من أساسيات العمل الصحافي

الكاريكاتير نضال تاريخي وخطوط حمراء

الخميس 09 فبراير 2006 - 13:17
إحدى الرسومات الكاركاتيرية لناجي العلي

يحظى الفن الكاريكاتيري بمزيد من الاهتمام في العالم؛ حيث يأخذ حيزًا كبيرًا في واقع الحياة اليومية للناس.


ويعتبر القدماء المصريون أول من تنبه إلى نجاح هذا الفن في السخرية، فكان المصري القديم يستخدم الحيوانات والرموز البسيطة؛ للتعبير عن رأيه الحقيقي في أصحاب العروش، حسب صحيفة الجسر .

ويعود أصل كلمة "كاريكاتير" إلى كلمة لاتينية، معناها "تندر" أو "سخرية"، وقد تبلورت على يدِ الفنانِ الإيطالي "أنيبال كاراتشي" في عام 1585، ويُعتقد أن كلمةَ "كاريكاتير" قد مشتقة من اسم هذا الفنان.

وأولُ من استخدمَ الكاريكاتير للتعبيرِ عن الأفكارِ والآراءِ السياسيةِ هو الفنانُ الإنجليزي "جورج تاونسهند"، المُلقبُ بـ "الماركيز".

ومع بداية القرن العشرين، كان الأشهر في هذا المجال هو الألماني "جورج كابروت"
ولا يُذكر الكاريكاتير السياسي الأميركي إلا ويذكر رسما الحمار شعار الحزب الديمقراطي، والفيل شعار الحزب الجمهوري، والعم "سام" الحكومة الأميركية، والدب روسيا والتنين الصين.

وتقدم جوائز "بولتزر" الصحافية جائزة كل سنة لأفضل كاريكاتير؛ باعتباره من أساسيات العمل الصحافي.

ويرى المتتبعون أن ظهور الكاريكاتور كفن مستقل ومدروس كان في عصر النهضة وتحديداً مع الفنان "ليوناردو دافينشي"، الذي كان عبقرياً في الكثير من المجالات كالهندسة وتشريح الحشرات، عدا نبوغه في الرسم طبعاً.

وحسب النقاد فان الدراسات التشريحية التي خطها الفنان "ليوناردو دافينشي" 1452 ـ 1519 والتي كسر بها قواعد التشريح في رسم الوجوه تحديداً، هي البداية الأكثر نضجاً ووضوحاً.

وبعد عدة سنوات ظهر فنان فلمنكي يدعى "جيرونيم بوش" 1460 ـ 1516 تميزت ريشته بمبالغة صريحة لازمته في أكثر رسومه.

مع العلم ً أن السخرية لم تكن هدفه الأول، حسب ما يؤكد المتتبعون، ذلك ان البعد اللاهوتي كان حاضراً في أعماله التي تستوحي موضوعاتها من الانجيل بعهديه القديم والجديد.

ثم جاء الهولندي "بريغيل" 1525 ـ 1569 بريشته المتأثرة "ببوش" وأسلوبه في المبالغة وتجاوز القوالب الاكاديمية، وبالغ في رسومه بشكل خوّله ان يكون أحد آباء السوريالية
وفي ألمانيا ظهر "شونغاور" 1430 ـ 1491 و"غولبين" 1497 ـ 1523، لكن مع ظهور الهولندي "أنيبال كاراتشي" 1560 ـ 1650 حصل تغيير فعلي وداعم لنشأة الكاريكاتور، وأكثر النقاد يرون أنه رسم بهدف الاضحاك، وبذلك ربما يكون أول من رسم بهذا الهدف، ونظراً لأهمية هذا الفنان يظن البعض أن كلمة كاريكاتور مشتقة من اسمه "كاراتشي"
الإيطالي "غيتسي" 1674 ـ 1755 رسم بطريقة مشابهة لأسلوب الكاريكاتور المعروف حالياً، وقد أنجز أكثر من ثلاثة آلاف رسم بهذا الأسلوب, بينما يعد الانكليزي "هوغارت" 1697 ـ 1764 أولاً في تخصيص رسومه بالنقد الاجتماعي.

