تتنامى حالاته في الصيف ويعتبره مراقبون ضربا لقيم الأسر المغربية

شباب يقبل على الزواج الأبيض للهجرة إلى أوروبا

السبت 08 شتنبر 2007 - 09:35

ينتعش الزواج الأبيض في فصل الصيف مع عودة المهاجرين المغاربة، ويلجأ إليه الشباب للوصول إلى الدول الأوروبية، عوض الهجرة غير الشرعية، بينما يراه المحللون الاجتماعيون عقد قران من نوع جديد يضرب قيم وعادات الأسر المغربية.

عرف الزواج الأبيض انتشارا واسعا بين الشباب بعدما ضاقت بهم الحياة في المغرب، وتشجيعا من طرف الآباء الذين تخلوا عن بعض القيم والمفاهيم المرتبطة بالزواج كنوع من التضحية في سبيل مصالح أبنائهم، إذ جازفوا بكل المبادئ التي كانوا يتشبثون بها في الماضي وعانقوا أفكارا جديدة تتماشى مع متطلبات المجتمعات الحالية.

ولقيت وثيقة عقد الزواج تشجيعا أحيانا بين الأسر لحل مشاكل أبنائهم وبناتهم باللجوء إلى بلاد الغربة، من أجل تحسين وضعيتهم أو بناء مستقبل استحال تحقيقه داخل المجتمع المغربي، إذ صرحت الشابة سماح العيدي، 28 سنة، لـ المغربية أنها تنتظر عودة ابن عمتها من فرنسا لعقد قرانهما حتى تتمكن من الهجرة والعمل في فرنسا، مع أنها تعرف أوضاع الجالية المغربية في هذا البلد الأوروبي، والمشاكل التي يعيشها المقيمون فيه، خاصة في السنين الأخيرة.

وأوضحت أنها مصرة على الذهاب إلى فرنسا أولا لتجرب الحياة فيها ويمكنها أن تنتقل بعد حصولها على أوراق الإقامة إلى أي بلد أوروبي.

واعتبرت هذه الخطوة أحسن من الإقامة في المغرب بدون عمل أو زواج، خاصة وأن الشباب لا يرغب في الارتباط بالفتيات العاطلات، إذ يفضلون العاملات اللائي يساهمن في التكفل بمصاريف الأسرة.

وأكدت الشابة المغربية أنها تنتمي لعائلة محافظة، كانت لا تسمح لها بالمبيت في منزل غير منزلها، ولا تتأخر في عودتها للبيت في المساء، إلا أنها لاحظت معاناتها، وتأكدت من الثقة التي منحتها لها، فوافقت على السفر مع شخص لن يكون زوجها.

ويلاحظ المحللون الاجتماعيون أن هناك تغيرا في عادات وتقاليد الأسر المغربية، فبعد تشبثها بتربية ونظام خاصين كانت تفرضهما في السابق على الفتاة إلى حين التحاقها ببيت زوجها، الذي يضمن التكفل بها وإعالتها، تشجعها حاليا على الهجرة عبر الزواج الأبيض من أجل إيجاد منصب شغل بعيدا عن مراقبتها ومتابعة خطواتها.

وتعمل الأسرة على إيجاد شريك حياة »شكلي«، تضع فيه ثقتها من أجل مرافقة ابنتها، وتضطر في غالب الأحيان لدفع مبلغ مالي مرتفع إذا كان الشاب لا ينتمي للعائلة، إذ قالت أم سعاد الحنفي، أنها اضطرت لدفع 40 ألف درهم مقابل زواج ابنتها من رجل في الحي، وقدمت له نصف المبلغ، على أن تدفع له الباقي بعد الحصول على وثائق الإقامة الشرعية في بلاد المهجر والطلاق.

وعبرت الأم عن خوفها على ابنتها، البالغة 26 سنة، من تصرف الرجل البالغ 57 سنة ونواياه، لأنها سمعت عدة حكايات تتعلق بتغيير الزوج اتفاقه، إذ ينقلب الزواج من صوري أو شكلي إلى زواج فعلي.

