الغلاء يحرم أبناء الفقراء فرحة العيد

الثلاثاء 30 شتنبر 2008 - 09:58

يحرم الغلاء أبناء الفقراء فرحة العيد، ويسبب مشاكل اقتناء ملابس تناسب القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المغاربة، خصوصا في بعض البوادي والأحياء الشعبية.

الذين يعبرون في مناسبات عدة عن إحباطهم في تحقيق رغباتهم، وتلبية طلبات أبنائهم، بسبب الزيادات المتوالية، التي مست جميع المواد الأساسية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية.

ويواجه ذوو الدخل المحدود صعوبات مادية في بعض المناسبات الخاصة والأعياد، يتجاوزونها بالقروض، والادخار أحيانا، وبالحرمان أحيانا أخرى، وأصبحت لغة التجاوز والاستغناء عن بعض المواد في الحياة اليومية أمرا عاديا بالنسبة لعدد من الأسر المغربية، كما أصبح وقاقعا معاشا يعانيه الصغار والكبار على حد السواء.

ويتفهم بعض الأطفال الأزمات المادية التي يعانيها الآباء، والتي تفرض عليهم الردوخ للأمر الواقع، غير أنهم يشعرون بالحزن والأسى للفرق الشاسع، الذي يبدو في عدد من الأماكن بينهم وبين أبناء الأغنياء، الذين توفر لهم ظروفهم المادية، كل ما يحلمون به.

ورصدت "المغربية" انطباعات عدد من الآباء في محلات تجارية بالدارالبيضاء، عند اقتنائهم ملابس الأطفال، استعدادا لاستقبال العيد، وأجمعوا في تصريحاتهم على أن ارتفاع الأسعار، يحول دون شراء ما يرغبه الأبناء، كما أكدوا أن الغلاء الذي مس المواد الأساسية في الحياة اليومية رفع من قيمة الميزانية التي خصصوها لمصاريف البيت خلال رمضان، وأثر ذلك على المبالغ التي كانوا وفروها لشراء ملابس العيد.

وأكد التجار، من جهتهم، أن ظاهرة الغلاء التي استفحلت منذ بداية هذه السنة، أثرت أيضا سلبا على الرواج التجاري، بسبب التراجع في المبيعات، وضعف الإقبال بالنسبة للزبناء بالمقارنة مع السنوات الماضية، مشيرين إلى أنه في الماضي، كان الناس يشرعون في شراء الملابس منذ بداية رمضان، استعدادا للعيد، وكان الأسر تشتري بذلتين أو ثلاث للطفل الواحد، ما يفيد أن التي تتوفر على ثلاثة أطفال تشتري تسع أو عشر بذلات، بمبلغ مالي لا يتعدى 1000 أو 1500 درهم، بينما أصحبت تكتفي في الوقت الحالي، بشراء بذلة واحدة للطفل الأصغر، وتحرم الأبناء الذين يكبرونه سنا، لأنهم، حسب قولهم، يتفهمون الأزمة المادية التي تمر بها الأسرة.

وأكد التجار أيضا وجود تفاوت في أسعار الملابس، حسب الجودة، وحسب السوق والمواقع التي توجد بها المحلات التجارية،إذ يتراوح ثمن سراويل الأطفال بين 100 و450 درهما، والأقمصة بين 80 و300 درهم، ويشيرون إلى وجود محلات تجارية بالمدن الكبرى، خصوصا الدارالبيضاء والرباط، تعتمد على الاستيراد تطلب أثمانا مرتفعة وصفوها بالخيالية، بالمقارنة مع المصنعة في المغرب، وتوجه لشريحة معينة.

وفسر بعض التجار ضعف مبيعاتهم خلال رمضان الحالي، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، لتزامنه مع مناسبة الدخول المدرسي، إذ أن بعض الآباء مايزالون بصدد البحث على بعض المقررات، بالإضافة إلى مشاكل توفير واجبات التمدرس، بالنسبة للدراسة في القطاع الخاص، الذي تحول بدوره إلى تجارة "تمتص رواتب المواطنين"، حسب تعبير العامة.

وأجمع بعض الزبناء في محل تجاري، بالمعاريف، في تصريحاتهم لـ"المغربية" على أنه رغم الغلاء، يجب على الآباء إسداء واجبهم تجاه أبنائهم الصغار في هذه المناسبة، وفضلوا تأجيل شراء ما يحتاجونه في بداية الدخول المدرسي كي يتزامن مع مناسبة العيد، ليضربوا بذلك عصفورين بحجر.

وقال ربيع، أب لطفلتين، لـ"المغربية" إنه يبذل كل ما في وسعه لشراء ملابس جديدة في العيد لطفلتيه في العيد، خصوصا، وأنهما صغيرتان، تلتقيان مع صديقاتهما وتتبادلا الافتخار والتباهي، ولا يمكنني حرمانهما من متعة الاعتزاز بملابسهما، غير أن الأمر سيتغير عند تجاوزها السن العاشرة مثلا، لأنه، حسب قوله، سيشرح لهما بأن ظروفه المادية لا تسمح له بمواكبة أسعار بعض المنتوجات.