ثم جاء الاسباني "فرانسيسكو غويا" 1746 ـ 1828 مجدداً، موسعاً من آفاق هذا الفن وحاداً في آرائه.

وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر أطل "توماس رولاندسون" 1756 ـ 1827 مع كوكبة من الفنانين الانكليز المميزين بأفكارهم وخطوطهم، برغم تأثير "هوغارت" وتجلي مناخاته في أعمالهم.

وهذه الكتيبة من الفنانين دعمت أسس فن الكاريكاتور وبلورته فناً قائماً بذاته وبرغم أن الكاريكاتور آنذاك كان فناً شعبياً يُعرض في واجهات المحال، الا ان أعداداً كبيرة من الناس كانت تحتشد أمامه.

ومن الأسماء التي لمعت في بريطانيا في تلك الفترة نذكر "هنري بانبيري" 1750 ـ 1811 و"جيمس غيلري" 1757 ـ 1815 و"جورج فودفارد" 1760 ـ 1809، وهو من الأوائل الذين أرسوا فن البورتريه.

أما في فرنسا فيعتبر "شارل فيليبون" مؤسس الصحافة الساخرة المصورة، حيث أصدر صحيفة "الكاريكاتور" عام 1830 ثم "لوشاريغاري" عام 1832 .

ونستطيع ان نقول إن الحروب التي كانت قائمة بين باريس وبرلين أجّجت الحرب الكاريكاتورية أيضاً، حيث لجأت الصحف الى اعتماد رسامي الكاريكاتور ليكونوا رأس الحربة في هذه المعركة.

ومع أن الصحف كانت غالية الثمن، لكن الناس كانوا يتلقفون كل عدد جديد يصدر، حيث كمية السخرية كانت الدافع الأول لشراء هذه الصحف.

وفي "لوشاريغاري" برز نبوغ "دومييه" 1808 ـ 1883 الذي استطاع تشريح السياسة الفرنسية ورجالاتها من الملك لويس فيليب الى رجال البرلمان.

وقد نال شهرة واسعة حتى يومنا هذا، وغالباً ما يلتبس الأمر على بعض الكتاب في مقالاتهم الصحافية، فيذكرون ان "دومييه" هو مؤسس فن الكاريكاتور.

ومن هنا نستطيع تخيل دور هذا الرائد الكبير الذي رفع مستوى النقد والسخرية في هذا الفن.

لم يرسم "دومييه" الكاريكاتور الاجتماعي إلا عام 1835 حين مُنع الكاريكاتور السياسي، لكنه استطاع تحرير عشرات الرسائل السياسية ضمن توليفات الكاريكاتور الاجتماعي
أما العصر الذهبي للصحافة الساخرة فكان بين 1860 و1890، فقد شهد ظهور عشرات الصحف من هذا النوع في برلين وباريس، مع ان معظمها كان سريع الزوال، وهي تعتبر اضافة تاريخية حية بما تكشفه من مشاعر وأحاسيس على امتداد سنوات تميزت بنشوب حروب كثيرة في الداخل والخارج.

والجدير ذكره ان بلزاك كان قد أشار الى أهمية "لوشاريغاري" منذ العام 1842 في دراسة له عن الصحافة الباريسية حيث قال : "ستكون هذه المجموعة من أهم المجموعات في عصرنا".

في فرنسا برز أيضاً "غافارين" 1804 ـ 1866 و"غرانفيل" 1803 ـ 1847 و"دورية" 1832 ـ 1883.

وفيما كان الكاريكاتور الباريسي المتخصص بالصورة المبالغ فيها، اذ تحمل الشخصية رأساً ضخماً على جسد صغير، لجأ الرسامون في برلين الى الميثولوجيا والشعر الكلاسيكي والاعمال الفنية القديمة من أجل اجراء بعض التعديلات على شخصياتهم.

