تعد الطقوس التي تصاحب تناول الشاي الأخضر إحدى السمات التي تميز المغرب، خاصة في المناطق الجنوبية التي يعتبر سكانها الأكثر استهلاكا وعشقا للشاي الأخضر
وارتبط الشاي الأخضر في هذه المناطق بمناسبات اجتماعية مثل الخطوبة والختان والعقيقة والزواج، فعلى سبيل المثال جرت العادة أن يحضر العريس مع المهر وباقي الأغراض لأهل عروسه صندوقا من الشاي الأخضر من فئة الدرجة الأولى، وفي المقابل على أهل العروس أن يكرموا عريسهم وأهله بعد إتمام الفرح، وذلك بإهدائهم طوابل الشاي الأخضر بعد تغليفها وتنسيقها والتي تحتوي على كامل العدة، وذلك حسب عدد أخوته وشقيقاته وأقاربه من أخوال وأعمام
ويجمع عشق الشاي حول الصينية كل فترة وحين، في الصباح والمساء والليل، الأحباب والعائلة، إذ تكون الجلسة مناسبة لتجاذب الأحاديث والتسامر
ولا تختلف طريقة تحضير أو تعدال الشاي، كما هو متداول حسب اللهجة الحسانية، من أسرة لأخرى
وتحتفظ الأسر في كل بيت بعدة الشاي الخاصة بالضيوف، بل هناك الكثير منهم يحتفظ بعدته الكاملة في صندوق السيارة، أو مكان عمله لتحضير أتايه في أي لحظة
وفي المناسبات يقدم المشروب بفخامة في أوان فضية متقنة الصنع وفي أكواب زجاجية ذات ألوان وأبعاد معينة، يتم تناوله مع أنواع مختلفة من الفواكه الجافة
ويرتبط تحضير الشاي الأخضر وتقديمه غالبا بدون نعناع بمفهوم الكرم عند الفرد الصحراوي، فهو المقدم قبل كل شيء، فما أن يهل المرء ضيفا على إحدى العائلات أو »الخيام«، بالنسبة إلى الرحل، كما يطلق عليها باللهجة الحسانية، حتى تسارع ربة المنزل أو زوجها لإكرام الضيف ودعوته لتناول الشاي بالقول نتييو
وعلى التو يجري إحضار عدة الشاي الماعين والتي تتكون من صينية من الإستيل الفرنسي وتسمى طابلة وعليها كؤوس صغيرة من زجاج تقارب حجمها وسعتها فناجين القهوة العربية والكأس يسمى طعش على الشاي الأخضر والسكر والنعناع، إضافة إلى ماعون صغير لغسل الشاي وتنظيف الكيسان خلال جولات الشاي الثلاث، مع الاحتفاظ بفوطة صغيرة لتجفيف الصينية والأكواب الصغيرة حتى تكون طوال فترة الإعداد التي قد تستغرق من نصف ساعة وحتى ساعتين جافة ونظيفة
وتحتاج طريقة إعداد الشاي إلى يد خبيرة وحس مرهف، فبعد اختيار ثلث كأس صغير من الشاي والتي يتم وضعها في البراد الصغير يصب الماء الساخن ويرج جيدا لتنقيته من الشوائب والمواد الحافظة، وبعد أن تتم العملية تصب الخلاصة في الماعون الصغير أو في كأس وتسمى هذه المرحلة تشليلة بعدها يصب الماء الساخن مرة أخرى ووضعه على نار هادئة في موقد غازي صغير أو موقد للفحم يسمى الفرينة ويترك لدرجة تقارب الغليان وتسمى العملية التشحار
وتبدأ بعد ذلك عملية صنع رغوة الكشكوشة في كافة الفناجين الصغيرة، وذلك برفع البراد عاليا وصب الشاي في الكؤوس حتى نهاية العملية، ثم إعادته إلى النار مرة أخرى لتسخينه فقط، بعدها يضاف النعناع، من النوع المغربي فقط والسكر، ثم صبه في الأكواب الصغيرة حتى المنتصف مع الحرص على رفع اليد للحصول على الرزة مع تفخيم الراء
من الشائع أن يتميز كأس الشاي برغوة بيضاء أو كما يقال كأس »برزيزتو«، يزيل الدوخة وآلام الرأس
ما إن يشعر أحدهم بالصداع إلا ويسارع إلى عدته ليحضر كأسا من الشاي
وعادة يجري تقديم الشاي في صينية صغيرة، ويتميز الكأس الأول بتوفره على نكهة خاصة، ويحرص الحضور في أي مجلس على تذوقه
ويسمى الذي يقوم بإعداد الشاي وتحضيره بقائم الشاي أو الساقي، وغالبا ما يكون يحظى بتشريف الناس له
ويتذوق الشاي قبل تقديمه للضيوف، إذ يصب قليلا منه في كأسه ثم يرتشفه لاختبار نكهته ومذاقه، إلا أنه من العيب إرجاع ما تبقى مما تذوقه إلى البراد
ويشترط في الساقي أن يكون خبيرا في إعداد الشاي، وعادة ما يكون أكبر من في الجماعة أو المجلس
وللشاي كذلك في جل مناطق المغرب الأخرى فلسفة في طريقة الإعداد والشرب يجب احترامها، بالإضافة إلى النوعية التي يجب أن تكون من الصنف الممتاز
اليوم هناك قليل من العائلات التي تحرص على تحضير الشاي حسب التقاليد والعادات القديمة، إذ ما زال محظورا لديها تقليبه بملعقة، أو إضافة مواد أخرى له عدا النعناع والسكر، أو ملء الكأس حتى آخره، أو تقديمه في أكواب كبيرة
