أجرى الوزير الأول إدريس جطو، بعد ظهر أول أمس الأربعاء، سلسلة مباحثات مع كل من المندوبة الأوروبية في العلاقات الخارجية وسياسة الجوار بينيتا فيريرو ـ والدنر ورئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروسو.
وفي ختام هذه المباحثات، صرح رئيس المفوضية الأوروبية للصحافة، بأن لقاءه مع جطو شكل فرصة "لاستعراض العلاقات المتينة" التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب معتبرا إياه بـ "الجار القريب جدا من الناحية الجغرافية والقريب جدا أيضا من ناحية مشاعرنا".
كما نوه باروسو بـ "الشجاعة التي أبان عنها المغرب في تبني بعض إصلاحاته"، مشيرا إلى أن المملكة "لم تنتظر مخطط العمل المتفاوض بشأنه مع الاتحاد الأوروبي للقيام بهذه الإصلاحات التي لامست عدة مجالات خاصة تأهيل الاقتصاد وخلق أفضل الظروف لاستقطاب الاستثمار الأجنبي الذي يظل ضروريا لإحداث مناصب الشغل لقائدة الشباب".
كما أشاد باروسو بالسلطات المغربية "لجهودها التي نواكبها باهتمام كبير ودعم صريح وجد قوي".
وأشار أيضا إلى أن "المغرب سيتلقى مستقبلا، بشأن طموحاته، ردا إيجابيا أهم من الرد الذي تلقاه من قبل"، مضيفا "نأمل خلال هذه الفترة أن نتمكن من ترجمة هذه الطموحات على المستوى المساعدة المالية" خدمة للتعاون الذي يجمع المغرب والاتحاد الأوروبي.
وأبرز جطو من جانبه، أهمية الشراكة القائمة بين الجانبين، مشيرا إلى أنه "فضلا عن المساهمة المالية، كان الأهم بالنسبة إلينا هو الانعكاسات المهمة للإصلاحات التي انخرطنا فيها جميعا". وعبر الوزير الأول عن طموح المغرب في الذهاب بعيدا في هذه الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وقال جطو إن "العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي جد مثمرة وجيدة للغاية مما يدفعنا إلى المطالبة في إطار السياسة الجديدة للجوار وضعا متقدما أو مقاربة متميزة لحالة المغرب"، مذكرا في هذا الصدد بمشاركة المغرب في برنامج "غليليو" واتفاقية "السماء المفتوحة" التي كان المغرب من ضمن أول الموقعين عليها وإطلاق الجولة الأولى من المباحثات حول القطاع الفلاحي وبدء المناقشات في 23 مارس الجاري حول تجارة الخدمات بمناسبة انعقاد الاجتماع الأورومتوسطي حول القطاع التجاري.
يشار إلى أن جطو الذي كان مرفوقا خلال هذه المباحثات بسفير المغرب لدى الاتحاد الأوروبي منور عالم، التقى صبيحة اليوم نفسه، بإلمار بروك رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، وهانس غيرت بوتريتغ رئيس فريق الحزب الشعبي الأوروبي /أحد أبرز الفرق السياسية في البرلمان الأوروبي/ وهانس سووبودا نائب رئيس الفريق الاشتراكي في البرلمان الأوروبي.
وتأتي هذه المباحثات سنة بعد اتصالات مكثفة، منحت السياسة الأوروبية للجوار دفعة قوية لها ومكنت المغرب والاتحاد الأوروبي من تطوير "علاقات متميزة" قائمة على أساس الإصلاحات الكبيرة التي قام بها المغرب.
وكانت بروكسيل أشادت خلال انعقاد مجلس الشراكة المغرب ـ الاتحاد الأوروبي في نونمبر الماضي بما وصفته "التقدم الملموس لمسلسل الإصلاحات السياسية خلال السنوات الأخيرة" بالمغرب.
وفي تصريح نشر بهذه المناسبة، أكدت بروكسيل أن "المغرب يقوم بدور دقيق" في مجال الإصلاحات معربة عن عزمها "دعم جهوده" من خلال تقديم دعم متميز لتحقيق "الأهداف المنشودة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس".
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف مواكبة مجهودات المغرب بتقديم الدعم المالي من طرف الاتحاد الأوروبي، وهو ما ألح عليه فتح الله ولعلو وزير المالية والخوصصة خلال زيارته لبروكسيل في دجنبر الأخير.
ويعكس التعاون المالي الثنائي، والذي تجاوز200 مليون أورو سنة 2005، الدينامية التي تشهدها الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وهكذا، فإن المكانة التي تحتلها المملكة في الأجندة المتوسطية للاتحاد الأوروبي تعززت على مدى السنة المنصرمة خاصة من خلال مواصلة "الحوار السياسي المدعم"، الذي يعد المغرب البلد الوحيد ضمن الحوض الأورو ـ متوسطي الذي دشن معه الاتحاد هذا النوع من الحوار.
وعلى مستوى الاتحاد، يعكس الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه بالأحرف الأولى في نونبر ببروكسيل من أجل إشراك المغرب في تطوير النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية /غاليليو/، مسلسل الارتباط هذا.
