ينظم "مركز ارتياد الآفاق للأدب العربي" خلال الفترة من 11 إلى 14 فبراير الجاري في العاصمة السودانية الخرطوم الندوة السنوية الثالثة "الرحالة العرب والمسلمون اكتشاف الذات والآخر" والتي يناقش فيها أكثر من 50 باحثا وأكاديميا وفنانا عربيا أدب الرحلة العربية في
ويتضمن برنامج الندوة ثلاث كلمات افتتاحية لنائب الرئيس السوداني ووزير الثقافة السوداني والشاعر نوري الجراح المشرف على المركز العربي للأدب الجغرافي التابع لمركز ارتياد الآفاق.
وقال الشاعر الجراح إن محاور البرنامج تدور كلها حول السودان في مدونات الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين ومناهج هؤلاء في التعريف بجغرافية السودان ومدنها وكذلك سرديات العبور التاريخية وأسلمة سلطنة الفونج في القرن السادس عشر الميلادي.
وتتناول هذه المحاور محطات التواصل الثقافي بين المغرب والسودان من خلال الرحلات والحواضر والطرق الصوفية إضافة إلى الحضور الواسع لنهر النيل في كتابات الرحالة والجغرافيين ومحاولة اكتشافهم لمنابع النيل الأبيض أيام محمد علي باشا الكبير .
وتتطرق الندوة كذلك إلى رؤية السودان لدى الآخر الشرقي والآخر الغربي وأيضا إلى الملامح الاثنوغرافية والثقافية القديمة والحديثة من خلال أبحاث في أدب الرحلة لابن خلدون ولسان الدين ابن الخطيب وعبدالرحمن الكواكبي وغيرهم .
ويقدم حفيد الكواكبي خلال الندوة شهادة حول استرقاق طفلة سودانية في عهد جده
كما يقوم فريق من مركز ارتياد الآفاق بمحاولة البحث عن أقربائها في منطقة سنار
ويحيي عدد من الفنانين السودانيين والعراقيين من بينهم العراقي احمد مختار والموسيقار السوداني حافظ حفلا موسيقيا كبيرا بهذه المناسبة وتقام إلى جانب الندوة عدة معارض أبرزها معرض الرحلة العربية في ألف عام.
ويتم فيه عرض مئة كتاب من انجازات المركز العربي للأدب الجغرافي ودار السويدي وتغطي جميعها عشرة قرون من الإبداع في أدب الرحلة منذ رحلة ابن فضلان إلى بلاد الصقالبة "روسيا اليوم" وحتى رحلات الربع الأول من القرن الماضي إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا.
كما يقام معرض "صور على خطى ابن بطوطة" وهو عبارة عن مائة صورة التقطها أحد مصوري ارتياد الآفاق في عدد من الدول العربية وهي مزودة بشروحات وتعليقات مأخوذة من رحلة ابن بطوطة إلى هذه الدول.
ويقام كذلك معرض صور للمدن والأماكن السودانية القديمة ومعرض الرحلة والرحالة كما ستعقد في عدد من المواقع والمدن التاريخية أمسيات أدبية يقرأ خلالها بعض أدباء الرحلة المعاصرين مقاطع من أعمالهم.
ويتم خلال الندوة إصدار سبعة كتب ستة منها حققها المركز وتتعلق جميعها بالرحلة عبر ومن ونحو القارة الإفريقية والسودان على وجه الخصوص أما الكتاب السابع فهو عبارة عن مجموعة أبحاث الندوة 725 صفحة التي ستتناول السودان وافريقيا في مدونات رحالة الشرق والغرب.
من جهة أخرى، لفت محمد أحمد السويدي إلى أن مركز ارتياد الآفاق هو المركز العربي الأول الذي ينشط في مجال أدب الرحلة حيث يوجد لديه نخبة كبيرة من الأكاديميين والمؤرخين المعنيين بأدب الرحلة على امتداد العالم.