ويعتبر العام 1848 عام ولادة الصحافة السياسية الساخرة في برلين، وفيما رفعت "لوشاريغاري" لواء الضحك، كانت صحيفة "كلادر أتش" أكثر جدية، وكاشعارها "الرأي العام هو نحن".

وتحدت السلطة التي كانت تحاول فرض رقابة مشددة على الصحافة بعد فشل الثورة
ومن الفنانين الألمان الذين أبدعوا في "كلادر أتش" نذكر "ويلهلم شولتز"، الذي رسم في عدد 48 لعام 1862 نابليون الثالث وبسمارك في كاريكاتور عنوانه "الاستاذ والتلميذ"
كما نذكر من الفنانين الألمان "تسيلي" 1858 ـ 1929) الذي رسم في إيلنشبيغل و"كولويتس" 1867 ـ 1945) الذي برع في استقراء بعض الأحداث التاريخية في ألمانيا وترجمتها بأسلوب سلس.

أما روسيا فقد قدّمت عدة فنانين لافتين منهم : "أرلوفسكي" 1777 ـ 1832 و"فينتسيانوف" و"ستميلكوف" 1819 ـ 1890 و"فيدوتوف" 1815 ـ 1852
أما الأبرز الذي ترك بصمة فعلية في روسيا فهو "ستيبانوف" 1807 ـ 1877
وطبعاً لم تكن أميركا بعيدة عن الحركة الكاريكاتورية، فظهر فيها "دوف" و"دوليتك" و"تشارلز" 1776 ـ 1820، و"كلي" 1799 ـ 1857 و"كيبلر" 1838 ـ 1894 و"ناست" 1840 ـ 1902، وأسماء كثيرة ازدادت ككرة الثلج مع تطور وسائل الطباعة وعدد الصحف في العالم
وما ذكرناه من أسماء كان كافياً ليشكل دعامة يبنى عليها الكاريكاتور ويتطور وتتشعب ميادينه.

في الوطن العربي، كانت مصر هي ساحة الكاريكاتير العربية الرئيسية، وكانت لبنان ساحته الأهم في المشرق العربي؛ نظرًا لانتشار وتطور الصحافة في هذا البلد العربي، وهامش الحرية الذي تمتعت به على مدى فترات تاريخية، قبل غيرها من البلدان المشرقية، وكان أول من رسم وكتب تعليقات كاريكاتيرية في الوطن العربي الصحفي "يعقوب صنوع"، وأصدر جريدة أسماها "أبونضارة".

وشهدت الصحافة المصرية أهم مدرسة كاريكاتير عرفتها الصحافة العربية ؛ وذلك مع انطلاق مجلة "صباح الخير" عام 1956؛ التي تخرج فيها "صلاح جاهين"، و"جورج البهجوري"، و"ناجي العلي"، و"بهجت عثمان"، وكان هؤلاء هم الدفعة التي غيرت وجه الكاريكاتير العربي في أوائل الخمسينيات؛ فقد نجحوا في ابتكار شخصيات عبروا من خلالها عن همومهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، وجعلوها دعوة للتغير والتحرر من السيطرة المستبدة للحكام.

وحسب المتتبعين فان العديد من فناني الكاريكاتير في الوطن العربي يشكون من غياب المنبر الحر، الذي يستطيع أن يحمل سخرية الكاريكاتير وانتقاداته المرة؛ فأغلب الصحف والمجلات العربية التي يعمل بها هؤلاء، لا تُعني إلا بالجانب الجمالي من الرسوم.

ويبقى الفلسطيني "ناجي العلي" شهيد الكاريكاتير الذي استخدم رسمه كشكل من أشكال التعبير السياسي؛ حين تم اعتقاله من قبل أفراد المكتب الثاني المخابرات اللبنانية، وكان يرى أن مهمة رسام الكاريكاتير السياسي مهمة تبشيرية ـ على حد قوله ـ لصعوبة فرض رقابة على رسم الكاريكاتير، وقد اغتيل في لندن عام 1987 بسبب سخرية رسومه من بعض الأوضاع السياسية.




تابعونا على فيسبوك