وأشارت أم سعاد إلى معاناة جيرانها مع مهاجر يعمل في بلجيكا تزوج ابنتهم مقابل 20 ألف درهم، من أجل تحقيق هجرة مضمونة للخارج، إلا أنه تشبث بها بعد وصوله إلى بلاد المهجر، لأنها فتاة جميلة جدا.

وذكرت أن ذلك المهاجر رفض في البداية الزواج الأبيض معبرا عن تشبثه بالتقاليد المغربية، وأنه غير فكرته بعدما رآها.

وعلمت عدة دول أجنبية بهذه الوسيلة التي تساهم في ارتفاع عدد المهاجرين داخل مجتمعها ففرضت عدة مساطر من أجل التحقق من مدى فعلية الارتباط الذي يربط الشباب المهاجرين، إذ صرحت إلهام النيري، مهاجرة تعيش في فرنسا، أنها كانت تخضع لمراقبة من طرف المساعدة الاجتماعية التي كانت تزور شقتها باستمرار حتى تتأكد من نوع الزواج الذي يربطها بشاب كان يعيش في فرنسا منذ 14 سنة.

وقالت في تصريحها لـ المغربية كنت أعلم أني سأخضع للمراقبة، فاكتريت شقة باسم الشاب الذي يفترض أن يعيش معي، وكلما قدمت المساعدة الاجتماعية كنت اخبره بذلك عبر الهاتف، علما أني كنت أحتفظ ببعض ملابسه وأشياء أخرى خاصة به في منزلي حتى لا أثير أي شك في علاقتي به .

وأشارت إلهام أن الشاب أوفى بالاتفاق الذي جرى بيننا، إذ تسلم من والدي 10 آلاف درهم، وبعد مرور سنة تقريبا، على إقامتي في فرنسا، توصلت بوثائق الإقامة، وقدمت له بقية المبلغ المتفق عليه بعد طلاقي منه .

وعن عملها في بلاد المهجر قالت المهاجرة المغربية إنها تعمل مربية أطفال لدى عائلة فرنسية، وساهم ذلك العمل في توفير باقي المبلغ الذي دفعته لزوجها السابق
وأكدت إلهام النيري أن زوجها الحالي وصل إلى فرنسا بنفس الطريقة، إذ أنها كانت تربطهما علاقة صداقة منذ الدراسة، ولما تمكنت من الهجرة وحققت إقامة شرعية بالمهجر، عادت إلى المغرب فتزوجته، مما مكنه من الالتحاق بها بعد سنة.

ويواجه الشباب عدة مشاكل خلال زواجهم من أجل الحصول على وثائق الإقامة والعمل في بلاد المهجر، إذ تطرح مشاكل التفاهم والاندماج في الحياة الغربية، خاصة بالنسبة إلى الشباب، الذين يواجهون الرفض والإقصاء من طرف أرباب العمل في الخارج، بعد تعدد الأحداث الإرهابية التي أساءت إلى صورة العرب والمسلمين في الغرب.

واعتبرت ثوريا المعيزي، مهاجرة مغربية تزوجت من فرنسي منذ 5 سنوات، من أجل تحقيق الهجرة، أن ذلك الإجراء أكبر خطأ يرتكبه الشباب ويؤدون ثمنه طوال حياتهم، ويتعلق الأمر بالحياة في »بلاد الغربة مقابل لقمة العيش وسط مجتمع لايعتبر العمل الذي نقدمه.

ويرى المحللون أن الزواج الأبيض يضرب التقاليد المغربية، ويتناقض مع الزواج الفعلي من حيث الهدف الذي أسس من أجله، إذ يخدم المصالح الخاصة، ويخضع لعدة حيل، ويتعرض فيه المستفيدون لابتزاز من طرف أشخاص يكسبون من وراء ذلك مداخيل سنوية دون أي مجهود.

