مهاجرون مغاربة في رمضان

يتآزرون في ما بينهم ويحرصون على أداء الصلاة في المساجد

الثلاثاء 25 شتنبر 2007 - 08:54
مهاجرون مغاربة من منطقة كيبوسكوا الإسبانية يجتمعون حول مائدة الإفطار

تعيش نسبة مهمة من المهاجرين المغاربة خصوصا، والمسلمين عموما، المقيمين في مختلف المدن الإسبانية، أجواء رمضان في خشوع وتضرع، مستغلين شهر الصيام لتكريس أواصر التآزر والألفة بين أبناء الجالية المسلمة المهاجرة.

ويحرص معظمهم على استغلال الشهر المبارك، لتلقين أبنائهم تعاليم دينهم الإسلامي، وملء المساجد والعمل على تركها مفتوحة طيلة اليوم، في وجه المسلمين وغير المسلمين، بهدف خلق جو من التفاهم وفتح باب الحوار بين الجميع
ويعمل هؤلاء المهاجرون على توزيع الطعام في المساجد عند حلول وقت الإفطار، خاصة بين فئات المعوزين الذين يوجدون في وضعية مادية مزرية

ليلى وهبي مغربية مقيمة بمدينة مورثيا الإسبانية منذ أكثر من 12سنة، تملك محلا للجزارة في ساحة الصليب الأحمر في المدينة نفسها، حيث تشتغل يوميا دون تمتع بيوم عطلة، تعتبر شهر رمضان المبارك، فترة من السنة التي لا يوجد فيها فرق بين الغني والفقير، لأن الكل يمر من تجربة الإحساس بالجوع والامتناع عن الطعام لفترة من اليوم، من طلوع الشمس إلى غروبها

وتقول ليلى إن رمضان يوقظ في نفوس الأغنياء الإحساس بالآخر والتفكير فيه، ومعرفة ما معنى الحاجة والجوع، وبالتالي يولد لديه الرغبة في التعاطف مع الآخرين ومد يد المساعدة لهم
وتحكي ليلى ليومية إسبانية أنه خلال الأيام الأخيرة من كل رمضان تتطوع رفقة مجموعة من المهاجرين من أبناء المنطقة التي تقطن فيها في مورثيا، لجمع التبرعات والأموال وتوزيعها على المعوزين

وتذكر أن والديها اللذين تعيش معهما رفقة ابنها في المنزل نفسه يشجعانها على عملها وتفانيها في خدمة الصالح العام
وتفيد ليلى أنه رغم وجودها وسط أبويها إلا أنها تشعر باستمرار بالحنين إلى الوطن وإلى العيش فيه، والتمتع بخصوصيات التقاليد، خاصة خلال شهر الصيام
وتروي أن أيام رمضان في المغرب تختلف كثيرا عن التي يعيشونها في إسبانيا، مشيرة إلى أن الأجواء التي تعم الشوارع خلال رمضان في البلد الأصل تكاد تشبه أيام العيد
وتقول إنها تحاول جاهدة أن تعيش الأجواء نفسها في مكان إقامتها مع الأسرة في مورثيا، إذ تحرص على أن تكون مائدة الإفطار متنوعة، وأن تشمل كل المأكولات المعروفة مثل الشباكية، والحلويات الأخرى كـ البريوات، والرغايف والمسمن والبغرير، وتصر على تقديمها بالعسل والزبدة، إضافة إلى الحريرة التقليدية المهيأة بالحمص والعدس والفول والطماطم والقزبرة والمقدونس

وتعترف أن النكهة التي تعم المنزل خلال تحضيرها هي التي تشعرها بأنها تعيش أيام رمضان حقيقية، شبيهة شيئا ما بما عرفته في بلدها الأم
ورغم أنها تعيش في الغربة، وفي بلد به أقلية مسلمة، إلا أنها و مجموعة من أبناء الجالية المغربية والمسلمة المهاجرة القاطنة بمورثيا، يجتمعون أحيانا كثيرة ويحملون إلى المساجد طيلة شهر رمضان المأكولات ويلتفون كلهم حول المائدة نفسها تعبيرا عن التآلف والتآزر والتضامن في ما بينهم
وتوضح ليلى أنه خلال رمضان يكثر مسلمي منطقة مورثيا، الذين يبلغ عددهم 60 ألف شخص، من ملازمة المساجد وقضاء أوقات مهمة في الصلاة والدعاء مع الحرص على عدم الاختلاف وعلى لم شمل المتخاصمين وحثهم على الصلح والتلاؤم

