أصدرت رئاسة النيابة العامة سابع تقاريرها السنوية برسم سنة 2023، بعد سلسلة التقارير السنوية التي دأبت على إصدارها منذ تأسيسها سنة 2017. وفي هذا التقرير، سلطت رئاسة النيابة العامة الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز استقلاليتها وتطوير سير الأداء وتعزيز النجاعة، وتحسين أداء النيابات العامة في تنفيذ السياسة الجنائية... وفي هذا التقرير، المكون من 500 صفحة، رصدت رئاسة النيابة العامة، بلغة الأرقام والإحصائيات، استمرار مؤشر الارتفاع الذي طبع مختلف أوجه اختصاص قضاء النيابة العامة؛ سواء في المجال الزجري أو المدني أو التجاري أو الأسري، خلال سنة 2023.
كما قدمت تحليلا شاملا للإنجازات والتحديات التي واجهتها النيابات العامة، مشددة على سعيها الدائم إلى الرفع من مستوى أداء النيابات العامة لدى محاكم المملكة لجعلها حلقة فعالة ضمن أجهزة العدالة بالمملكة بصفة عامة، والعدالة الجنائية بصفة خاصة، وتكريس انخراطها الكامل في تنفيذ السياسة الجنائية، وفقا لمحاورها الأساسية المحددة من قبل رئاستها، مع الحرص على تطوير الموارد البشرية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الأخرى، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
الارتفاع يطبع قضاء النيابة العامة
رصدت رئاسة النيابة العامة، في تقريرها السابع، «استمرار مؤشر ومنحى الارتفاع الذي طبع مختلف أوجه اختصاص قضاء النيابة العامة، سواء في المجال الزجري أو المدني أو التجاري أو الأسري، خلال سنة 2023». وتتجلى هذه الزيادة العامة المسجلة في عدد الإجراءات الرائجة، «ما انعكس على معدل أداء قضاتها السنوي، الذي انتقل من 8223 إجراء سنة 2022 إلى 8599 إجراء عند نهاية سنة 2023».
استقرار في عدد القضاة
رغم الارتفاع المتزايد والمضطرد للإجراءات والمهام التي تباشرها النيابات العامة سنة بعد أخرى، سجل التقرير أن عدد قضاتها ظل ثابتا ولم يتجاوز 1087 قاضية وقاضيا عند نهاية سنة 2023، أي أقل مما كان عليه الوضع قبل سنتين، حيث بلغ عددهم في متم سنة 2021 ما مجموعه 1103 قضاة وقاضيات، «ما يسمح بالقول بعدم وجود تناسب بين الزيادة المضطردة في المهام وبين تطور عدد قضاة النيابة العامة».
ارتفاع الإجراءات ونتائج إيجابية
أكدت رئاسة النيابة العامة أنه، رغم الارتفاع المسجل في عدد الإجراءات الرائجة أمام النيابات العامة لدى محاكم المملكة خلال سنة 2023، فقد تمكنت هذه الأخيرة من تحقيق نتائج إيجابية كان لها الأثر الواضح على تدبير مختلف المهام المسندة إليها، مشيرة إلى أنه فضلا عن أداء قضاتها للمهام الملقاة على عاتقهم المتصلة، بإقامة الدعوى العمومية وممارستها، وما تقتضيه من حضور للجلسات وممارسة طرق الطعن في الأحكام والمقررات، والقيام بالزيارات التفقدية لأماكن الحرمان من الحرية، ومراقبة المهن القانونية المنظمة، فقد تجلت مظاهر تحقيق النجاعة القضائية في التقليص من المخلف عن السنوات السابقة في مجموعة من المواد، بما يؤشر على فعالية الأداء.
تقليص أعداد مخلف الشكايات
استدل تقرير سنة 2023، في هذا الصدد، بانتقال المخلف من الشكايات من 12577 شكاية عن سنة 2022 إلى 82558 شكاية عن سنة 2023، وانتقال المخلف من المحاضر من 188864 محضرا عن سنة 2022 إلى 137311 محضرا عن سنة 2023، ثم تقليص المخلف المتعلق بإجراءات التنفيذ الزجري من 58865 إجراء عن سنة 2022 إلى 30815 إجراء برسم سنة 2023، بالإضافة إلى تحقيق مجموعة من النتائج المرضية.