كما يرسل بعثات لرحالة حول العالم ويمنح جوائز مسابقة ابن بطوطة السنوية المخصصة لتحقيق المخطوطات والدراسات في أدب الرحلة وكتابة الرحلة المعاصر إضافة إلى جائزتي التصوير الفوتوغرافي وترجمة أعمال الرحلة إلى اللغات الأجنبية.
أشار السويدي إلى العلاقات الجيدة والصلات القوية التي تربط بين المركز والمؤسسات الثقافية المماثلة في أوروبا موضحا أن ذلك من شأنه ان يعزز التقارب الثقافي والحوار المثمر بين الحضارات وصولا إلى الفهم الجيد والصحيح للآخر وتصحيح المعلومات المغلوطة والأفكار المسبقة عنه.
وأكد ان على مركز ارتياد الآفاق وعلى غيره من المراكز والمؤسسات الأخرى العاملة في الحقل الثقافي دورا مضاعفا الآن في هذا الاتجاه في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها العالم شماله وجنوبه شرقه وغربه وهي الأوضاع التي تزخر بالعنف والاحتقار والنظرة الدونية وسوء الفهم إلى جانب الفقر والظلم وعدم العدالة والمساواة.
تقوم الندوة التي ستستمر أعمالها أربعة أيام متتالية على مجموعة من المحاور هي : المحور الأول : "السودان في مدونات الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين"، وقد وقفت أوراق البحث في هذا القسم على أخبار النوبة والبجة في مصنفات الجغرافيين العرب خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين، ومنهج الرحالة المسلمين في التعريف بالأمصار من خلال الجغرافية السودانية، والمدن السودانية في كتابات الجغرافيين والرحالة المسلمين والعرب، وحول سرديات رحلات العبور التاريخية وأسلمة سلطنة الفونج في القرن السادس عشر.
المحور الثاني في الندوة، "السودان وإفريقيا في مدونات رحالة الشمال الإفريقي"، وبحوثه ركزت على محطّات من التواصل الثقافي بين المغرب والسودان من خلال نصوص وعلامات هي رحلات وحواضر وطرق صوفية.
واستطلعت السودان الشرقي في عيون الرحالين المغاربة انطلاقاً من الحركة عبر ميناء عيذاب على البحر الأحمر ويقرأ بحثٌ تجليات رباط التثاقف والوصال بين المشرق وإفريقيا في رحلات الرحالة الشناقيط.
ولا تهمل البحوث ما للصوفية وطرقها وحركتها من أثر في تأسيس النص الرحلي عبر السودان، لاسيما بينه وبين الشمال الإفريقي، وهناك بحوث مكرسة لهذه الغاية منها البحث في الزياري والصوفي من خلال نص "أزهار البساتين في الرحلة إلى السوادين" للمغربي محمد بن أبي بكر محمد الشابي البيضاوي.
المحور الثالث : نهر النيل، وفيه ثلاثة بحوث، الأول رصد واسع لحضور النيل في كتابات الرحالة العرب والمسلمين، والثاني بمثابة مقدمة تكشف عن أقدم محاولة شرقية لاستكشاف منابع النيل الأبيض، وهي البعثة التي أرسلها محمد علي باشا الكبير لاستكشاف منابع النهر سنة 1939، بقياد الباكباشي سليم قبودان، والثالث حول مكتشفي منابع النيل الأوروبيين.
المحور الرابع : "السودان لدى الآخر الشرقي والآخر الغربي : تجارب ورؤى مختلفة"، وفي هذا المحور خمس دراسات غطت جوانب مختلفة من خلال أزمنة ورؤى مختلفة، ويرصد بحث رحلة حنون في القرن الخامس قبل الميلاد كهمزة وصل قديمة بين المشرق العربي والشمال الإفريقي من خلال علاقة قرطاجة باللوبيين.
