قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، ان مشروع قانون المسطرة الجنائية "اجتهاد بشري قابل للتطوير والتعديل وليس نصا مقدسا"، معتبرا ان "اعداد القوانين لا يعكس رغبة شخصية او ذاتية بل هو نتاج تفاعل النسق القانوني الوطني والنسق المؤسستي للدولة والامكانيات المتاحة لدى الحكومة والادارة لتنفيذه".
جاء قول الوزير في مداخلته، خلال اليوم الدراسي الذي نظمته فرق الاغلبية البرلمانية بمجلس النواب، الخميس 13 مارس 2025، حول "مستجدات مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في ضوء التحولات المجتمعية"، معتبرا ان "اتخاذ قرار التعديل ليس بيد وزير العدل بل هو جزء من منظومة الحكومة والدولة".
ومضى قائلا "عند صياغة اي نص قانوني قد تكون الطموحات كبيرة، لكن عند التطبيق تظهر التحديات، اذ يشتكي صاحب الميزانية وتعترض الادارة، وتواجه النص معارضة داخلية وخارجية.. ومن الطبيعي ان يتم البحث عن توافق يرضي جميع الاطراف، ما يستلزم تقديم تنازلات، وهو امر شائع في التشريع وادارة الدولة".
لن أرضي السياسي مقابل جودة النص القانوني
وابرز وهبي ان مشروع المسطرة الجنائية يتضمن 400 فصل، وكل فصل يطرح اشكالات تتطلب امكانيات مالية لتنفيذه، قائلا "في البرلمان، ياخذ النقاش طابعا سياسيا، بينما في الندوات ياخذ طابعا قانونيا، والوزير يجد نفسه بين هذا وذاك، لكنني لن ارضي السياسي على حساب جودة النص القانوني"، وواصل "الطموحات كبيرة لكن في السياسة والتشريع، لا يمكن تحقيق سوى الممكن".
وتابع "لا اجد حرجا في المناقشة لانها ترفع من قيمة النص، فالفاعل القانوني يسعى الى تجويد القانون، والفاعل السياسي يسعى الى تجويد موقعه"، ومضى قائلا "يجب على المسؤول الحكومي ان يكون حذرا من المد السياسي، لان النص القانوني حين يخضع لمنطق السياسة يتخذ ابعادا اخرى، وانا مقتنع ان تصحيح نص قانوني لا يكون الا بالقانون".
ودائما في حديثه عن المسطرة الجنائية، قال ان المناقشة التفصيلية للمشروع داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب كانت في بدايتها سياسية خالصة، قبل ان تنتهي الى شكلها القانوني"، وواصل "في البرلمان توجد قوتان، واحدة تسعى الى تثمين النص التشريعي واخرى الى هدمه بغاية خدمة اجندة سياسية، لكنها في نهاية المطاف تلتقي في النقاش القانوني".
20 سنة سجنا لمسربي محاضر التحقيق
كما تطرق المسؤول الحكومي لعدد من المقتضيات الواردة في مشروع قانون المسطرة الجنائية، من بينها عملية "تمثيل الجريمة" قائلا "هناك قضايا حساسة خضعت لنقاش معمق، مثل تمثيل الجريمة، الذي اسهم في تبرئة متهمين في قضايا متعددة، لكنه في الوقت ذاته يطرح اشكالات. لا يمكننا السماح بجلب متهم والتجول به في الشارع. فكيف نحميه من الفضوليين؟".
اشكال اخر يطرح هو "التصوير داخل مخافر الشرطة"، معترفا ان هذه المسالة خضعت لنقاش طويل، وتصوره "يقوم على تسجيل جميع مراحل البحث والتحقيق، مقابل تشديد العقوبات على تسريب اسرار محاضر التحقيق، لتصل الى 20 سنة سجنا".
وفي هذا السياق، تساءل الوزير "هل يمكن ان نعرض المحامي لهذه العقوبة، حتى لو خفضت الى سنتين او خمس سنوات؟ لان ذلك سيكون انتهاكا لحقوقه"، كاشفا ان النقاش افرز اسئلة اخرى، من قبيل كم عدد مخافر الشرطة والفرق الجنائية في كل مدينة لضمان تنفيذ هذا الاجراء؟ ومن سيكون المسؤول عن عملية التصوير؟، متطرقا أيضا للتنصيص على "الية التسجيل السمعي البصري اثناء قراءة تصريحات المشتبه فيهم المضمنة في المحاضر"، معتبرا انها ما تزال تثير نقاشا مستفيضا فيما يتعلق بمدى امكانية اعتمادها في جميع مراحل البحث، الى جانب مدى اعتبارها وسيلة اثبات، فضلا عن الاخطاء الالية التي يمكن ان تكون خلال هذه المرحلة. كما كشف انه حاليا يجري تجريب "تسجيل مرافعات المحامين" داخل غرفة الجنايات في الرباط، وهذا التسجيل ينقل عن طريق الة كتابة ورقيا، مؤكدا ان التجربة لم يتم تعميمها في انتظار معرفة مدى نجاحها.
مكاتب المعطيات الرقمية وبنك البصمات الجينية
وعن "المحاكمة العادلة"، قال المسؤول الحكومي "هل تضمن المسطرة الجنائية المحاكمة العادلة؟"، قبل ان يجيب "الامر غير مرتبط بالضرورة بالنص لوحده، بل بمدى انفتاح القضاة وقوة المحامين وامكانياتهم ومدى قدرتهم على تجويد النص بالنقاش"، واردف قائلا "النص لوحده يظل يتيما وبلا اي خدمة يمكن ان يسديها، انه جاف، بوسع القاضي والمحامي فقط منحه حياة مغايرة... لكن هل ينجحون في مؤازرته لنيل حياة افضل ام سيغتالونه؟ لست ادري؟".
واعلن انه في الوقت الحالي تتم تهيئة "مكاتب المعطيات الرقمية" بمختلف المحاكم المغربية، كاشفا انها تتضمن حواسيب سرية مغلقة تخضع مباشرة لسلطة الوكيل العام للملك، ويتولى تحقيق الربط مع الابناك وعدد من الوزارات ومؤسسات الدولة لضمان سرعة وفعالية الوصول الى المعلومات، مسترسلا ان هذه المكاتب ستمنع على رؤساء المحاكم، تفاديا لاي تضارب في الادوار، او الاطلاع على وسائل الاثبات ضد شخص ما، انما تقوم النيابة العامة باعدادها وتقديمها"، مردفا "اسئلة اخرى طرحت بخصوص هل للمحامي الحق في طلب وثيقة معينة من هذه المكاتب للدفاع عن نفسه او موكله، او وثيقة لاثبات امر ما؟".
واشار الى موضوع "بنك البصمات الجينية ADN"، متوجها بالسؤال "اين سيتم وضعها، هل لدى وزارة العدل ام لدى الشرطة؟ لان الامر يتعلق بمساس بالمعطيات الشخصية للناس، لذلك هناك نقاش مع ادارات الامن الوطني والدرك الملكي".
وخلص الوزير الى ان "هناك مجموعة من الاشكالات في التنفيذ سيصادفها هذا المشروع. واتمنى ان يستوعب الوزير الذي سيأتي بعدي ان تنفيذ هذه المقتضيات يحتاج بالضرورة الى مقدرات مالية يجب ان يحرص على نيلها".