واعتبر التقرير أن هذه النتائج المحققة تعكس تفاعل النيابات العامة بقضاتها وأطرها، وانخراطها الجدي في تنزيل توجيهات رئاستها، والتي قامت خلال سنة 2023 بإصدار 27 دورية تناولت سير النيابة العامة وتنفيذها للسياسة الجنائية، من قبيل ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وحماية حقوق المرأة والطفل، ومكافحة الجرائم المالية. كما أصدرت دليلا عمليا حول التعرف على الأطفال ضحايا الاتجار بالبشر، يهدف إلى توحيد الرؤى وتعزيز الحماية القانونية لهذه الفئة.
هيمنة ذكورية على مناصب المسؤولية
بلغ عدد مناصب المسؤولية في رئاسة النيابة العامة، خلال عام 2023، 111 منصبا، موزعة بين 22 منصبا بمحكمة النقض، و72 بمحاكم الاستئناف، و6 مناصب بالمحاكم الابتدائية، ومنصبين بالمحاكم التجارية، ومنصبين بالمحاكم المدنية والاجتماعية
ويكشف توزيع مناصب المسؤولية، حسب الجنس، هيمنة المسؤولين الذكور، بتسجيل 100 منصب من ضمن 111، ما يعادل 90.09 في المائة من إجمالي مناصب المسؤولية، في حين تشغل الإناث 11 منصبا ما يعادل 9.91 في المائة.
وبالعودة لتوزيعها حسب الدرجات، يتبين أن قضاة الدرجة الاستثنائية يشغلون 459 منصبا (381 للذكور و78 للإناث)، ويشغل قضاة الدرجة الأولى 75 منصبا، وقضاة الدرجة الثانية 283 منصبا، وقضاة الدرجة الثالثة 269 منصبا.
وتطويرا للموارد البشرية، أوضح التقرير أنه في 2023 شهدت رئاسة النيابة العامة تحسينات كبيرة في مجال الموارد البشرية، شملت تعيين 69 مسؤولا في مناصب المسؤولية، مع توزيع هذه المناصب بين مختلف الإدارات، بالإضافة إلى إصدار قرارات ترقية لـ 132 موظفا، بمن في ذلك 80 أمينا قضائيا و38 محافظا قضائيا، و9 مهندسين للدولة و5 متصرفين.
تعزيز قدرات قضاة النيابة العامة
حرصت رئاسة النيابة على ذلك من خلال تنظيم 27 دورة تكوينية استفاد منها 1803 قضاة، بمن في ذلك قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية، تركزت على حماية البيئة، ومكافحة الجرائم الإلكترونية، وتعزيز التعاون القضائي الدولي، فضلا عن إصدار دلائل عملية، وعقد اجتماعات دورية مع المسؤولين القضائيين على النيابات العامة «إيمانا منها بما لهؤلاء المسؤولين من دور أساسي كقناة لنقل توجهات هذه الرئاسة لمختلف العاملين بالنيابات العامة لدى المحاكم، معززة بذلك دورها التأطيري والإشرافي على عمل هذه الأخيرة».
تطوير المنظومة المعلوماتية
في إطار سعيها إلى تحسين الأداء القضائي وتعزيز التحول الرقمي، عملت رئاسة النيابة العامة على تطوير المنظومة المعلوماتية، بإطلاق عدة تطبيقات إلكترونية لتسهيل إجراءات العمل، مثل تطبيق تدبير الشكايات الإلكترونية، وتطبيق تتبع القضايا الخاصة بجرائم غسل الأموال، وتطبيق تدبير تقارير زيارة أماكن الاعتقال، وتطبيق تدبير الإحصائيات الشهرية والدورية، وتطبيق تبادل البيانات البنكية مع بنك المغرب، مما ساهم في تسريع الأبحاث المالية، وتخفيض المدة الزمنية للإجراءات إلى 15 دقيقة فقط.
تدبير الشكايات والمحاضر المسجلة
استقبلت رئاسة النيابة العامة سنة 2023 ما مجموعه 8060 مرتفقا، بزيادة 17 في المائة مقارنة بـ2022. كما تلقت 20477 شكاية عبر مختلف القنوات، بما في ذلك مكتب الواجهة والبريد الإلكتروني، كاشفة معالجة جميع الشكايات بنسبة إنجاز 100 في المائة، مع إحالة 18342 شكاية على النيابات العامة، و1377 شكاية على جهات أخرى للاختصاص.
