شخص التقرير الصادر أخيرا عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول موضوع « تغيير النموذج المعتمد من أجل بناء صناعة دينامية في خدمة تنمية مطردة ومدمجة ومستدامة »، مكامن الخلل في النموذج الصناعي المعتمد في المغرب منذ سنوات، مؤكدا أن قطاع الصناعة غير مستعد بما يكفي لمواجهة التغير الجذري الناجم عن الثورة الصناعية الرابعة، التي يتحكم فيها أساسا التحول الرقمي وتغيير مفاهيم الشغل وموقع العنصر البشري في الإنتاج رغم النمو القوي للناتج الداخلي الخام الصناعي في بعض المجالات، سيما قطاع السيارات والطيران، وترحيل الخدمات على مدى العِقد الماضي.
وأبرز المجلس في التقرير نفسه الذي أنجزه المجلس في إطار إحالة ذاتية، وقام خلاله بقراءة نقدية للسياسات الصناعية المعتمدة حتى الآن في المغرب، قبل أن يعمد إلى دراسة آفاقها المستقبلية، على درب تحقيق تنمية شاملة يدعمها نمو مُطَّرد ومدمج ومستدام، أن النسيج الصناعي الوطني لا يزال ضيقا ومشتتا وقليل المرونة وضعيف الابتكار. وشدد التقرير الذي صادق عليه المجلس خلال دورته العادية الأخيرة، أن المخططات الثلاثة الخاصة التي وضعها المغرب، مند 2005 ، بالرغم من التقدم الذي أحرزته والنتائج الملموسة التي حققتها، إلا أن تنفيذها كثيرا ما واجه ولا يزال يواجه صعوبات تتعلق بضعف التجانس والانسجام مع السياسات العمومية الأخرى.
كما شدد التقرير على ضرورة إحداث قطيعة جذرية مع الماضي في ما يتعلق بعملية التصنيع في المغرب، سواء على مستوى صياغة الاستراتيجيات أو حكامتها أو تنفيذها، مؤكدا أن أهمية إحداث هذه القطيعة تزداد بالنظر للدور المهم، الذي تضطلع به الصناعة في الدفع بالقطاعات الأخرى للاقتصاد بأي بلد ومساهمتها الكبيرة في خلق مناصب الشغل، وهما بعدان استراتيجيان بالنسبة للمغرب. وأوضح المصدر نفسه أن دراسة قدرة النموذج الصناعي المغربي على الاستمرار، تظهر وجود العديد من مواطن الخطر تتهدده، إذا لم يتم بشكل استراتيجي ومضبوط إحداث تحول جذري على صعيد التنافسية، ورفع مستوى التصنيع، وتوسيع نطاق النسيج الصناعي، وتعزيز التكوين، مؤكدا على أن التحول الصناعي يجب أن يتم وفق تحليل ذي بعد استشرافي للنموذج المغربي يُسائل الأمة ككل ونموذجها المجتمعي، سيما في كل ما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية والتضامن الوطني، الذي يستند اليوم إلى مكون الشغل بالأساس. وكشف تقرير المجلس أن البلاد تقع في «فخ الاقتصادات ذات الدخل المتوسط »، أي بين مطرقة التموقع ضمن البلدان التي تكون فيها كلفة الشغل أقل، ما يهدد القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة، وسندان الحاجة إلى تحويل صناعتها لتوجيهها نحو قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى ولكن بمحتوى قوي من الابتكار » مشيرا إلى أن 80 في المائة من حجم نمو القطاع الصناعي مصدرها ستة قطاعات فقط، تهم أساسا السيارات والطيران وترحيل الخدمات، فضلا عن تحويل الفوسفاط والصناعة الغذائية، ومواد البناء. ودعا المجلس إلى تبني رؤية خاصة بنموذج صناعي جديد للمغرب يستند إلى العديد من الشروط المسبقة، تعد ركائز أساسية غير قابلة للتفاوض، تهم أولا اعتبار البعد الاجتماعي أساسا مهما
للعملية وجعله عنصرا من العناصر المهيكِلة للتنمية وليس نتيجةً لها، مع ضرورة مساءلة النموذج المجتمعي المراد اعتماده، وأنماط تفعيل قيم التضامن، التي ينبغي بالضرورة إعادة النظر فيها، فضلا عن تنامي دور الرأسمال البشري والابتكار، ميزة لرفع تنافسيّة البلاد وجاذبيّتها