دعا "نداء"، انطلق في التداول عبر وسائط التواصل الاجتماعي، أمس الثلاثاء، إلى الالتزام بقيم المواطنة، وإظهار الوجه الحضاري الراقي للمجتمع المغربي، قبل أن يطلق الحكم صافرة بداية بطولة كأس العالم 2030 لكرة القدم.
وجاء في "النداء"، الذي صاغته نخبة من الوطنيين تتطلع إلى الرقي بالسلوك العام، إن "الرهان الأكبر ليس في إنجاز الملاعب ولا الفنادق ولا المطارات، بل في السلوك، في التربية، وفي القيم التي يحملها المواطن أينما حل وارتحل"، مطالبين المغاربة بالتحلي بالأخلاق الحميدة والعيش المشترك قبل أن تنطلق صافرة الحكم في مونديال 2030، حيث جاء في هذا "النداء"، "يجب أن تنطلق صافرة الإصلاح الأخلاقي اليوم، حتى لا نكتفي بتنظيم بطولة جميلة من الخارج، مشوّهة من الداخل". وأضاف "من يظن أن التحدي الأكبر يكمن في بناء الملاعب أو تزيين واجهات المطارات، فإنه يختزل أزمة الوطن في مجرد إسمنت وإسفلت". بينما الحقيقة أن الورش الحقيقي ليس عمرانيا بل أخلاقيا، وأن المباراة الأصعب لن تُجرى فوق عشب الملعب، بل ستجرى مجازا في جودة خدمات كل المرافق العمومية، وعلى أرصفة الشارع العام، وفي جودة خدمات سائقي سيارات الأجرة، ومكاتب الاستقبال، وقاعات الدراسة وحتى داخل بيوت الأسر المغربية.
وللتعليق على هذه المبادرة، اعتبر العباس الوردي، المنسق العام لأكاديمية الشباب المغربي، في تصريح لـ"الصحراء المغربية"، أن مبادرة النخبة المغربية المثقفة عبر هذا "النداء" تشكل عملية تحسيس أساسية تؤكد أن الرهان لا يقتصر على المرافق الرياضية والفنادق والمطارات، بل هو في عمق سلوك كل فرد من المجتمع، المطالب بإبراز الوجه الحضاري والتربوي المشرق لأمة المغاربة، وقال "هذا الشيء الذي لا تستطيع أي كاميرا ذكية، ولا مذكرة أمنية، ولا توجيه إداري أن يحسمه". وأضاف أن "غياب روح المواطنة وتأخر الوعي الجماعي بات يشكل تهديدا حقيقيا". واستدل بما كشفته أحداث صادمة، مثل الاعتداء على رجل إطفاء من طرف متظاهر في بني ملال، أو مشاهد الفوضى التي صاحبت احتفالات عاشوراء الأخيرة ببعض المدن، وهي كلها مشاهد سلبية رصدها "النداء"، وتكشف عن فقدان معنى الوقت والانضباط، وتؤكد أن الأزمة أعمق من أن تُعالج بالقبضة الأمنية وحدها. وتابع أن "الدولة تستطيع أن تؤمّن الملاعب، لكن من سيؤمّن عقول المشجعين؟. إن الجوهر إذن ليس في البنية التحتية، بل في البنية التربوية والأخلاقية. وعندما يلجأ بعض ممثلي السلطة إلى الصراخ والتهديد بدل التدبير والحكمة، فإنهم يعمّقون الإحباط ويكشفون بدورهم عن أزمة ثقافة سياسية وإدارية، لأن المجتمع لا يُقاد بالوعيد بل بالتربية والقدوة".
واعتبر الوردي أن المغاربة في حاجة إلى ثورة ثقافية هادئة، "تستعيد فيها الأسرة وظيفتها التربوية، وتُدرّس المدرسة قيم الاحترام قبل الجغرافيا، وأن يبث الإعلام القيم بدل الرداءة، وأن يتعلم رجل السلطة فن التدبير بدل الصراخ، وأن يُوظَّف المال العام في تكوين الإنسان قبل الحجر". وتساءل "كيف نشيّد مطارات عصرية بخدمات متأخرة، ونبني ملاعب بمعايير عالمية ثم نملأها بجماهير تُفرغ غضبها بالشتائم". إن "مونديال 2030" لن يكون مجرد حدث رياضي، بل امتحان حضاري شامل. إما أن نثبت للعالم أن المغرب قادر على أن يشرّف بتقاليده وقيمه قبل ملاعبه، أو ننظّم بطولة "جميلة من الخارج، لكنها مشوّهة من الداخل".