كرسه غياب بيداغوجية للقراءة وجذره الانتشار الواسع للمعلوميات

ضعف المقروئية في تنام

الإثنين 26 فبراير 2007 - 11:18

إذا قمنا بعملية حسابية للعدد الإجمالي للجرائد والمجلات التي تباع سنويا في المغرب، حتما سنخرج برقم مخجل،

ولا يشرف إطلاقا عراقة تاريخنا وحضارتنا، باعتبار أن بلادنا عرفت على مدى الحقب الأولى بكونها موطنا للعلم والفقه، وتتلمذ على يد علمائها العديد من الطلاب الآتين من مختلف الأصقاع، لكن الناظر إلى واقع مقروئيتنا في الوقت الحاضر، سيصاب بدوار جراء الانقلاب 180 درجة على الذات ودخولنا في متاهات القصور والعوز المعرفي، الذي أصبح القاعدة التي تكسر الاستثناء، وأصبحت بالتالي بيئتنا الاجتماعية المعاشة لا تنتج إلا مزيدا من العزوف عن القراءة والمطالعة

وتكاد لا ترتبط هذه الظاهرة بالأمية التي تضرب بأطنابها في مجتمعنا، بل تمس أيضا بشكل صارخ جمهور المتعلمين، فالمطالعة لا تدخل في ثقافتنا اليومية إلا لماما، عند نخبة قد يمكن أن نعدهم مزاجا على رؤوس الأصابع، وأن الكثير من المواطنين المغاربة لا يميلون إلى القراءة كغذاء فكري ضروري لكسب المناعة ضد السموم التي تحملها التيارات الغريبة والهدامة، إنما هناك من يدخل القراءة في باب تلبية فضول معرفي شاذ وطائش

ويمكن أن تصنف في هذا الاتجاه، كتب الإثارة وصحف الرصيف التي تلعب على وتر الحوادث المثيرة، فيما ظلت المجلات والكتب التي تحمل مفتاح مختلف فروع المعرفة الإنسانية، مهملة في الرفوف، لا محل لها في اهتمامات المواطن العادي، الذي يكابد بالكاد لتوفير ثمن لقمة عيش تكفيه لسد رمق العيال، الشيء الذي يجعل الكتاب ومتعلقاته يدخل في إطار الكماليات المستغنى عنها، وزاد من حدة هذه الظاهرة، عدم وجود بيداغوجية في المجال التعليمي تساهم في غرس القراءة الحرة في نفوس الناشئة وجعلها واقعا لا يرتفع

فالمواطن الذي ينمو في بيئة تشجع على القراءة، يكون أكثر استعدادا لتعلمها، بل من الخطأ اعتبار عملية القراءة منفصلة عن النمو وذلك لأنها جزء متكامل معه، ومع التطور المرتبط أساسا بالتنمية البشرية التي لن تتأتى بدون إغناء فكر المواطن ثقافيا ومعرفيا، لمواجهة التحديات التي يطرحها عالم اليوم المتسم بالانفتاح الكلي وغير المقنن على الثقافات الغريبة عن مجتمعنا

ولا شك أن كسب رهان مواجهة الأمية القرائية، أضحى حاليا أمرا شديد الصعوبة بسبب انجذاب الشباب المغربي بشكل مثير لأجهزة المعلوميات والإبحار في عالم الإنترنيت، الذي احتل النصيب الأوفر من أوقاته ولم يعد بالإمكان في خضم ذلك، إيجاد الوقت الكافي لتكريس حضور المعرفة الورقية في حياته اليومية، باعتبار أن الكتاب مهما بلغت درجة التطور في تكنولوجيا المعلوميات وتعددت المصادر في السوق العالمية، سيبقى في صدارة كل المنتجات الفكرية، والتي وإن وجدت بعضها في المواقع الإليكترونية، فالكثير منها والمتأصل يظل يكتنفه الغبار ويتآكل بسبب التقادم وعدم العناية والاهتمام
وحتى إذا سلمنا بكون الإنترنيت يتيح فرصة للاطلاع، فمن جهة معظم رواده من الشباب يهيمون في الإبحار في مواقع الدردشة والإثارة، وقلما نجد من يلتفت منهم إلى المواقع الثقافية كفضاءات لها دورها المعرفي، وهذه الفئة القليلة إذا ما أرادت أن تطالع جديد خزانة الكتب، فإنها تلجأ حتما إلى الطباعة الورقية، التي تتيح نوعا من الارتياح في القراءة

ومهما يكن الحال، يبقى محو العيب الذي يلتصق بنا كشعب غير قارئ، مرتبطا بالمدرسة كنواة أولى لتكريس عملية القراءة وجعلها شأنا وطنيا وغذاء يدخل في باب الضروريات الفيزيولوجية، التي لا غنى للذات عنها
حاولنا من خلال استقراء آراء ووجهات نظر المتتبعين والفاعلين التربويين، التعرف على السبل الكفيلة لجعل مدارسنا فضاء لزرع بذور محبة القراءة والتعلق بها، وبهذا الخصوص أكد سعيد وقاش أست، المغربيةأن هناك الأنشطة المدرسية، التي تروم تقريب التلميذ من أهمية مقاربة المواضيع وتتبع الأخبار والاطلاع على مختلف القضايا، وأشار في سياق ذلك إلى المجلة الحائطية وكذا تشجيع التلاميذ على قراءة القصص في إطار الاختبارات والفروض الدورية، »لكن هذا التوجه، يقول : سعيد وقاش، لم يعد كما كان عليه الأمر في السابق، بسبب كثرة المقررات وعدم وجود متسع من الوقت للتتلمذ على عملية القراءة
ومن جانبه أضاف أحمد الرايس أستاذ، أن مادة القراءة والمطالعة، من المفروض أن تكون لها حصة خاصة في العملية التعليمية، بحيث يشعر فيها التلميذ بأنه ملزم بالخضوع لمتطلباتها عوض اعتبارها شأنا استثنائيا لا طائل منه«، وأبرز خالد قمري إطار تربوي، قائلا »إن غلاء أثمنة القصص وغياب كتب ذات محتوى تغري بالقراءة والتتبع، تجعل عادة عزوف التلاميذ عن القراءة هو الطاغي، ويسهل هذه المأمورية الأجواء المواتية لذلك في المنزل، بحيث أن هناك تلامذة، إما أن آباءهم بدورهم لا يعطون لمسألة القراءة أهمية وبالتالي من الصعب التأثير على أبنائهم للاصطبار على هذه العملية، أو إلى جانب هذا، أن هناك عددا من الآباء خصوصا في أوساط الأسر محدودة الدخل، غير قادرين على المغامرة بشراء مجلة أو كتاب لأبنائها حتى لا يؤثر ذلك على ميزانياتها الشهرية«

