في نهاية كل سنة مدرسية، يواجه الآباء والتلاميذ المقبلون على ولوج الجامعات والمدارس العليا إشكالية من نوع خاص ترتبط بالتوجه الذي يمكن أن يتجاوب مع وطموحاتهم في الحصول على تكوين يتلاءم مع مؤهلاتهم المدرسية وقدراتهم الفكرية.
هناك من التلاميذ من يعيشون قلقا كبيرا في هذا الصدد، ويزيدهم قلقا أحيانا تدخل الآباء وأولياء الأمور في توجيهم، وهو توجيه غالبا ما لا يرضي التلميذ بقدر ما يرضي طموح الأبوين فقط، وهذا ما يستدعي في الواقع تدخل الموجه التربوي، كإطار تعتمده المؤسسات العمومية كما الخاصة لتقديم الاستشارة اللازمة للمعني بالأمر بناء على ما هو متوفر من تكوينات في الساحة وعلى ما يقدمه هذا التلميذ من كفاءة أو مقدرة على مسايرة هذا التعليم أو ذاك.
الموجه بدوره يواجه إشكالية التمثلات الخاطئة لدى التلاميذ وآبائهم عن مسارات عليا تضمن تكوينا أفضل، وتجاهل ما يتجاوب مع مؤهلاتهم التي بدأت تتشكل منذ التدريس الإعدادي. ولهذا يبدو دور الموجه رئيسيا يساعد على جعل طموح هؤلاء الأبناء والآباء معا متماشيا مع إمكانات التلميذ الخاصة والإمكانات التي يوفرها محيطه.
عن أهمية هذا الدور ومستجدات التوجيه، يتحدث الأستاذ والمستشار في التوجيه التربوي، حسن العيساتي في هذا الحوار:
الحدث الذي يستأثر بالاهتمام في الأيام الأخيرة، هو الانطلاق في التنزيل التدريجي للباكالوريا المهنية، التي تأتي في إطار تنويع العرض المدرسي، الذي جعلت منه الدولة هدفا لها.
فكما شهدت السنة الماضية تعميم الباكالوريا الدولية على جميع الجهات، سيتم هذه السنة توفير الظروف لانطلاق الباكالوريا المهنية. فمثلا، ستشهد مدينة فاس، التي أعمل فيها، إحداث شعب اللوجستيك والنقل والتبريد، والهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية، والسياحة، ومهن السيارات، والملابس والنسيج، وBTP، وTIC، والتجارة والتسيير... وهي تكوينات ستتم بين الثانوية التأهيلية ومراكز التكوين المهني لتتوج، في نهاية السنة الثانية، بالحصول على شهادة الباكالوريا المهنية، تخول لحاملها متابعة الدراسة بمستوى التقني المتخصص، بأقسام التقني العالي والإجازة المهنية، وكذلك ببعض مدارس المهندسين، كما أنها تخول الولوج إلى سوق الشغل.
من مميزات هذه التكوينات أنها انفتحت على قطاعات تعرف خصاصا مهولا، كقطاع النقل واللوجيستيك. فمثلا لو تم اكتشاف البترول في المغرب، فإننا سنواجه مشكلا حادا في وجود مختصين في النقل واللوجيستيك. لهذا فإن التوجيه الجيد الذي نصبو إليه هو الذي يتفاعل مع متطلبات المرحلة ويلبي الحاجيات الحالية والحاجيات المحتملة في المستقبل بناء على دراسات علمية لتطور سوق الشغل بالمغرب.
أما في ما يخص ما بعد الباكالوريا، فالجديد الذي يحضرني حاليا، هو دراسة الصيدلة التي سيتم الولوج إليها مباشرة، ابتداء من الموسم الجامعي المقبل2015-2016، خلافا لما كان سابقا، حيث كان يفترض الحصول على ديبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG)، حسب ما أعلنت عنه الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبحث العلمي، أمام مجلس المستشارين.
كثيرون يعتقدون أن الآفاق الدراسية لما بعد الباكالوريا محدودة، لكن هناك إمكانيات للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي في عدة مجالات، وبالنسبة لجميع الشعب، سواء أدبية أو علمية أو تكنولوجية، نذكر هنا الكليات والمؤسسات ذات الطابع التقني والعلمي، قطاع التجارة وإدارة المقاولات، القطاع الفلاحي، القطاع البحري، القطاع السياحي، قطاع الهندسة المعمارية والأشغال العمومية وإعداد التراب الوطني، الإعلام والاتصال والتوثيق، قطاع التعليم، القطاع الفني والاجتماعي والثقافي، قطاع الطاقة والمعادن، القطاع الطبي وشبه الطبي، القطاع العسكري وشبه العسكري، والأقسام التحضيرية للمدارس العليا...