كما أظهر التقرير تحسنا ملحوظا في تدبير الشكايات والمحاضر، حيث تمت تصفية ما مجموعه 552217 شكاية خلال عام 2023، بانخفاض في نسبة المخلف إلى 82558 مقارنة بسنة 2022. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بسرعة معالجة المحاضر، حيث تم تسجيل 2416391 محضرا جديدا، ما يفرض ضرورة تعزيز قدرات النيابات العامة في هذا المجال.
متابعات ضد المحامين والموثقين والمفوظين..
كشف التقرير أن الشكايات المقدمة إلى النيابة العامة في مواجهة المحامين سنة 2023، بلغت 1366 شكاية، مقابل 56 شكاية جرى تقديمها مباشرة إلى نقباء الهيئات والمبلغة من النيابة العامة بمجموع 1422 شكاية.
وبخصوص الموثقين، أجرت النيابات العامة خلال سنة 2023 ما مجموعه 414 تفتيشا لمكاتب الموثقين، وهي حصيلة تبقى مرتفعة مقارنة مع 2022، بارتفاع 46 في المائة. وبالموازاة مع المهام الرقابية، توصلت النيابات العامة بما مجموعه 4912 شكاية، منها 4242 شكاية أو تقرير من صندوق الإيداع والتدبير، و670 شكاية عادية من مقدمة أمام النيابة العامة، حيث تم هذه السنة إيقاف 11 موثقا متابعا تأديبيا إلى حين البت في المتابعات الجارية في حقهم، إذ توصلت النيابات العامة خلال 2023 من اللجنة التأديبية بمقررات تأديبية بلغت 19 توزعت بين الإنذار وعدم المؤاخذة والايقاف المؤقت عن ممارسة المهنة والعزل (8 موثقين).
في حين توصلت النيابات العامة بـ486 شكاية في مواجهة العدول، فيما فتحت الأبحاث في 210 شكايات في مواجهة الخبراء القضائيين والاستماع لـ 204 منهم. كما راج أمام النيابات العامة ما مجموعه 567 شكاية مقدمة ضد المفوضين القضائيين، منها 481 شكاية جديدة مسجلة خلال سنة 2023، ما أسفر عن تحريك المتابعة التأديبية في 24 شكاية، وتحريك المتابعات التأديبية مباشرة على إثر تحريات في 24 حالة.
كما استقبلت النيابات العامة 7 شكايات في مواجهة التراجمة المقبولين أمام المحاكم. وتلقت 4 شكايات في مواجهة النساخة لا زالت الأبحاث جارية بشأنها.
الاعتقال الاحتياطي بين الارتفاع والترشيد
كشف تقرير رئاسة النيابة العامة أن معدل الاعتقال الاحتياطي انخفض ليبلغ في متم 2023 نسبة 37.56 في المائة، بينما ألغت النيابات العامة 15 ألفا و555 برقية بحث بسبب التقادم، و21 ألفا 606 برقيات بحث لأسباب أخرى.
ورغم انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي، إلا أن الساكنة السجنية شهدت ارتفاعا خلال سنة 2023، إذ تجاوزت عتبة 100.000 سجين في شهر غشت من هذه السنة، يضيف التقرير ذاته. وفي هذا السياق، قامت النيابات العامة بدراسة ومعالجة ما مجموعه 40.115 ملفا متعلقا بالإكراه البدني، نتج عنه إلغاء 9 آلاف و66 أمرا بالاعتقال بسبب التقادم أو عدم استيفاء الشروط القانونية. فضلا عن مراجعة كم هائل من المحاضر وملفات التنفيذ الزجري المتعلقة بالعقوبات السالبة للحرية النافذة الصادرة في حالة سراح، ما أسفر عن إلغاء ما مجموعه 15555 برقية بحث بسبب التقادم، وكذلك إلغاء 21606 برقيات بحث لأسباب أخرى، كإيقاف المشتبه بهم أو امتثالهم التلقائي أمام مصالح الشرطة القضائية أو أمام النيابة العامة المختصة.