وفي اتجاه آخر، أكد كريم الغالميرب أسرة، أن »الإعلام الوطني المكتوب بالخصوص، يتحمل نوعا من المسؤولية في تنامي ظاهرة اللامقروئية وذلك بعدم تضمين صفحات الجرائد لملاحق وصفحات خاصة بالطفل، تشجع الآباء على اقتناء الجريدة لهدفين، أولهما تلبية رغبته في الاطلاع على ما جد في عالم الأخبار، وثانيها إعطاء ابنه الملحق أو الصفحة الخاصة به

ويرى كريم الغالمي،»أن السير على هذا المنوال، سيساهم في ترسيخ فعل القراءة في عقول التلاميذ ويجعلهم مرتبطين وجدانيا معه وبدوره أكد لنا معاد العايدي إعلامي، أنه حاول ركوب تحدي صناعة منتوج إعلامي مكتوب مخصص للتلاميذ، بغية جعله في متناولهم لما يتضمن من مواضيع وقضايا في صميم اهتماماتهم، إلا أن عدم وجود الدعم الكافي وصعوبة انتشار المجلة وضعف القدرة الشرائية يجعل مثل هذه المشاريع مآلها الفشل، وهناك العديد من النماذج لم تستطع الصمود لأشهر

ومن جانب آخر، ركزت خديجة الوردي مربية، على ضرورة أن تولي وزارة التربية الوطنية أهمية لتجذير حضور فعل القراءة في المدارس التعليمية حتى نربي أبناءنا على أهمية الركون إلى هذا النشاط الدائم الذي من شأنه تغذية العقول وتنويرها، واستطردت خديجة قائلة، »إن مسألة إرشاد التلاميذ إلى طبيعة الكتب والمجلات التي سيقرأونها، ضرورية حتى لا يتم شحنهم بكتابات أكبر من مستوى فهمهم وإدراكهم، وبالتالي تتحول القراءة إلى تدجين القارئ وتلويث أفكاره، خصوصا في ظل وجود العديد من الكتيبات الشرقية التي تتناول بعض القضايا الدينية بمنظور مذهبي مخالف لمذهبنا ومستوى ثقافتنا وتفكيرنا

وفي سياق آخر، شددت سليمة آيت لحسن حارسة عامة، على ضرورة بلورة استراتيجية وطنية من شأنها، تنمية فعل القراءة في مجتمعنا، بشكل نستطيع من خلاله، أن نخلق ثقافة وطنية ترنو إلى الاطلاع والمواكبة اليومية لكل مستجد في عالم النشر والكتاب، وحتى نكون بهذا الفعل قد استطعنا أن نحمي أبناءنا من الإبحار غير الموجه في أغوار الإنترنيت ومن الخواء الفكري الذي يمكن أن يلحق بهم جراء محدودية اطلاعهم على جديد أحداث العالم

من خلال هذه الآراء المنتقاة، يتضح أن أزمة القراءة مركبة، وتحتاج إلى مقاربة مندمجة، واستراتيجيا تأخذ بعين الاعتبار واقع تركيبة المجتمع المغربي، الذي هو في حاجة إلى محاربة متسارعة للأمية التي تحتل نسبة مهمة في هرمه البشري، بهدف إتاحة الفرصة لهذه الشريحة للإغناء المتوالي والتدريجي لفكرها، ومن جهة ثانية تشجيع المتعلمين للإقبال على القراءة عبر توفير الكتب بأثمنة رمزية، ومن شأن وسائل الإعلام الوطنية المسموعة والمرئية والمكتوبة، أن تفتح شهية المتفرج للكتاب، إذا ما تناولته عبر برامج قادرة على إثارة فضول المتتبع وجعله يقبل عليه بتلقائية للإجابة على أسئلة واستفهامات ظلت عالقة بخاطره وذهنه، وبذلك إلى جانب المدرسة كمؤسسة للتربية على القراءة، فالإعلام يمكن أن يعطي للقراءة موقعا في الحياة اليومية للمواطن المغربي

كسب رهان مواجهة الأمية القرائية أضحى حاليا أمرا شديد الصعوبة بسبب انجذاب الشباب المغربي بشكل مثير لأجهزة المعلوميات والإبحار في عالم الإنترنيت المواطن الذي ينمو في بيئة تشجع على القراءة يكون أكثر استعدادا لتعلمها الآباء لا يعطون لمسألة القراءة أهمية وبالتالي من الصعب التأثير على أبنائهم للاصطبار على هذه العملية




تابعونا على فيسبوك