هذا في ما يخص الاختيارات، غير أن الطموحات بطبيعتها تكون عالية، وتتأثر بشكل كبير بالمحيط وبالتمثلات الاجتماعية لقطاعات معينة تكوِّن لدى التلاميذ صورة مثالية تجعل منها أهدافا لمشاريعهم الشخصية بالدرجة الأولى، لهذا فإن من مهام المستشار في التوجيه، ليس فقط الإعلام في نهاية السنة الختامية للباكالوريا عن المدارس العليا، بل مواكبة المتعلم من خلال اكتشاف المهن ومسار المهن منذ سنوات التمدرس الإعدادية، بشكل يجعله يعرف جيدا ذاته ومحيطه المدرسي والمهني، ما يساعد على جعل طموحه متماشيا مع إمكاناته الخاصة والإمكانات التي يوفرها محيطه.
التواصل مع الهيئات الممثلة للآباء لا يتوقف، بل ويتم بشكل دوري. لكن انخراط بعض الآباء في هذه الهيئات، وأخص بالذكر جمعيات أباء وأولياء التلاميذ، هو الذي يطرح مشكلا. للأسف هناك عزوف ملحوظ لأولياء الأمور عن حضور بعض اللقاءات التي تنظم لهذا الغرض، خصوصا في العالم القروي.
في المقابل، نجد لجوء البعض لمواقع إلكترونية، تشكل صفحات بعضها خطرا على التلاميذ لما تتضمنه من معطيات غير دقيقة، وأحيانا مغلوطة تماما، وهو ما أود تنبيه الآباء إليه، من خلال منبركم المحترم.
ومع ذلك، فمن خلال تواصلنا مع الآباء في محطات مختلفة، نحاول من موقع المسؤولية التربوية الملقاة على عاتقنا تصحيح بعض التمثلات الخاطئة لدى فئة كبيرة منهم، مع استحضار طبعا القلق العادي والرغبة والطموح المشروعين لدى هؤلاء الآباء في رؤية أبنائهم وهم يتابعون دراستهم الجامعية في معاهد عليا تؤهلهم لمستقبل أفضل.
كما قلت سابقا، فإن التكوينات بعد الباكالوريا تشمل جميع القطاعات، ولكن المحدودية في عدد المقاعد التي تستقبل هذه المؤسسات كل سنة، تنعكس بشكل مباشر على المعدلات والعتبات المؤهلة لولوج هذه المؤسسات، ما ينعكس سلبا على ولوج التلاميذ الذين لا يتوفقون في الحصول على معدلات عالية.
أود أن أوجه رسالة إلى بعض المؤسسات الخاصة، التي تقدم بعض المتطفلين على الميدان كمستشارين في التوجيه، علما أنهم لم يستفيدوا من أي تكوين في المجال.
فالمستشار في التوجيه التربوي هو إطار تربوي تدرج في عدة مستويات، فقد خبر العمل في التدريس لمدة خمس سنوات على الأقل، وبعدها تلقى تكوينا في مركز التوجيه والتخطيط التربوي لمدة سنتين إلى أربع سنوات حسب الإطار، إضافة إلى التكوين المستمر الذي تقوم به هذه الفئة، ناهيك عن التكوين الجامعي العالي للغالبية المطلقة في ميادين السوسيولوجيا وعلم النفس والاقتصاد والإعلام، تجعل منهم أطرا يدققون ويحسبون ألف حساب للمعلومات التي يقدمونها، لاستشعارهم خطورة تقديم المعلومات الخاطئة والمتسرعة، فلا يكفي إطلاقا أن يكون الشخص ملما ببعض آليات التعبير والتواصل وبعض تقنيات الكوتشينغ ليتطفل على الميدان، ويقوم بتقديم استشارات للتلاميذ تنتقص أحيانا من مجهود ودور أطر مختصة تلقت تكوينا للقيام بهذه المهام التي جعل منها الميثاق الوطني للتربية والتكوين دعامة أساسية.