قال علي شعباني، باحث في علم الاجتماع، في تصريحه لـ »المغربية« إن »الزواج الأبيض« مصطلح ظهر في المجتمع المغربي أخيرا مع انتشار ظاهرة الهجرة, وبعد تفشي البطالة بين الشباب.

واعتبره دخيلا على الثقافة المغربية، و لم يسبق تناوله من طرف كتاب ومحللين في الماضي، مشيرا إلى أن الزواج المعترف به شرعيا هو الارتباط الذي يجمع بين شاب وشابة ويخضع لمواثيق ومراسيم والتشريعات التي كانت ومازالت معروفة بين جل المجتمعات من أجل خلق أسرة.

وذكر أن الزواج الأبيض انتشر في المجتمعات الحالية نظرا لظروف اجتماعية واقتصادية، مشيرا إلى ظهور أشكال من المعاشرة في الدول الغربية بين الرجل والمرأة خارج نظام الزواج، يجمع بين طرفين تربطهما علاقة حب، ويتناقض من حيث الهدف مع الزواج الأبيض الذي يربط شابا وشابة من أجل تحقيق المصلحة فقط.

وأفاد أن الزواج الأبيض يقصد به عدم استهلاك الزواج، لأن الزواج الحقيقي يشترط فيه أن »يدخل فيه الزوج على زوجته وأن يجري بينهما كل ما تحدده التشريعات المدنية والدينية«، بينما الزواج الأبيض يربط طرفين على الأوراق بدون معاشرة ينتج عنها أولاد وتتكون عبرها أسرة.

وأفاد أن المقصود بالزواج الأبيض تغيير أوضاع اجتماعية، لفائدة فئة من الشباب المغربي التي ضاق بها الأفق ولم تستطع أن تحقق وضعا، خاصة في ما يتعلق بالعمل، إذ أخذت تتطلع إلى آفاق أخرى في مجتمعات أجنبية، عبر هذه الهجرة المقنعة.

وأكد علي شعباني أن الظاهرة تسببت في العديد من المشاكل، عانتها ومازالت تعانيها فئات معينة من المجتمع المغربي، ويتعلق الأمر بالنصب والاحتيال والابتزاز
ولاحظ أن هذا النوع من الزواج مس قيمة أساسية في الحياة الاجتماعية التي كانت لها عدة اعتبارات في السابق.

لأن الزواج كان يعبر عن علاقة مقدسة لا يسمح التلاعب في مفهومها أو مبادئها، بينما عبر الزواج الأبيض عن التغيير الذي طرأ على عادات وتفكير الأسرة المغربية، التي كانت تحدد لابنتها صفات معينة للشاب الذي ينوي التقدم لطلبها للزواج.

ولاحظ أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية غيرت عدة مفاهيم وأنظمة كان بتشبث بها رب الأسرة، إذ كان لا يسمح لابنته بالسفر وحدها، دون باقي أفراد الأسرة، ولاتستطيع التأخر إلى أوقات معينة من الليل، فأصبح يتساهل حاليا في الترخيص لها بالسفر خارج المغرب، بل والارتباط بطريقة غير شرعية مع شاب قد لا تعرفه أحيانا.

وأجمع عدة محللين على أن العوامل الاجتماعية التي ترتب عنها تفكك بعض القيم المرتبطة بالزواج كقيمة إنسانية، أدت إلى التشبع بمفاهيم جعلت من المال والمصلحة هدفا لكل ارتباط بين الجنسين.

ويرون أن هذا السلوك تلاعب بالزواج واستغلال له في غير ما وضع له، كما يعتبرونه نوعا من التلاعب والكذب، لأن نية الارتباط أو المعاشرة غير موجودة فيه أصلا، ولا يجوز تسجيله في المصالح الرسمية كما يسجل الزواج الصحيح.




تابعونا على فيسبوك