المشهد السياسي
في ما يتعلق بحضور الشباب في المشهد السياسي، يعتقد الأستاذ الهشومي أن الأمر يعكس "مفارقة واضحة بين قوة الخطاب والتسويق الإعلامي وضعف الممارسة الفعلية"، قائلا في التصريح ذاته "فرغم أن المغرب يمتاز بديموغرافيته الشابة نسبيا حسب آخر إحصاء للسكن والسكنى لسنة 2024، فإن تمثيليتهم داخل المؤسسات المنتخبة تبقى محدودة جدا، حيث إن إلغاء اللائحة الوطنية للشباب في انتخابات 2021 ألغى آلية التمييز الإيجابي التي كانت تمنحهم منفذا نسبيا إلى مجلس النواب".
وأبرز الأستاذ الجامعي أن حضور الشباب في الهيئات التنفيذية والقيادية يظل "شبه رمزي"، قائلا "إذ نادرا ما نجد شبابا في مواقع القرار الحكومية أو في المكاتب السياسية للأحزاب، بينما يقتصر حضورهم عبر الانخراط في الشبيبات الحزبية التي تفتقر في الغالب إلى سلطة حقيقية لصناعة القرار".
وفي مجال صياغة السياسات العمومية، أظهر الهشومي أن "ما نعيشه يبين ضعف المشاركة المباشرة للشباب في بلورة الاستراتيجيات الوطنية أو البرامج القطاعية التي تهمهم وتتجاوب مع انتظاراتهم ومتطلباتهم، حيث تصاغ هذه السياسات غالبا من أعلى إلى أسفل، دون إشراك فعلي لهذه الفئة المستهدفة في تحديد أولوياتها".
وقال الأستاذ الجامعي، كذلك، إن "المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المنصوص عليه في دستور 2011، لم يتم إخراجه ولم يتحول بعد إلى فضاء مؤثر وفاعل كما كان مأمولا. أما الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، فرغم طموحها، فقد أظهرت تقييماتها وجود ضعف في التنسيق بين القطاعات الحكومية من جانب الالتقائية وغياب مؤشرات دقيقة لقياس أثرها".
أما على مستوى برامج الأحزاب السياسية، فأكد الهشومي أن الاهتمام بالشباب حاضر بقوة في الخطاب الانتخابي، لكن هذه الوعود "تبقى عامة ومجرد شعارات، دون آليات تنفيذ واضحة أو مؤشرات قابلة للقياس". كما أوضح أن الشباب نادرا ما يشاركون في صياغة هذه البرامج، إذ يقتصر دورهم غالبا على التعبئة الميدانية خلال الحملات الانتخابية.
وبناء على ذلك، خلص الهشومي إلى أن الفجوة بين الاعتراف بأهمية الشباب وتمكينهم فعليا ما تزال قائمة، مشددا على أن تحسين حضورهم في المشهد السياسي يتطلب إصلاحات قانونية تضمن تمثيلية حقيقية، وثقافة سياسية تؤمن بالتجديد، وآليات مؤسساتية قادرة على إشراكهم بصفة مستمرة في صياغة القرار.