قبل أن تفرض باكستان نفسها كقوة نووية في أواخر القرن الماضي كان خطاب تبسيطي سائدا حول "إجماع صليبي" ضد "القنبلة النوية الإسلامية"، تقوده الدول الغربية في الصورة التي سيصوغه بها لاحقا المنظر الأميركي صمويل هنتغتون حول "صدام الحضارات".
لكن باكستان، وهي الجمهورية الإسلامية التي انفصلت عن الهند مباشرة بعد الاستقال عن بريطانيا عام 1949، لأسباب دينية، واحتضنت لاحقا حركة طالبان الأفغانية ذات الصيت الشهير في التشدد والتطرف الديني، لم تفاجئ في الواقع أحدا وهي تستقبل القرن الواحد والعشرين بتفجير قنبلتها النووية التجريبية بنجاح، على عتبة باب جارتها وغريمتها، الهند، التي كانت قد سبقتها ببضع سنوات إلى نادي القوى النووية في آسيا وفي العالم .
فكيف يقوم الآن حلف دولي وإقليمي ضد البرنامج النووي لإيران؟ ولماذا يحصل هذا الإجماع المبدئي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، مع القوى النووية الخمس في مجلس الأمن الدولي، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لوقف الطموح النووي للجمهورية الإسلامية للإمام الخميني؟ إذا دفع المناوئون بحجج القانون الدولي ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في مواجهة المشروع الإيراني، فإن طهران تستطيع دائما الدفع بثلاثة نماذج على الأقل من سوابق الخرق المعلن، إسرائيل والهند ثم باكستان، الذي جرى تحت أنظار كل هذه القوى وغضت النظر عنه .
وبذلك يخرج الخلاف من المجال القانوني والأخلاقي ليظهره في بعد سياسي جلي
ولعل هذا البعد السياسي بالذات هو ما يشكل نقطة القوة الرئيسية في الموقف الإيراني، ولو أن "سوء الحظ" جعل البرنامج النووي الإيراني يأتي في ظل شبه توافق دولي وإقليمي حول الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ونهاية سياسة غض الطرف عن الحلفاء التي ميزت عقود الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
فعندما كانت باكستان تعكف على تطوير قنبلتها كانت في نفس الوقت تقدم خدمات ثمينة للولايات المتحدة المنخرطة في دعم المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفياتي، وفي الوقت نفسه ردت واشنطن على الدور السوفياتي في التحاق الهند، حليفة موسكو التقليدية، باكرا بالنادي النووي، بما خلق نوعا من "توازن الرعب" في منطقة جنوب شرق آسيا.
أما الحالة الإسرائيلية فشكلت استثناء نوويا منذ منتصف القرن العشرين، عندما أطلق أول رئيس لحكومتها، دفيد بن غوريون، شعار "قنبلة نووية لكل عاصمة عربية"، الذي تحقق بالفائض، إذ تتوفر إسرائيل الآن، باتفاق الخبراء، على حوالي مائتي رأس نووي
وليس من باب الصدفة أن تلعب إسرائيل الآن دور المحرض ضد إيران وترفع الفيتو ضد برنامجها النووي، لدرجة أن خليفة أرييل شارون، إيهود أولمرت، بدأ مهامه على رأس الحكومة بإرسال وفد من المسؤولين الأمنيين والمختصين بالقطاع النووي إلى موسكو، في محاولة لثنيها عن حماية حليفتها طهران، عشية الإحالة المرتقبة للملف النووي الإيراني على مجلس الأمن الدولي.
وتملك إسرائيل أوراقا للتأثير ليس أقلها تحريك اللوبي الصهيوني النافذ اقتصاديا وإعلاميا في الولايات المتحدة، للتهديد بقطع المساعدات الأميركية، كما تستطيع، مبدئيا، أن تكرر مع إيران ضربتها لمفاعل نووي عراقي عام 1981 .
وتملك إيران، العضو الرئيسي في منظمة أوبك، أيضا ورقة النفط وحذرت مؤخرا أن أي عقوبة دولية قد تؤدي الى ارتفاع في الأسعار يفوق التوقعات سيكون الرئيس الأميركي جورج بوش، وصديقته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، مسرورين بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بضربة جوية، ولو بتنفيذ إسرائيلي.
فإيران ما تزال مصنفة أميركيا في "محور الشر" مع كوريا الشمالية، بعد عراق صدام حسين، بينما تظل أميركا "الشيطان الأكبر" إيرانيا، خاصة في عهد الرئيس الجديد محمود أحمدي نجاد.
لكن واشنطن تدرك أن ابتلاع ملالي الجمهورية الإسلامية قد يسبب عسر هضم لمعدة الإدارة الأميركية المتورطة في العراق، حيث تملك طهران ورقة أخرى للمساومة.