وفي ترشيدها للاعتقال الاحتياطي، أصدرت رئاسة النيابة العامة عدة دوريات وتوصيات لترشيد استخدام الاعتقال الاحتياطي، مع التركيز على استخدامه كإجراء استثنائي وليس قاعدة عامة، حيث جرى، في هذا الإطار، إحالة 14901 محضر على قضاء التحقيق في إطار التحقيق الإعدادي، مما يشكل نسبة تقل عن 1 في المائة من مجموع المحاضر المنجزة، وحفظ 826625 محضرا بما يشكل 34.58 في المائة من مجموع الإجراءات المتخذة. وجرى، أيضا، التأكيد على ضرورة احترام الأجل المعقول في الإجراءات وضمان حقوق المعتقلين، من خلال تحسين ظروف الاعتقال بتنظيم زيارات دورية لأماكن الاعتقال وتطوير تطبيق معلوماتي لتدبير تقارير زيارة أماكن الاعتقال، وإصدار دوريات وتوصيات لضمان حصول المعتقلين على الرعاية الصحية اللازمة واحترام حقوقهم القانونية.
أزيد من 5 ملايين قضية مسجلة
بلغ مجموع القضايا المسجلة أمام محاكم المملكة خلال عام 2023 ما مجموعه 5.525.294 قضية، حيث أكد التقرير ارتفاعا في عدد القضايا المسجلة بنسبة 6.44 في المائة، مقارنة بسنة 2022. وفي التوزيع حسب المحاكم، يتبين احتكار المحاكم الابتدائية النسبة الأكبر، حيث بلغت 4.026.814 قضية، أي 85.48 في المائة من إجمالي القضايا المسجلة. في حين، سجلت محاكم الاستئناف 504.982 قضية بـ 8.61 في المائة، و48.130 قضية أمام محكمة النقض، بـ 1.02 بالمائة. أما المحاكم التجارية فسجلت 171.898 قضية، بـ 3.65 المائة، والمحاكم الإدارية 57.869 قضية بنسبة 1.22 في المائة.
83 محكوما بعقوبة الإعدامأفادت رئاسة النيابة العامة أن عدد المحكومين بعقوبة الإعدام في المغرب بلغ 83 شخصا نهاية سنة 2023، مسجلا انخفاضا كبيرا مقارنة بـ197 محكوما في سنة 1993. ورغم هذا التراجع، تظهر معطيات السنوات الخمس الأخيرة منحنى تصاعديا، وإن كان بوتيرة متقاربة، في عدد المحكومين بهذه العقوبة.
وعزا التقرير الارتفاع المسجل إلى استمرار صدور بعض القرارات القضائية التي تقضي بهذه العقوبة، بسبب ارتكاب بعض الجرائم الخطيرة التي تسبب اضطرابا مجتمعيا. ويتوزع هؤلاء المحكومون من حيث الجنس إلى امرأة واحدة و82 رجلا، وبالنسبة للأعمار تتراوح بين 21 و77 سنة.
وتوزعت الجرائم ما بين القتل العمدي المتعدد بـ22 ضحية لمدانين اثنين، يليه القتل العمد المقترن بجنايات أخرى بـ21 ضحية لـ20 مدانا. كما شملت جرائم القتل العمد في حق طفل مع هتك العرض بالعنف، والقتل العمد المقترن بجناية السرقة الموصوفة، والقتل العمد مع الاغتصاب، والقتل في حق الأصول، والقتل العمد لأفراد الأسرة، وإعاقة مرور الناقلات، والقتل العمد باستخدام السلاح الناري، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق الزوجة أو أحد الفروع، والقتل العمد بدافع الانتقام، فضلا عن القتل في إطار الجريمة الإرهابية وجرائم التطرف. أما الضحايا، فبلغ عددهم من النساء 31 (8 قاصرات و23 راشدة، بعضهن على علاقة قرابة بالجاني أو من أصوله)، و18 طفلا وطفلة (تعرض جلهم لاعتداءات جنسية قبل قتلهم).
