يدخل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، يوم الجمعة 22 غشت 2025، مرحلة التنفيذ الفعلي، وهو ما سبق وصرح به وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عقب مصادقة الحكومة والبرلمان على الإطار القانوني المتعلق بتحديد كيفيات تطبيقه، وهو المرسوم رقم 2.25.386، الذي يرمي إلى تعزيز منظومة العدالة الجنائية وتطوير آليات تنفيذ العقوبات وتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية.
تحول في السياسية العقابية المغربية:
هذا القانون الذي يشمل عقوبات جديدة، تدخل ضمن سلسلة العقوبات الجنحية التي سيشرع القضاء المغربي في تطبيقها بعد دخول القانون حيز التنفيذ، تعتبر تحولا في السياسة العقابية بالمغرب، من خلال إقرار بدائل إنسانية للعقوبات السالبة للحرية.
إذ سبق وقال عنه الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في أجوبته عن أسئلة الصحافيين إنه "خطوة شجاعة وتتويج لمسار حقوقي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بالمملكة"، موضحا أن هذا المد الإصلاحي "كان مطلبا لسنوات طويلة للحد من الاكتظاظ وتمكين المحكومين من عقوبات بديلة قصد إعادة إدماجهم. كما يهدف هذا القانون إلى تحديث السياسة العقابية بالمغرب، عبر منح فرصة للمستفيدين منه للتأهيل والاندماج داخل المجتمع".
في حين أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة "صدر بعد مسار طويل من المشاورات والنقاشات العديدة حول جدواه وأهدافه، سيما مع السلطة القضائية والنيابة العامة والفاعلين الآخرين المعنيين"، مضيفا أنه "قانون يدفع نحو البحث عن وسائل جديدة للعقاب"، ومشددا على ضرورة التحلي بالجرأة في مجال التشريع لتجويد المنظومة القانونية المغربية".
عقوبات بديلة للجنح دون الجنايات:
تتوزع العقوبات البديلة التي ينص عليها هذا القانون إلى أربعة أصناف رئيسية، وهي: العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني)، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، كالخضوع لعلاج نفسي أو العلاج من الإدمان على الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية، وأخرى تقييدية كعدم الاقتراب من الضحية والخضوع للمراقبة لدى مصالح الشرطة والدرك الملكي والخضوع لتكوين أو تدريب وغيرها، كما تم في إطار إقرار العدالة التصالحية إضافة عقوبة إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة، فضلا عن الغرامة اليومية.
غير أن هذا القانون يستثني الجرائم التي تتجاوز عقوبتها الحبسية خمس سنوات حبسا نافذا، إضافة إلى حالات العود التي لا تحقق الردع المطلوب.
وبخصوص الجرائم التي لا تدخل ضمن نطاق العقوبات البديلة في هذا القانون، أوضح المحامي لحبيب حاجي، من هيئة المحامين بتطوان، ورئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، أن هذا القانون لا يطبق على الجنايات بل في الجنح فقط والتي لا تتجاوز 5 سنوات حبسا نافذا، كما لا عقوبة بديلة في حالة العود.
وأضاف حاجي، في تصريح لجريدة "الصحراء المغربية"، أنه لا تطبق أيضا هذه العقوبات البديلة على جرائم الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد أموال عمومية، وغسل الأموال، أو الجرائم العسكرية، أو الاتجار الدولي في المخدرات (لا وجود لهذه الجريمة في القانون. هناك الاتجار في المخدرات)، والاتجار في المؤثرات العقلية وفي الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للقاصرين وفي وضعية إعاقة.
تحديات لوجيستيكية ومؤسساتية:
أمام جاهزية القانون للتنفيذ والتطبيق، نجد ما يطرحه الممارسون من إشكالات قانونية ومؤسساتية ولوجيستيكية قد تجعل من فعالية هذا القانون رهينة بمدى صرامة تطبيقه، وضمان نزاهة إجراءاته في خدمة العدالة الجنائية، حيث أوضح الحبيب حاجي، في هذا السياق، أن القانون يجب أن يطبق بمجرد وصول أجل سريانه واقعا أو صدور المقتضيات التنظيمية في بعض الحالات التي تشترط وجود هذا المقتضى التنظيمي، قائلا "لا يمكن الانتظار إلى حين إيجاد اللوجيستيك. وفي حالة نقصه بالنسبة للحالات التي تستوجبه فإنه سيتم تفعيل الوسائل الأخرى".
ومضى قائلا "لقد كان نقص اللوجيستيك فعلا يخرق مدة الحراسة النظرية في المسطرة الجنائية الحالية. وفي قانون العقوبات البديلة في الغالب سيلجأ إلى تفعيله حيث لا مشاكل لوجيستيكية، إلى حين ضبط كل ما يتعلق بتتبع المعني وتتبع تحركاته تكنولوجيا".
