كشف تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول " إصلاح التكوين المهني الأساسي"، وجود اختلالات كبرى وحصيلة متباينة في التكوين المهني، في ظل تطور أعداد المتدربين الذين يتجاوز عددهم 430 ألف متدربة ومتدرب.
ومن بين هذه الاختلالات، سجل التقرير، الذي قدمه عبد اللطيف الميراوي، رئيس مجموعة العمل الخاصة بالتكوين المهني، اليوم الأربعاء، خلال ندوة صحفية نظمها المجلس لتقديم نتائج دورته العادية الخامسة عشرة، تراكم وتداخل عدة مقاربات لعمليات التكوين تفتقر إلى الانسجام والالتقائية الضروريين، ونسب محدودة للاندماج المهني للخريجين لا توازي الاستثمار الكبير للدولة في مجال التكوين المهني، فضلا عن وجود تفاوت بين شعب التكوين وطاقتها الاستيعابية، وبين متطلبات مواكبة الأوراش الاقتصادية الكبرى للبلاد.
وفي السياق ذاته أشار الميراوي إلى ضعف التنسيق بين الأطراف المعنية، واستمرار التصور السلبي للطلبة والأسر للتكوين المهني، والذي تعود أسبابه على الخصوص، حسب الميراوي، إلى الصعوبات التي يواجهها خريجوه من أجل ولوج سوق الشغل، وضيق آفاق متابعة المسار الدراسي بالنسبة للأشخاص الراغبين في ذلك.
وأضاف الميراوي أن تطور البنية التحتية للتكوين المهني تقابله تفاوتات ملحوظة في هذا المجال ما بين القطاعات المكونة، كما تتوفر المنظومة على عرض تكويني يتجه نحو التمهين، مع وجود نقص واضح في آليات تخطيط الحاجات المتعلقة بالتكوين، وأدوات تحقيق ملاءمة التكوينات مع التشغيل.
ويقترح التقرير ثلاثة رافعات لإعادة البناء والتغيير في مجال التكوين المهني، عبر إدماج التكوين المهني في التعليم العام، مما سيسمح بتموقع جديد للتكوين المهني داخل المنظومة التربوية الوطنية، واعتماد أساليب جديدة للتدبير والتمويل، وإعادة تنظيمه بما يتيح انسجاما أكبر للنموذج البيداغوجي الجديد "للمدرسة المغربية"، وفيما تتمثل الرافعة الثانية في تثمين التكوين المهني من خلال اقتراح سلسلة من التدابير تروم إعطاء صورة إيجابية عن التكوين المهني، وتأكيد دوره المحوري في تحقيق الانصاف وتكافؤ الفرص والاندماج الاجتماعي.
وتقترح الرافعة الثالثة، إرساء المستلزمات الضرورية لإنجاح ورش إعادة بناء منظومة التكوين المهني، بالتأكيد على أدوار كل من الجهات والمقاولات، وإبراز مدى أهمية الاعتماد على مؤهلاتها وإمكاناتها لتطوير التكوين المهني، وجعل عرض التكوين يساير السياسات العمومية في مجال التشغيل، مع التركيز على أهمية اعتماد سياسة فعالة للدعم الاجتماعي للسباب غير المتمدرس وغير المتوفر على تأهيل مهني.
وأوضح الميراوي أن الأهداف المرجوة من إعادة البناء، هو تحقيق الاستمرارية بين مسارات التعليم والتكوين داخل المنظومة التربوية، وضمان أكبر ملاءمة ممكنة ما بين التكوينات المقدمة وحاجيات سوق الشغل من جهة، والاستباق المستمر للتحولات التي تعرفها المهن والكفايات من جهة ثانية، وتحسين المردودية الكمية والنوعية للتكوين المهني، والارتقاء بالتكوينات المهنية والممهننة داخل المنظومة التربوية وتثمين دورها في الترقي والاندماج الاجتماعي للأفراد، وتوفير ما يلزم من الكفاءات والطاقات المؤهلة لجلب واستدامة الاستثمارات الخارجية وتدعيم تنافسية الاقتصاد الوطني.
وأفاد الميراوي أن تحديات التكوين المهني مطروحة في العالم ككل، وفي البلدان النامية على الخصوص، مشيرا إلى أن هذه التحديات كبيرة خاصة في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي، حيث إنه في أفق 2030 سيتغير سوق الشغل، وبالتالي "نحن بحاجة إلى تكوين مهني يكون في صلب هذه التغيرات، تكون له جاذبية وبرامج جديدة تساير هذه التحديات، التي يمكن أن نحولها إلى فرص، خاصة وأن بلادنا اليوم تتوفر على فرص كبيرة لتساير الوضع".
وذكر الميراوي أن 65 في المائة من خرجي التكوين المهني يجدون عملا بعد تسعة أشهر، و80 في المائة بعد ثلاثة سنوات، حسب المندوبية السامية للتخطيط، مضيفا أن 300 ألف شاب يغادرون الدراسة بدون دبلوم أو شهادات، وهؤلاء يجب إعادتهم إلى مقاعد الدراسة.
وأبرز الميراوي أهمية تمكين الطلبة، وإتقان اللغات الثلاثة، العربية والفرنسية الإنجليزية، لأن ذلك أصبح مسألة ملحة في الوقت الراهن.
وأوضح الميراوي أن إنجاز هذا التقرير يسعي لبناء إطار مرجعي استراتيجي وخارطة طريق للتكوين المهني الأساس، توفر أفضل الشروط من أجل إعادة بناء منظومة التكوين المهني ببلادنا.