ويحتل الشاي في المغرب المرتبة الأولى على قائمة المشروبات، متفوقا على غريمه التقليدي فنجان القهوة
وعشاق الشاي كثر ومدمنوه بالملايين، إذ اخترعوا له طرائق وطقوسا، كما استنفد الأقدمون جهدهم في تحصيل أوراقه واستخلاص حباته، وبهر العلماء بالمزايا التي تكتشف به يوما بعد آخر
وتعددت الأواني التي يقدم فيها والاحتفالية التي تصاحبه بتعدد المناسبات والأعياد والمواسم
في المغرب اشتهر فنجان الشاي المنعنع، إذ لا يتذوقه المغاربة بدون نعناع نظرا لما يعطيه للمشروب من نكهة وطعم
ويشكل خصوصية مغربية في غالبية مناطق المملكة في مدن أخرى تضاف بعض الأعشاب إلى الشاي خصوصا في فصل الشتاء، لأنه يساعد على التدفئة، ويمد الجسم بالحيوية والنشاط
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن المغرب عرف أتاي وهي تسمية الشاي الأخضر أوبالنعناع في القرن الثامن عشر، وبدأ انتشاره عبر سائر المناطق في منتصف القرن التاسع عشر عندما صار المغرب يتعاطى للتجارة مع أوروبا
وكان دخول الشاي إلى المغرب بفضل انتعاش التبادل التجاري و بداية علاقات الصداقة والتعاون التي هم المغرب بتطويرها مع دول أجنبية أخرى في تلك الحقبة، بالخصوص في عصر السلطان المولى إسماعيل، إذ جرى تلقى الأكياس من السكر والشاي ضمن مجموع الهدايا المقدمة من قبل المبعوثين الأوروبيين للسلطان العلوي تمهيدا لإطلاق سراح الأسرى الأوربيين
ويدل ذلك على ندرة الشاي في البلاد المغربية في تلك الفترة
وهكذا استطعم المغاربة نكهة الشاي وتعاطوا لشربه إلى أن أضحى المشروب المفضل لديهم
ويشير مؤرخون أن الشاي احتل منذ بداية القرن العشرين مكانة متميزة في وسط الأسرة المغربية، وأصبح له طقوس وعادات، وظهرت في وسط الصناع حرفة جديدة أبدع أصحابها في صنع أدوات تحضير الشاي من : صينية
وبراد
وإبريق
وبابور
وربايع
والتصق الشاي بحياة الشعب المغربي وفرضت جلساته حضورها الدائم في وسط مختلف طبقاتهم
وقد تغنى بهذه الجلسات الشعراء والناظمون والزجالون ويقول الباحث الاجتماعي أحمد الياغي إن الشاي دخل إلى المغرب قبل نحو قرن على يد تجار إنجليز ليحتل مكانة مهمة داخل البيوت المغربية وينسجم مع الموروث الثقافي والحضاري مؤسسا لاحتفالية خاصة به ويؤكد كذلك أن المشروب لم يتوقف عند هذا الحد، فبالإضافة إلى أنه عوض عن المشروبات المشهورة في البلاد كالقهوة والعرق سوس واللويزة، فرض سلطته على الوجبات اليومية فهو إما أن يسبقها أو يعقبها
وتتحدث كتب التاريخ حول كيفية اكتشاف الشاي في الأصل، وهناك عدة احتمالات، منها أن »أحد أباطرة الصين القدماء كان يغلي إبريقا من الماء تحت إحدى الأشجار وكانت فوهة الإبريق مفتوحة، وإذا ببعض الأوراق تسقط في الإبريق وتفوح منه رائحة طيبة ويتغير لون الماء، وما إن تذوق الإمبراطور الصيني شيئا من هذا السائل حتى استطاب مذاقه فأوصى المقربين باستعمال هذه العملية حتى شاع في الصين شرب الشاي، وهناك من يشيع أن أحد الكهنة البوذيين في الهند هو من اكتشف هذه النبتة التي كان يستعملها كمنبه للبقاء أكبر وقت ممكن مستيقظا
والإدمان على شرب الشاي يصيب الشخص بأوجاع وآلام الرأس إذا لم يتم تناوله في الموعد المحدد، إلا أنها لا تعتبر سببا كافيا للإقلاع عن شرب الشاي، خصوصا أن فوائده الصحية كثيرة، فالشاي يساعد على الهضم، وهو منشط مضاد للتشنج، ويقضي على تراكم الشحوم، ومؤخرا توصل علماء أميركيون إلى أن شرب الشاي بانتظام يخفض الكولسترول الضار، حيث لوحظ أن الأشخاص الذين يشربون الشاي الأسود مدة ثلاثة أسابيع شهدوا انخفاضا يتراوح بين 7 في المائة إلى 11 في المائة في الكولسترول الضار لديهم
ويورد علماء أن استهلاك الشاي الأخضر يزيد من قوة وفعالية الأدوية الوقائية المقاومة للسرطان
هذا ما أكده باحثون يابانيون مختصون في الاجتماع السنوي لجمعية السرطان اليابانية في طوكيو
وأوضحت الدكتورة ماسامي سوجانوما الأخصائية في مركز سيناما بريفيكتشرال الياباني أن اتحاد مادة كيميائية موجودة في الشاي الأخضر مع أدوية السرطان يزيد فعالية هذه الأدوية بحوالي 30 مرة