ويلقي هذا المحور الضوء أيضاً على الأرمادا الصينية ووصولها إلى سواحل إفريقيا بقيادة الأميرال الصيني المسلم جينغ خيه الذي قام بسبع رحلات بحرية قبل 600 سنة قاد خلالها أضخم أسطول بحري تجاري في التاريخ الوسيط، ويتناول بحثٌ دور الرحالة المسلمين في الكشوفات الأثرية في السودان من خلال رحلة أوليا شلبي لمنطقة المحسن 16711670، وتلقي رحلة الفارسي ناصر خسرو في كتابه "سفر نامة" الضوء على بلاد النوبة والسودان، بينما تشكل رحلة الألماني ألفرد إدموند بريم العلمية
1847/1852 إلى السودان نموذجاً لرحلات الرحالة الألمان في القرن التاسع عشر إلى الجغرافية الإفريقية، وخصوصاً السودان.
المحور الخامس في الندوة "ملامح إثنوغرافية وثقافية قديمة وحديثة" يتضمن مجموعة متفاوتة من الأبحاث التي تتناول أدب الرحلة في مستويات فكرية وتاريخية وأدبية جمالية، ومن خلال أسماء وعلامات تتصل غالباً بالجغرافية الإفريقية : الرحلات العربية : النص وخطاب الهوية، دائرة الخيال في مصر ابن بطوطة، ملامح سير ذاتية في رحلة "نُفاضة الجِراب" للسان الدين بن الخطيب، ابن خلدون : من أفق المغرب إلى أفق المشرق : قراءة في رحلته، ارتسامات ومشاهدات سفير مغربي في بلدان المشرق العربي، وأوضاع الولايات العربية العثمانية في القرن الثامن عشر، رحلة الأمير فخر الدين المعني الثاني إلى إيطاليا 1612 واغتيال مشروع نهضوي شرقي مبكر، مسألة الاسترقاق في التفكير العربي، وتجربة شخصية للمفكر الشهيد عبد الرحمن الكواكبي مع الطفلة السودانية المسترقة في حلب حجاب النور .
أما المحور السادس فهو حدث مؤثر ستشهده الندوة وستشهد الندوة بعض الظواهر المهمة منها شهادة حول العبودية سيقدمها سعد زغلول الكواكبي حفيد المفكر النهضوي الكبير عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتابي "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، و"أم القرى"، والذي اغتيل في القاهرة سنة 1902، والشهادة تتعلق بطفلة سودانية اسمها حجاب النور حررها الكواكبي من العبودية لدى أسرة حلبية، وطلب منها أن تقرر ما تفعله بحريتها فطلبت أن تعيش في بيته لكونها لا تعرف الطريق إلى أهلها، وكانت قد استعبدت عبر ميناء جدة في الجزيرة العربية، وأصلها من مدينة سنار .
الكواكبي الحفيد سيروي تجربته مع هذه السيدة التي ربته صغيراً وتوفيت ودفنت في حلب سنة 1946، وسيقوم فريق من الباحثين في "ارتياد الآفاق" بمحاولة البحث عن أقرباء هذه السيدة في سنار.
وتشهد الندوة أيضاً افتتاح معرض كتب تحت عنوان : "الرحلة العربية في ألف عام" ويضم حوالي المئة كتاب من إنجازات "المركز العربي للأدب الجغرافي ودار السويدي" من كتب أدب الرحلة التي تغطي 10 قرون من الإبداع في هذا الحق بالعربية منذ أن أوفد الخليفة العباسي المقتدر بالله مندوبه ابن فضلان على بلاد الترك والصقالبة الروس اليوم وحتى رحلات الربع الأول من القرن العشرين إلى أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا.
معرض يضم مائة صور التقطها الفنان الفوتوغرافي العماني بدر النعماني في إطار بعثة "ارتياد الآفاق" إلى تركيا، المغرب، عمان، الجزائر على خطا الرحالة شمس الدين الطنجي.
وقد زودت الصور بشروح وافية وتعليقات منتزعة من رحلة ابن بطوطة وملاحظاته في الأمكنة نفسها.
وإلى هذين المعرضين ومعرض الرحلة والرحالة سيحيي الموسيقار أحمد مختار أكثر من أمسية خلال انعقاد الندوة، وكذلك فرق وموسيقيون سودانيون سيقدمون أعمالاً موازية تعكس كلها لقاء الثقافات العربية والإفريقية عبر أدب الرحلة .