البيضاء تتصدر تسجيل جرائم الأموال
تميزت سنة 2023 بتسجيل ما مجموعه 72554 قضية متعلقة بالجرائم المرتكبة ضد الأموال، توبع بموجبها 88347 شخصا، ليعرف بذلك هذا الصنف من الجرائم انخفاضا مقارنة بسنة 2022، حيث بلغت نسبة 13.4 في المائة، إذ تتميز هذه الجرائم بعدم الاستقرار في إعداد قضاياها، ويعزو التقرير هذا التراجع إلى انخفاض القضايا المتعلقة بالتصرف بسوء نية في تركة أو في مال مشترك. كما تأتي جنحة النصب على المتقاضين ومرتفقي العدالة على رأس القائمة بارتفاع 68.42 في المائة. وبخصوص التوزيع الجغرافي، سجلت الدارالبيضاء أكبر عدد من القضايا على غرار سنة 2022 مقارنة بباقي المحاكم بما مجموعه 10034 قضية بمعدل 173 قضية لكل 100000 نسمة، تليها العاصمة الرباط، ثم أكادير.
العنف ضد النساء والأطفال
سجل التقرير خلال سنة 2023، زيادة في عدد قضايا العنف ضد النساء، التي بلغت 1134 قضية مقارنة مع سنة 2022، حيث انتقلت من 28816 قضية إلى 29950 قضية. وبدورها عرفت الجرائم المرتكبة ضد الأطفال ارتفاعا خلال 2023، حيث سجل ما مجموعه 9106 قضايا، توبع من أجلها 9624 شخصا، في حين لم يتجاوز عدد القضايا المسجلة خلال سنة 2022 ما مجموعه 7931 قضية توبع خلالها 8450 شخصا، وبالموازاة مع ذلك عرف عدد الأطفال الضحايا بدوره ارتفاعا ملحوظا، حيث بلغ مجموعهم 9357 ضحية.
انخفاض في قضايا الأسرة والأخلاق العامة
بلغ عدد القضايا المتعلقة بالأسرة والأخلاق العامة 24761 قضية ما يشكل انخفاضا بـ25 في المائة مقارنه مع 2022، أما في ما يخص طبيعة الجرائم المرتكبة، فيلاحظ أن أغلبيتها ذات طبيعة جنحية بنسبة 89 في المائة ولم تتجاوز ذات الطبيعة الجنائية 11 في المائة.
وتشمل قضايا النفقة والاجهاض والبغاء والدعارة وهتك العرض والخيانة الزوجية والشذوذ الجنسي والإخلال بالحياء العام وإهمال الأسرة وقتل وليد ...، وتتصدر الدائرة الاستئنافية للدارللبيضاء تسجيل أكثر القضايا بـ4303 قضايا تليها مراكش بـ 2190 قضية ثم أكادير والحسيمة وتازة بتسجيل أقل عدد منها.
إذ تمت معالجة هذه القضايا من خلال إصدار قرارات قضائية وأوامر حماية للضحايا في حالات العنف الأسري. كما أحيلت بعض القضايا على مراكز الإصلاح والتأهيل لضمان حماية حقوق الأطفال والنساء. كما أصدرت النيابة العامة عدة دوريات وتوصيات لتعزيز حماية المرأة والطفل، بما في ذلك تفعيل مقتضيات القانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء.
تنوع مستمر في القضايا الجنائية والتجارية بلغ عدد القضايا الجنائية المسجلة خلال سنة 2023، ما مجموعه 3.428.999 قضية، ما يعادل 68 في المائة، توزعت بين جرائم القتل والاعتداءات الجسدية، وجرائم غسل الأموال والفساد المالي والتهرب الضريبي، والجرائم المعلوماتية من قبيل جرائم القرصنة الإلكترونية والاحتيال عبر الإنترنت، وجرائم تهريب المخدرات والاتجار بها..
أما القضايا التجارية فسجلت ما مجموعه 171.898 قضية، توزعت بين النزاعات بين الشركات والمتعاملين، وقضايا الإفلاس وإعادة الهيكلة المالية للشركات، وقضايا الاحتكار والممارسات التجارية غير العادلة. في حين، بلغ عدد القضايا الإدارية المسجلة ما مجموعه 57.869 قضية.
110 قضايا لجرائم الاتجار بالبشر
أظهر التقرير تسجيل ما مجموعه 110 قضايا جديدة متعلقة بالاتجار بالبشر في سنة 2023، بارتفاع ملحوظ عن سنة 2022 بـ 23.64 في المائة، تمت في 77 قضية منها متابعة فرد واحد، في حين توبع أفراد عديدين في 27 قضية، بينما عرفت 6 قضايا منها متابعة عصابة إجرامية «شبكة»، مع عدم تسجيل أية متابعة في حق شخصية اعتبارية.