وأكد سمير الفكرة نفسها، إذ قال لـ"المغربية" إنه لا يود حرمان أطفاله من فرحة لقاء أصدقائهم في الحي بملابس جديدة، خصوصا وأنه مر بتجربة في العيد السابق، حين امتنع أبناؤه عن زيارة جدهم، بحجة أنهم لا يتوفرون على بدل جديدة، لأن العيد بالنسبة لهم هو الحلة الجديدة التي يخرجون بها.

وأوضحت سعاد، التي كانت توجد في المحل نفسه، لـ"المغربية" أن هناك أطفالا لا يتفهمون الأزمة المادية التي يعانيها الآباء، رغم كبر سنهم، مشيرة إلى أن ابنتها، البالغة 15 سنة، تريد بدورها شراء ملابس من المجمع التجاري بن عمر بالمعاريف مثل أختيها اللتان يصغرانها سنا، وعبرت عن غضبها بامتناعها عن الأكل لمدة يومين، وكان الحل بالنسبة للأبوين أن اقترضا من أحد الزملاء في العمل لتلبية رغبتها، حتى لا تحس بالميز داخل الأسرة.

وأضافت سعاد أنها مصاريف رمضان "امتصت" كل ما وفرته لاستقبال بعض المناسبات، ولجأت إلى الاقتراض، لتوفير حاجيات البيت، خلال ما تبقى من شهر شتنبر، موضحة أن الوضعية يعيشها جل زملائها في الشركة، الذين يبدأون في عمليات السلف بعد مضي أسبوعين فقط على تقاضيهم الأجرة الشهرية.

وفي درب القريعة، اختنقت حركة السير، بسبب كثرة المواصلات، نهاية الأسبوع الماضي، وفسر أحد التجار الأمر باقتراب العيد، وتوجه العديد من المواطنين إلى هذه السوق، التي أصبحت تضاهي أغلبية أسواق المدينة، وقال لـ"المغربية" إن الحركة "ميتة" هذه السنة، بالمقارنة مع السنة الماضية، لأن الغلاء "قضى على رغبات الأسر، وأصبح توفير الخبز وسد القروض، أساسيين لفئة واسعة من المجتمع المغربي". وإذا كان الرواج ضعيف حسب هذا البائع، فإنه "لابأس به" حسب صاحب محل لبيع سراويل "الدجينز" بجواره الذي عبر عن اقتناعه بما يكسبه كل يوم خلال رمضان بقوله "الله يجعل الباركة، الخير موجود، والحركة دايرا".

ومن جهته قال عبد الكريم، أب لطفلين، في سوق القريعة، لـ"المغربية" هناك أسعار تتماشى مع القدرة الشرائية لجميع الفئات الاجتماعية، لأن أسعار السراويل تتراوح بين 50 و 200 درهم، كما توجد أحذية رياضية بأثمان رخيصة وغالية، غير أن المنتوج الجيد له ثمنه الخاص.

وأضاف عبد الكريم، أن زوجته نفسه، لم تود مرور هذه المناسبة من دون شراء لباس جديد، لأنها تلتقي كل عيد في منزل أبيه مع زوجات إخوته،اللواتي يلبسن آخر ما استجد في عالم اللباس التقليدي، رغم المشاكل المادية التي يواجهونها في حياتهم اليومية.
وذكر أن محلات خياطة في الأحياء الشعبية، ومحلات بيع اللباس التقليدي التقليدي الجاهز في حي الأحباس تسجل رواجا بمناسبة العيد، وأن هناك رجالا يقبلون على شراء لبسة العيد من المنطقة نفسها، لأنه اشترى بدوره "كاندورا" و "بلغة" ليذهب بهما لزيارة الأهل وإحياء صلة الرحم في العيد.

وإذا كان هناك مواطنون يحاولون تلبية رغبات الأبناء عبر بالقروض والادخار، فإن العديد من الأطفال في الأحياء الفقيرة وفي بعض القرى والمناطق النائية يخروجون يوم العيد بملابس قديمة، ولا تعبر بالنسبة إليهم عن الفرحة التي كانت تشعر بها الاجيال السابقة في السنوات الماضية، إذ كانت الأعياد مناسبة لشراء ملابس جديدة، يستغلها الآباء لتوفير ما يحتاجه أبناؤهم من لباس لشهور عدة خلال السنة.

وفي تصريحها لـ"المغربية" قالت عزيزة، إن حصوصيات العيد في بعض الأحياء البيضاوية تغيرت بسبب الغلاء الذي مس المعيشة، وأصبح هذا اليوم كسائر الأيام، خصوصا بالنسبة لأبناء الأسر المعوزة، الذين دأبوا على الحرمان والشعور بالإحباط لعدم استفادتهم من الظروف وبعض المواد التي توفرت لأقرانهم من لبتس من نوع جيد، ولعب، وأكل، وتمدرس، وتطبيب، مضيفة أن تغطية المصاريف اليومية، وسد الديون، أصبحا الهاجس الذي يرهق الفقراء، حاليا، في العديد من المناطق المغربية.




تابعونا على فيسبوك