وينطبق الأمر أيضا على المفاوضات الثنائية التي تمخض عنها التوقيع، في13 دجنبر ببروكسيل، على اتفاقية حول تحرير النقل الجوي، وهو الثاني من نوعه الذي تفاوض الاتحاد الأوروبي بشأنه مع بلد غير أوروبي بعد الولايات المتحدة الأميركية. كما تترجم الاتصالات المتكررة خلال سنة 2005 إرادة الطرفين في تحقيق هذا التقارب الاستراتيجي.
وفي هذا الإطار، شكل اللقاء الذي انعقد في يناير الماضي بالمغرب بين وزراء مالية الاتحاد الأوروبي ونظرائهم بحوض المتوسط، وهو الأول من نوعه، وكذلك الاجتماع الاستثنائي للجمعية البرلمانية الأورو ـ متوسطية الذي نظم في نونبر بالرباط تمهيدا لقمة برشلونة، فضلا عن مؤتمر وزراء النقل الأوروبي ونظرائهم بحوض المتوسط الذي انعقد في 15 دجنبر بمراكش، وهي لقاءات تندرج جميعها في إطار الخطوات التي تقوم بها المملكة للارتباط بالسوق الأوروبية.
من جهة أخرى، أعرب الوزير الأول إدريس جطو عن ارتياحه الكبير لنتائج المباحثات التي أجراها يوم الثلاثاء ببرلين مع المستشارة الألمانية ووزيري الشؤون الخارجية، والتعاون والتنمية.
وصرح جطو للصحافة بهذا الخصوص في ختام زيارته لبرلين قائلا "يمكن أن أقول لكم أني جد مرتاح لنتائج هذه اللقاءات الثلاثة، وأن التعاون بين المغرب وألمانيا يسير بشكل جيد".
وكان جطو عقد جلسة عمل مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وعقد مباحثات مع رئيس الدبلوماسية الألمانية فرانك والتر ستينمر، والتقى كذلك وزيرة التعاون والتنمية هيد ماري وايزوريك ـ زول.
الارتياح نفسه أبداه مختلف مخاطبي جطو الذين نوهوا بالمناسبة بالمستوى المتميز للعلاقات التي تجمع البلدين، معربين عن استعدادهم لتعزيز وتعميق التعاون الثنائي.
واتفق جطو بهذا الخصوص مع ستينمر على تنظيم لقاء حول فرص الاستثمار بالمغرب، والسبل الكفيلة بالدفع قدما بالمبادلات بين البلدين.
ومن المقرر أن يشارك ستينمر إلى جانب أعضاء مجموعة رجال الأعمال الألمان في هذه التظاهرة التي يتوقع أن تنظم خلال النصف الثاني من السنة الجارية.
ويتوقع أن يتسع التعاون الثنائي المكثف أصلا في مجال الكهربة القروية والماء الصالح للشرب والبيئة وفك العزلة عن العالم القروي والتكوين المهني، ليشمل قطاع الصحة.
وقال جطو بهذا الخصوص "إن وزير التعاون والتنمية وعدنا بتطوير التعاون القائم والتوجه نحو مجالات أخرى مثل الصحة والتجهيز وإعادة تأهيل المستشفيات وتطوير النظام الصحي".
ومن جانبها، أشارت وايزوريك ـ زول إلى أن "ألمانيا والاتحاد الأوروبي لهما مصلحة كبرى في تطوير هذا التعاون وهذه السياسة لحسن الجوار".
كما أبدت إعجابها بما يتم تحقيقه في المغرب، معربة عن ارتياحها للنتائج المحصلة. وقد انصبت مختلف المباحثات التي أجراها الوزير الأول على سبل تكثيف التعاون الثنائي وكذا القضايا ذات الطابع الدولي والإقليمي.
وتناول إدريس جطو في مباحثاته مع ستينمر المستجدات بالشرق الأوسط بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية /حماس/ في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
وتطرقا إلى الوضع بالعراق، خاصة ظاهرة الاختطاف التي يعرفها هذا البلد، وأشارا في هذا السياق لحالتي الرهينتين المغربيين ونظرائهما من ألمانيا، إضافة إلى تناولهما للوضع بإفريقيا والهجرة أساسا.
وأطلع جطو بالمناسبة محاوريه على الجهود المبذولة من قبل المغرب في مجال الهجرة، مبرزا أن المملكة لايمكنها لوحدها أن تتحمل ثقل مسؤولية هذه الإشكالية.
وأكد على ضرورة العمل معا للبحث عن طريقة مثلى لتنظيم الهجرة الشرعية وتشجيع التعاون بين البلدان المصدرة للهجرة السرية.
واقترح في هذا الصدد إرساء تعاون ثلاثي الأطراف يضم المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا، مضيفا أن المملكة، بالنظر إلى علاقات التعاون التي تربطها بعدد من هذه البلدان، تضطلع بدور أساسي في هذا المجال.
وخلال هذه المباحثات، استعرض جطو التقدم الذي بلغه المغرب في مجال إرساء دولة الحق والقانون، كما قدم لمحة عن تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة.
وقال الوزير الأول "تلقى المغرب تثمينات كبيرة لما حققه في مجال النهوض بالحريات وحقوق الإنسان وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، أو القيام بقراءة نقدية لتاريخه".