كما أنهم يتهيأون لاستقبال العيد كما في بلدانهم الأصلية، إذ يحرصون على شراء الملابس الجديدة والهدايا للأطفال
وفي صبيحة يوم العيد يتجهون إلى المسجد لأداء صلاة العيد وتبادل التحيات في ما بينهم
الجو نفسه يحرص على عيشه الـ 3 آلاف مسلم في منطقة كيبوسكوا، إذ يفضل البعض منهم إحياءه بين أحضان العائلة داخل منازلهم، فيما يرى البعض الآخر أهمية الإفطار الجماعي في أحد المساجد الخمسة الموجودة في المنطقة، بهدف تكريس التآزر بين مسلمي المدينة، خاصة وأنه خلال باقي أيام السنة يكون الكل منشغلا بالعمل والاستجابة لمتطلبات العيش يرى معظم المهاجرين المسلمين في كيبوسكوا أن أيام رمضان تعتبر فرصة

ويقول لحسن إيبيكي أوحضار ومحمد الدحماني، مهاجران مغربيان يعيشان في مدينة كيبوسكوا منذ حوالي 40 سنة، أن رمضان هو الفترة التي يكثر فيها اللقاء بين أبناء الجالية المغربية، خاصة، والمسلمة عامة، في المنطقة، إذ يتواصلون يوميا خلال أوقات الصلاة في مسجد الرنتيرية
ويعتبر كل من لحسن ومحمد، رمضان مناسبة ينهلان فيها من تعاليم الدين الإسلامي، ويزيدان من رصيدهما في فهم أسس الواجبات الدينية، كما تكون لديهما الفرصة لحفظ بعض السور القرآنية
ويشيدان بجو التآلف والأخوة الذي يميز العلاقات بين أبناء الجالية من المهاجرين، متمنيان أن يسود الجو نفسه خلال أيام السنة كلها، لكي يتمكن الجميع من القضاء على الإحساس بالغربة
ويعمل كل من لحسن ومحمد خلال رمضان على حث مسلمي منطقة كيبوسكوا ودفعهم لمساعدة المحتاجين من المهاجرين، خاصة الذين يوجدون في وضعية صعبة والمعوزين، إذ يسهران يوميا، عند حلول وقت الإفطار، على توزيع التمر والحريرة، والحليب والقهوة والشاي، وغيرها من المأكولات في مسجد الرنتيرية
ويشرح إيبيكي أوحضار أن رمضان يكون مناسبة، خاصة بالنسبة إلى فئة الشباب من المهاجرين للابتعاد عن الممارسات المشينة، ولو أن أيام رمضان تؤجج الحنين إلى الوطن، إلا أن اللقاء في المساجد يخلق جوا من الألفة بين جميع المهاجرين المسلمين
وللإشارة، يكثر اهتمام الجالية المسلمة بمنطقة كيبوسكوا بتلقين أبنائهم تعاليم الدين الإسلامي، كما تنتشر المدارس لتعليم اللغة والتعاليم الدينية، وأيضا المساجد، إذ يوجد بها تسعة منها الرنتيرية والأيبار وزوماراكا وأزكويتيا، والأوريو
وتشتمل معظم هذه المساجد على باحة كبيرة للصلاة ومرافق أخرى، إضافة إلى مصلى خاص بالنساء
ويلج إليها يوميا عدد مهم من مسلمي المنطقة، كما يسمح بدخولها لغير المسلمين، مع الحرص على أن تبقى مفتوحة طيلة النهار، رغبة في فتح الأبواب أمام الجميع للتعرف على أسس وتعاليم الدين الإسلامي

ويصر مسلمو المدينتين المغربيتين السليبتين، سبتة وامليلية، على إحياء شهر رمضان، ومنح أيامه صبغة خاصة، إذ يقومون بتزيين بعض الأزقة، خاصة التي تقطن فيها أغلبية مسلمة، بالمصابيح والرايات الملونة

ويغير الصيام من مجرى الحياة اليومية بالنسبة لما يناهز 40 في المائة من سكان المدينتين

يحكي بعض مسلمي المدينة لـ المغربية أن المقاهي تظل فارغة من الزبائن من المسلمين

كما أن ساعة الإفطار تكون معروفة لدى الجميع، إذ عند حلولها، ترى كل صائم يسارع في الوصول إلى بيته، لتبقى الشوارع فارغة من المارة، إلا من بعض الإسبان
وبعد ساعة، تعود الحركة والنشاط، وتتجه المجموعات هنا وهناك نحو المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح

وتشير رحيمو، من مسلمات سبتة، إلى أنها تحرص على أن تكون مائدة الإفطار مشابهة لما هو معروف في كل المدن المغربية الأخرى، غنية ومتنوعة، إذ تحضر يوميا »الحريرة«، الأكلة المغربية الرمضانية مائة في المائة، والتي تقدم في غير رمضان لكن خلال هذا الشهر العظيم تقدم يوميا، إضافة إلى التمر و الشباكية، والرغيف والبغرير، وغيرها من العجائن المعسلة

