بعضهم يرجع السبب إلى ضغوط تمارس على الفتاة والبعض الآخر يعتبر الأمر تفرضه الحياة المادية للعصر

الشباب والعزوف عن الزواج

الإثنين 12 مارس 2007 - 11:45

أثار نقاش دون سابق إعلان في مجمع بمقهى، حيث ساقنا تبادل الحديث عن موكب زفاف مر أمامنا إلى تعليقات

ومقارنات بين ما كان عليه الزواج بالأمس وما أصبح يرفل به اليوم من تنكيت وسخرية، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي صار لها كلمة الفصل، وقد خلقت هذه الأوضاع العديد من السلبيات والبدع، أتت على أخلاقنا وقيمنا، وكانت النتيجة العزوف عن الزواج بقصد أو بغيره لدى العديد من شبابنا

فرغم تعدد الأسباب يبقى العزوف واحدا، تعالوا معنا من خلال هذه الدردشة لنستقرئ آراء جيل يسومون قساوة وهم هذه الضرورية الطبيعية، وفي البداية نأخذ رأي عبد الرحمان موظr، الذي صب جام غضبه على الأسر، باعتبارها تغالي في تحديد قيمة المهر وتبعات العرس وتكاليف تجهيز السكن، وغيرها من الأمور التي اضطرت حنواشي إلى تفضيل حياة العزوبية على ما أسماه بـ صداع الراس، فيما أضاف مصطفى مستخدم بلكنة ساخرة، قائلا، »لا أستطيع بالكاد توفير لقمة عيش لسد رمقي، فما بالك إذا ما انضافت لفمي أفواه أخرى، أتدري ـ يقول مصطفى إنه في الوقت الراهن المعادلة جد صعبة، وهذا ما لا تتفهمه الزوجة، في الكثير من الأحيان، وتضطرك لركوب الأهوال والمصائب والديون، لتلبية رغباتها المادية بالخصوص، ويضيف مع الأسف فبنات اليوم ومع استهلاكهن المستمر للمسلسلات المصرية، يعشن الوهم والخيال، فمنهن من تبحث عن بيت كبير وفراش وثير، وسيارة فخمة والخدم والحشم، وتحف وسفريات واللائحة طويلة، ومنهن من تعتبر الزواج مشروعا تجاريا، يكيفه مبدأ الربح والخسارة، ومنهن من لا تحكم عقلها وقلبها في اختيار شريك العمر، بقدر ما تنساب كليا مع من يدفع أكثر، ولا يهمها أن يكون شابا في سنها أو شيخا هرما، المهم أن تهجر عبره عالم الفقر والحاجة

وتعترض سناء طالبة جامعية عن هذا الطرح، مؤكدة »أنه لا يصح أن نحمل الفتيات كل المسؤولية، ويجب أن ندرك أن هناك حدا معينا للتنازل«، وأبرزت في السياق ذاته، أن هناك فعلا »ضغوطا تمارس على الفتاة من قبل المحيطين بها، بألا تقبل بزوج مفلس، حتى لا ترتمي في حضن الفقر، الذي لن يساعدها إطلاقا على رسم معالم حياة اليمن والسعادة، وأظن أن مثل هذه الشروط من ضروريات الحياة الكريمة، ولا أرى في هذا ما يدعو للاستغراب«، في إشارة إلى أحد الجالسين الذي لم يعجبه كلام سناء واعتبره بدوره يفتقد للأبعاد الإنسانية لمؤسسة الزواج، وأكد أن الزواج هو مسألة نصيب، إذ لا أحد من الزوجين، يقول إسماعيل موظف جماعي، كان على موعد محدد مع الزواج والزوجة

وفي الطاولة المجاورة لنا، تجلس امرأة في عقدها الرابع، وأصبح على ما يبدو شبح العنوسة يطاردها، هذا إن لم تكن متزوجة، فبعد تتبعها عن كتب لما تداوله مجمعنا من حديث، دخلت في الخط واستوقفت إسماعيل، بقولها، »هذا صحيح، فلا يمكن لأي فتاة أن تتكهن بمآلها مع زوج المستقبل، وشخصيا ـ تقول محدثتنا التي طلبت عدم إدراج اسمها ـ تزوجت برجل ثري، لكن سرعان ما أفلس وضاعت ثروته، وأصبحنا الآن نتدبر بصعوبة المال لسد لقمة العيش«، ومن جهة أخرى أضافت، »أن هناك من الفتيات من كانت منذ عشر سنوات حتى الآن، تتبجح بمنصبها المهني ورصيدها في البنك الذي سيحميها من تقلبات الزمن، وتقدم لها الكثيرون ولكنهم لا يشكلون بالنسبة لها »فارس الأحلام« الذي يراودها في مخيلتها، والآن وبعد مرور السنين على هذا الحلم الأزلي، استيقظت من سباتها وتخلت عن صورة »فارس الأحلام«، وقررت الارتباط بأي كان لمجرد طرد لقب »عانس««