وأكدت التقرير وجود تفاوت بين المحاكم في عدد القضايا المسجلة في هذا الباب، حيث احتلت محكمة الاستئناف بمراكش الصدارة بتسجيلها 15 قضية، تلتها محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بـ 14 قضية، ثم محكمتا الاستئناف بفاس ومكناس بـ10 قضايا، وتوزعت باقي القضايا على الدوائر القضائية الاستئنافية الأخرى.
وبلغ عدد المتابعين في سنة 2023 ما مجموعه 171 شخصا، مقابل 153 شخصا في سنة 2022، بارتفاع قدره 10.53 في المائة. كما بلغت نسبة المتابعين في حالة اعتقال 84 في المائة، بينما تمت متابعة 16 في المائة في حالة سراح.
أما نسبة متابعة النساء فظلت 29 في المائة، مردها إلى أن «عددا من القضايا المتعلقة أساسا بالاتجار في البشر تتم لغرض الاستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير ترتكبها نساء أو يساهمن في ذلك».
وكشفت الأرقام، ارتكاب 91 قضية اتجار في البشر داخل التراب الوطني، في حين أن 19 قضية من الصنف نفسه ظلت «عابرة للحدود»، مضيفا أن حوالي 82.40 في المائة من ضحايا الاستغلال كانت لأغراض جنسية، ثم الأعمال القسرية والتسول والاستغلال في النزاعات المسلحة أو الشبكات الإجرامية، تليها لأنشطة أخرى متعلقة بالاسترقاق أو شبيهة بها.
أما الضحايا فبلغوا سنة 2023 ما مجموعه 169 ضحية، بارتفاع 8 في المائة. وفي هذا الصدد، بلغت الشكايات 92 بزيادة تتجاوز 37 في المائة مقارنة بسنة 2022، قدمت أمام النيابة العامة أو أمام الشرطة القضائية من طرف المعنيين بالأمر، أو أولياءهم، أو جهات أخرى كالقطاعات الحكومية أو المنظمات الدولية أو بعض السفارات لدول أجنبية. في حين، الشكايات المقدمة من قبل الإناث تحظى بالنسبة الأكبر، أي 64 في المائة، وطرف الذكور 34 في المائة.
استقرار نسبي في معدل الجرائم الإرهابية
تظهر معطيات التقرير لسنة 2023، تقديم 158 شخصا للاشتباه في ارتكابهم أفعالا إرهابية، توبع منهم 119 وتقرر الحفظ في حق 29، فيما أرجع 10 أشخاص إلى مصالح الشرطة لإتمام البحث. كما تبرز المعطيات تسجيل 123 قضية متعلقة بالجرائم الإرهابية بزيادة 13 قضية مقارنة مع سنة 2022، وهو ما اعتبرت رئاسة النيابة العامة ارتفاعا طفيفا، ما يكشف التعامل الصارم مع هذه القضايا ما جعلها تعرف استقرارا نسبيا.
كما يلاحظ أن أغلب هذه الأفعال لم تبلغ حد التنفيذ، أو مخططات في مراحلها الأولى، إذ احتلت الإشادة بالإرهاب قائمة المتابعات بـ108، ثم التحريض وإقناع الغير بمحاولة ارتكاب أفعال جرمية بـ83 متابعة، تليها تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية بـ79 متابعة... وبالنظر إلى العقوبات الصادرة، يلاحظ صدور 68 عقوبة حبسية نافذة، وعقوبتان بالسجن المؤبد مقابل حكم واحد بعقوبة الإعدام.
الجنحي يطبع قضايا الأمن والنظام العام
سجل التقرير أن طبيعة القضايا الماسة بالأمن والنظام العام المسجلة في سنة 2023، كانت في أغلبها ذات طابع جنحي، حيث شكلت نسبة القضايا الجنحية 94.69 في المائة من مجموع القضايا، في حين أن النسبة المتبقية «5.31 في المائة» كانت عبارة عن أفعال تكَيف قانونا بالجنايات.
في حين، أبرز التقرير تسجيل 84 قضية أمام المحاكم تم فيها متابعة 84 شخصا بتهمة المجاهرة بالإفطار علنا في نهار رمضان. كما أشار إلى أن قضايا إهانة علم المملكة ورموزها والإساءة لثوابتها بلغت 22 قضية، تم فيها متابعة 24 شخصا.
