أكدت مجموعة العمل الموضوعاتية بمجلس النواب، المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، أنه رغم الإجراءات المتعددة والإصلاحات المتعاقبة التي همت الإدارة العمومية طيلة السنوات الماضية، إلا أن الإدارات العمومية عانت من العديد من الأعطاب البنيوية التي لم تستطع كافة الإجراءات والتدخلات التي تم اعتمادها التغلب عليها.
وأبرزت مجموعة العمل في التقرير الذي أعدته والذي يتوقع أن يعرض في جلسة عمومية يوم الثلاثاء المقبل، أن مختلف الخطب الملكية التي تناولت موضوع الإدارة شكلت فرصة سانحة لتشخيص مختلف الأعطاب والاختلالات التي عانت منها الإدارة العمومية حسب كل سياق على حدة، مضيفة أن التقارير المؤسساتية الدولية والوطنية حاولت طيلة هذه السنوات وضع أصبعها على مناطق الخلل والقصور التي عانت منها الإدارة العمومية في الفترة السابقة قبل اعتماد الخطة الوطنية للإصلاح.
وكشف تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية، أنه بالرغم من التدخلات الإصلاحية السابقة التي اهتمت بموضوع اللاتمركز الإداري، فإن واقع الأمر يبرز أن الإدارة العمومية مازالت تعاني من مركزية مفرطة تكمن أبرز تمظهراتها طيلة العقود الماضية في غياب التوازن بين اختصاصات السلطات المركزية واللاممركزة، مفيدا في نفس الصدد، أن معظم الاختصاصات تم الإبقاء عليها في المركز دون إعطاء المصالح الخارجية صلاحيات واختصاصات ذات قيمة تقريرية، فضلا عن معاندة كل توجه نحو التغيير كظاهرة ملحوظة ظل همها الأبرز الإبقاء على الصلاحيات الاستراتيجية والمهمة في المركز، مما فوت على المغرب فرصا مهمة للتغيير والإصلاح وتقريب الإدارة من المواطنين بالشكل الكافي.
كما سجل التقرير إشكال تركيز الموارد المالية والبشرية في المصالح المركزية، في المقابل عانت المصالح الخارجية دائما من قلة الموارد البشرية والاعتمادات المالية، وهو ما حد من تأثيرها وتدخلها، مع رصد تفاوتات كبيرة من حيث هذه الموارد بين مختلف الجهات، كاشفا أن النسب الأعلى بين المصالح المركزية توجد في الرباط والمصالح الخارجية في نفس الجهة، ثم جهة الدار البيضاء سطات، وجهة فاس مكناس، فضلا عن جهة مراكش أسفي، حيث أن عدد الموظفين في هذه الجهات الأربع فضلا عن موظفي المصالح المركزية يمثل أكثر من نصف العدد الإجمالي للموظفين بكافة جهات المملكة، مؤكدا في نفس الصدد، التفاوتات الحاصلة في انتشار الموظفين ترابيا، وهو ما يكرس نفس التفاوت المسجل في تقديم الخدمات الإدارية.
من جهة أخرى، سجل التقرير ذاته، ضعف الخدمات المقدمة للجالية المغربية المقيمة بالخارج، معلنا أن الإدارة العمومية، «إدارة عمومية معرقلة للاستثمار ومفتقرة للإنتاج»، مسجلا في نفس الصدد، تعدد الأعطاب التي واجهها موضوع الاستثمار مع الإدارة، خاصة المتعلقة منها بالتأخر في معالجة ملفات مشاريع الاستثمار، وغياب التفاعل مع الاستفسارات والشكايات والمشاكل التي تعترض المستثمرين، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية التي شكلت عائقا حقيقيا للاستثمار، فضلا عن ضعف التأطير المؤسساتي لعملية الاستثمار وغياب قانون شامل له، وكذا ضعف إنتاجية المؤسسات والمقاولات العمومية وارتفاع مديونيتها مما يؤثر بشكل سلبي على مردوديتها ومدى مساهمتها في النهوض بالاستثمار.
ومن ضمن أعطاب الإدارات العمومية، سجل التقرير نفسه، نظام وظيفة عمومية كلاسيكي، مؤكدا أن نظام الوظيفة العمومية عانى من عدة نقائص تزداد حجما وكلفة مع مرور الزمن، حيث اتسم هذا النظام بالضعف في الاعتماد على مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية، فضلا عن قصور نظام الوظيفة العمومية على منظومة تنقيط الموظف.
كما أوضح التقرير غياب رؤية مستقبلية واضحة أثناء مفاوضات ولقاءات الحوار الاجتماعي والتأخر في تطبيق التوظيف عبر التعاقد أو عبر المشاريع والأنشطة للرفع من جودة الخدمات المقدمة وتعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مع وجود قصور في محاربة ظاهرة التغيب عن العمل، فضلا عن غياب العدالة الأجرية عبر تبني منظومة أجور متجاوزة وغير عادلة.
وشملت أعطاب الإدارة العمومية، وفق نفس التقرير، تضخم الأجهزة الإدارية من خلال كثرة القطاعات الوزارية ومصالحها الخارجية، علاوة على الارتفاع الكبير للموارد البشرية وغير الموظفة بشكل يتلاءم مع تكويناتها أو تجربتها، ما يجعلها عبئا على الإدارة بدلا من أن تكون آلية من آليات التدبير، بسبب التعيينات بدوافع غير مهنية، وخاصة الدوافع السياسية التي تقصي معيار الكفاءة والأهلية المهنية.
وأعلن التقرير أن تضخم الجهاز الإداري، يلاحظ في الغالب على مستوى الإدارات المركزية، نظرا لأنها تتضمن مناصب مسؤولية ذات تعويضات عالية، مؤكدا أن هذا التضخم على مستوى الموظفين يؤدي إلى آثار غير محمودة على مستوى الإنتاج الإداري.
وأكد التقرير ذاته، في نفس السياق، أن «تضخم الجهاز الإداري، يقلب الدور المنوط بالإدارة، حيث أصبحت مستهلكة للثروة بدل إنتاجها».
من جهة أخرى، سجل التقرير ارتفاع مؤشرات الفاسد الإداري، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية وضعف بنيات الاستقبال.