ومن جانبه أكد محمد حنون أستاذ،أن البطالة ومحدودية الأجر وأزمة السكن وتعقيد التقاليد التي تطلب كذا وكذا، لها دورها في توسيع نسبة العنوسة والعزوف عن الزواج في مجتمعنا«، وردت على ذلك سهام مجازة عاطلة قائلة، »بأن الزواج لم يعد ذا أهمية بالنسبة إلى العديد من الفتيات، مادام الحظ لم يرد أن يساير رغباتهن، وأشارت أنها شخصيا لا تنزعج لكلمة عانس، بقدر ما يزعجها فشل الحياة الزوجية والارتماء في أحضان رجل لا يقدر أنوثتها وإنسانيتها، وقاطعتها صديقتها، قائلة »إضافة إلى ما سبق للأخت سهام أن ذكرته، فالبنت اليوم أصبحت تقضي معظم سنوات عمرها في الدراسة والبحث عن الشواهد والديبلومات، غير آبهة لعامل الوقت وتعاقب السنوات بسرعة البرق«، مضيفة أنها من هذا النوع من الشابات، أي أنها ركزت اهتمامها على القراءة والتحصيل، فخانها الزمن

إنه من الصعب استبقاء مثل هذه الآراء لأنها تنطوي على حساسية، وقد نكون بأسئلتنا كمن يحرك بركا هادئة، تنفث روائح أو كلاما قد لا يروق سمعك مثلما جاء على لسان فتاة فاتها »قطار الزواج«، حيث صبت غضبها على أسرتها المحافظة، باعتبارها كبلت حريتها ولم تسمح لها بتاتا بالاختلاط أو حتى الحديث مع الجنس الآخر، مما ضيع عليها فرصا كثيرة للزواج، والنتيجة تقول محدثتنا »أنني أصبحت ملكا للجميع«

وبعد أن تفرق مجمعنا، رجعت إلى حال سبيلي ورؤوس أقلام موضوعي هذا لم تكتمل بعد، وأنا في طريقي إلى الحارة التي يتواجد بها مسكني، استوقفني صديق أظن أنني لم ألتقيه منذ عشر سنوات، كانت الفرصة مواتية وسألته عن مآله وما هو جديد أحواله، فأجابني قائلا، »بعدما أتممت دراستي العليا في الاقتصاد، عكفت لسنوات أراسل الجامعات والمعاهد العليا قصد التوظيف، لكن مع الأسف الشديد لم أتمكن من ذلك، مما اضطرني إلى دخول عالم التجارة، حيث ابتدأت مساري ببيع أوراق التلفيف للتجار الصغار، وبعد أن استوعبت ميكانيزمات السوق، وسعت مجال عملي والآن والحمد لله أصبحت صاحب شركة »أوراق التلفيف«، وعن سؤالي المحوري عم إذا دخل القفص الذهبي وأكمل دينه، أجابني بقوله، »في الحقيقة كنت أتمنى أن أستقر على حال، لكن بنات اليوم عنيدات، بحيث يرفضن فكرة ابتعادهن عن العمل والتفرغ إلى أدائهن لرسالة أكثر أهمية، وهي تربية الأولاد وصيانة البيت، مما جعلني ألغي مشروعين كان سيتحقق أحدهما لو قبلت من كنت سأتزوجها مطلبي الرئيسي، وللأسف فالفتاة المتعلمة ـ يقول صديق تأخذ المسائل بالمقلوب، فبدلا من أن تستغل تعليمها خدمة لبيتها ولعيالها، توظفه في التباهي والكبرياء من غيرها، وهذا ما يفسر رفض الكثير من الشباب لفكرة الزواج«، وهنا انتهى حديثنا على أمل أن نضرب موعدا نلتقي فيه بعد اتصال هاتفي بيننا
واصلت طريقي والعديد من الأسئلة تقرع بعضها البعض في ذهني، لتفضي إلى أن العنوسة صفة لا تلتصق بالنساء فقط، بل حتى بالرجال، وأن الظروف الاقتصادية المتدهورة، هي المسؤولة بصفة مباشرة عن تفشي هذه الظاهرة واستفحالها، مما جعلها تنتج ظواهر سلبية خطيرة مثل الإباحية والانحراف السلوكي الذي أصاب المجتمع المغربي، بنوع من التنميط والتلف الفكري، وسيظل هذا الحال على ما هو عليه، إن لم يعرف الاقتصاد الوطني انتعاشته




تابعونا على فيسبوك