ووفقًا للمعطيات الإحصائية الواردة، توبع 33 شخصا في 31 قضية تتعلق بتعطيل إحدى العبادات أو الحفلات الدينية، و36 شخصا في 28 قضية تتعلق بهدم أو امتهان أو تلويث المقابر. كما تمت متابعة 6 أشخاص في 3 قضايا تتعلق بتلويث الجثث أو التمثيل بها...
قضايا الرشوة والتسول
أوضح التقرير في ما يتعلق بجنح الرشوة والارتشاء، فسجلت سنة 2023 أكبر عدد من القضايا بمجموع 23692 قضية، تليها قضايا التسول بـ 22985 قضية، ثم جنحة حمل السلاح بدون مبرر مشروع بـ 11516 قضية.
وفي ما يخص القضايا ذات الطابع الجنائي، كان أكبر عدد من القضايا متعلقا بجناية تكوين عصابة إجرامية بـ 2705 قضايا، تلتها جناية تنظيم الهجرة غير الشرعية بـ 861 قضية، ثم جناية اختلاس المال العام بـ 110 قضايا، وفقا لتقرير رئاسة النيابة العامة.
مراكش في صدارة تسجيل قضايا المخدرات
بلغ عدد القضايا المسجلة ما مجموعه 144246 خلال سنة 2023، وفقا للتقرير، إذ فتحت في مواجهة 175666 شخصا مشتبها بهم، حيث تعلقت أغلب القضايا بالاستعمال غير المشروع للمخدرات. ويتضح بلغة الأرقام أن أعداد قضايا المخدرات خلال هذه السنة تعد الأكبر خلال السنوات من 2013 إلى 2023، إذ تجاوزت نسبة الارتفاع 66 في المائة، و15 في المائة مقارنة مع 2022، لكن أبرز التقرير أن هذا الارتفاع تواجهه فعالية أجهزة العدالة الجنائية في التصدي لهذا النوع من الجرائم ما يستدعي بذل مزيد من الجهد للقضاء على تناميها.
وسجلت 2023 ما مجموعه 144246 قضية بارتفاع 15.5 في المائة، توبع من خلالها 175666 شخصا بنسبة ارتفاع 13 في المائة. في حين، صنفت الدائرة الاستئنافية لمراكش بصدارتها للقضايا المسجلة بـ 22089 قضية خلال سنة 2023، تليها الرباط والدارالبيضاء.
الأحداث المقدمون أمام النيابات العامة
بلغ عدد الأحداث المقدمين أمام النيابات العامة حلال سنة 2023 ما مجموعه 23161، منهم 3909 أحداث أمام محاكم الاستئناف بنسبة 17 في المائة و19252 أمام المحاكم الابتدائية بنسبة 83 في المائة. من خلال المعطيات الإحصائية، بين تقرير 2023 عن ارتفاع ملحوظ في عدد القضايا المعالجة، مع تحسين في أداء النيابات العامة في تدبير الشكايات والمحاضر. كما أبرز الجهود المبذولة في تطوير المنظومة المعلوماتية وتعزيز التعاون مع المؤسسات الأمنية والقضائية الأخرى. من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن رئاسة النيابة العامة حافظت خلال سنة 2023 على نهجها التواصلي القائم على الانفتاح على محيطها الوطني وكذا الدولي بالمشاركة في العديد من المنتديات واللقاءات الدولية المنظمة من قبل الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بمكافحة الجريمة، مع عقد بعض الشراكات وإبرام مذكرات تفاهم مع النيابات العامة لدى مجموعة من الدول.
وأكدت رئاسة النيابة العامة التزامها المطلق بالعمل على الدفاع عن الحق العام والذود عنه، وفقا للمرامي والغايات السامية التي أطرها الظهير الشريف الصادر بتاريخ 26 مارس 2021 والقاضي بتعيين رئيس النيابة العامة والمتمثلة في «حماية النظام العام والعمل على صيانته متمسكا، هو وسائر القضاة العاملين تحت إمرته بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات». ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق التوازن بين الزيادة المضطردة في عدد القضايا وعدد القضاة، مما يفرض ضرورة تعزيز الموارد البشرية وتطوير الآليات التشريعية والإدارية.