وتضيف أن أكثر ما يبعث في نفسها البهجة والفرحة هي الألفة التي تعم بين أفراد الأسرة، عند حلول وقت الإفطار، إذ ما إن يؤذن المؤذن، إعلانا بدخول وقت الإفطار، تبدأ العائلة بعد البسملة و الدعاء بتناول التمر إما واحدة أو ثلاث، وشرب الحريرة مع الشباكية وهي ملتفة حول المائدة

وتشرح رحيمو أن المواد التي تستعملها في تحضير الحريرة هي نفسها التي تستعمل في كل المغرب، إذ أنها تشمل مكعبات لحم غنم خالية من العظم والدهن، والتوابل، والسمن، والكرفس والكزبرة والمقدونس والبصل والطماطم والعدس والحمص، إضافة إلى عيدان من المعكرونة الرقيقة والبيض والدقيق

وتقول إن رائحة الحريرة في الطبخ اليومي هي العلامة التي تجعلها تحس أنه شهر صيام
وتميز شهر رمضان في برشلونة، المدينة التي تستقطب عددا كبيرا من أفراد الأقلية المسلمة في منطقة كاتالونيا، بتدشين مسجد جديد يمكن أن يستوعب أكثر من 400 مصل

ويرى المجلس الإسلامي في كاتالونيا، أن مطلب بناء مسجد كبير في برشلونة يعود إلى أكثر من 10 سنوات، غير أن هناك ترددا واضحا من جانب الحكومة المحلية التي سبق أن أعطت وعودا بالسماح ببناء المسجد قبل أن تجمد القرار دون الإدلاء بمبررات منطقية، علما أن عدد المهاجرين المسلمين في كاتالونيا يتجاوز نصف مليون نسمة، حسب إحصائيات غير رسمية، أغلبهم من المغاربة والباكستانيين، في حين تفيد السلطات بوجود مائتي ألف مسلم في المنطقة على الأقل، دون احتساب الإسبان الذين اعتنقوا الإسلام، والذين يقدرون ببضع المئات

وقال جمال التواقي مستشار المجلس الإسلامي بكاتالونيا، أن هناك حرصا واضحا من أفراد الجالية المسلمة على إقامة الصلاة في المساجد، ما يتطلب الإسراع في بناء مسجد كبير، مضيفا أن للمساجد دورا كبيرا ليس في أداء الصلوات فقط، بل أيضا في إفطار الصائمين الفقراء

وأوضحت يومية لابانغوارديا الكاتالانية، أن المسجد الذي افتتح في منطقة رامبلا دي رابال، يفد إليه بشكل كبير أفراد من الجالية المسلمة المقيمة بالمنطقة، خاصة المغربية والباكستانية، مشيرة إلى أن المنطقة ما زالت في حاجة إلى مساجد أكبر حجما واتساعا، لاستيعاب الآلاف من المصلين، خاصة في أيام الأعياد، والاستجابة للأعداد المتزايدة من المهاجرين المسلمين في كاتالونيا

وأضافت اليومية أن صلوات عيد الفطر والأضحى ما زالت تقام مثل كل عام في الملعب الرياضي المغطى بوليديبورتيفو، مذكرة بوجود مئات من المصلات الصغيرة التي لا تستوعب أحيانا أكثر من 10 مصلين

افتتاح مسجد جديد خلال شهر رمضان لم يقتصر على برشلونة، بل جرى أيضا تدشين آخر في مدينة مالقة جنوبي البلاد، وهو مسجد يتوقع أن يستوعب بضع مئات من المصلين، إضافة إلى مساجد أخرى صغيرة في مدن مايوركا وويلبا ومورسية، ما يترجم الاهتمام الواسع الذي يحظى به شهر رمضان في إسبانيا، والذي يعبر عنه عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية، في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين المسلمين الذين تقدر أوساط شبه رسمية عددهم الإجمالي بحوالي مليوني مهاجر مسلم

ويبقى الخبر الأكثر إسعادا للأقلية المسلمة مع بداية رمضان الحالي هو قبول السلطات مشروعا لبناء أكبر مركز إسلامي في أوروبا، وسيتجري إنشاؤه في مدينة مالقة، دون تحديد تاريخ بداية العمل في المشروع، الذي يؤجج حماس مسلمي إسبانيا

وقال محمد عفيفي مسؤول المركز الإسلامي بالعاصمة مدريد : إن حلول شهر رمضان عادة ما يمثل فرصة كبيرة لتقريب شعائر الإسلام من الإسبان، خصوصا في ظل الاهتمام الكبير لوسائل الإعلام بهذا الشهر المبارك، مضيفا أن النسبة المهمة من المهاجرين المسلمين الذين يواظبون على الصيام تساعد بشكل كبير في تلقي المركز عدد كبير من الأسئلة التي يوجهها إسبان حول الإسلام وموضوع الصيام في رمضان




تابعونا على فيسبوك