بين الحرية المطلقة والسجن:
في هذا الصدد، اعتبر المحامي أن هذا القانون جاء جوابا عن مشكل الاكتظاظ بالسجون، ومزيدا من هيكلة مسألة التخفيف عنها ليساعد مسطرة العفو الملكي فيها، وأيضا للتخفيف من الأحكام المشددة، ومراعاة لتطور سلوك المحكوم عليهم نحو الأحسن أو معاينة طبيعة السجين التي لم تصل المحكمة إلى معرفتها أثناء مدة المحاكمة الوجيزة التي يمر فيها أمامها.
كما اعتبر حاجي أن هذا القانون، محاولة ثانية للتقليل من سكان السجون وخلق حالة وسطية (منزلة بين المنزلتين) بين الحرية المطلقة والسجن، بالقول "هي الحرية المقيدة والمراقبة من نفس الأجهزة التي تشرف على السجن، بعدما فشلت دوريات رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية في ترشيد وعقلنة الاعتقال، وفشل المقتضى القانوني الموجود في قانون المسطرة الجنائية الذي يعتبر الاعتقال إجراء استثنائيا وليس عملا عاديا".
وفي نظره، فإن هذا الفشل "مسؤول عنه القضاء الواقف (النيابة العامة) والجالس (قضاء الحكم) وقضاء التحقيق وحتى الغرفة الجنحية بالاستئناف من قضاء الحكم. والكل على حد سواء"، مبرزا أن "الأمر غير معروف هل يرجع لتشدد القضاء أو إلى تزايد الجريمة وارتكابها بما يستحق الاعتقال. ولكن هناك إحصاء في التقرير السنوي لمؤسسة وسيط المملكة، يطرح وجود حالات البراءة بالآلاف في الاستئناف".
إشكالات إجرائية وميدانية
كشف المحامي حاجي أن القانون الجديد كغيره من القوانين، يطرح عددا من الإشكالات القانونية والإجرائية قبل وبعد دخولها حيز التنفيذ، إذ يرى من خلال مقتضيات القانون أنه "جعل المؤسسة السجنية هي المتحكم رقم 1 في هذه العملية، وثانيا النيابة ولا وجود للقضاء الجالس، ما يمكن أن يخلق معه مشاكل للسجين مع هذه المؤسسة فلا يجد طريقا للاستفادة منه، في غياب وجود مسطرة للتوجه للقضاء الجالس مباشرة. وليست ثمة مسطرة للمنازعة في ما تكبده الإدارة السجنية من أفعال داخل السجن أمام القضاء".
وفسر المتحدث ذلك بالقول "هناك أيضا وفق المادة 647.3 قوة لتقارير المؤسسة السجنية في توجيه قرارات قاضي تنفيذ العقوبة، إما بإيقافها أو الاستمرار فيها. كما ليست هناك تدابير رقابية لعمل وسلوك الإدارة السجنية. كما أنها غير مؤهلة قانونا ولوجيستيكيا. حيث يجب في هذه الحالة أن يعتبر موظفوها ضمن الضابطة القضائية، لأنهم ينجزون محاضر تُبنى عليها قرارات ويعمل بها القضاء، ولا سبيل للطعن فيها. وكان لزاما خلق مقر للشرطة القضائية داخل السجن للتكلف بتنفيذ هذا القانون".
وتطرق المحامي، أيضا، إلى "وجود تداخل بين اختصاصات قاضي تنفيذ العقوبات ووكيل الملك"، معتبرا أنه "كان يجب أن يتم تكليف الشرطة القضائية من طرف قاضي التحقيق عوض تكليف موظفين من المحكمة أو المساعدين الاجتماعيين ممن ليست لهم صفة الشرطة القضائية للتحقق من تنفيذ التدابير الرقابية أو العلاجية أو التأهيلية وإعداد تقارير بشأنها وتوجيهها إلى قاضي تنفيذ العقوبات".
وفي هذا الاتجاه، قال حاجي"كان يجب أن يتوصل قاضي تنفيذ العقوبة لوحده بهذه التقارير ويوجه نسخة منها لوكيل الملك وليس العكس"، موضحا أن "هذه الإشكالات سبق وكشفها رجال القانون الممارسون أنفسهم من قضاة ومحامين..، والتي قد لا تهم المواطن العادي خاصة حالة العود ومسطره التطبيب والعلاج وخلق وسيط بين السجين ووكيل الملك..".
وخلص المحامي إلى أن هذا القانون قد يخلق إشكالات ميدانية لكونه "لم يضبط بدقة مسألة سد الأبواب عن خرقه، وتحقيق تكافؤ الفرص واستحقاق العقوبة البديلة ونزاهة الإجراءات، فضلا عن أنه يجب إصلاح عدد من القوانين المرتبطة لتصبح مواتية معه في التطبيق".