ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثامنة والثلاثين أقيمت مجموعة من الاحتفاليات الثقافية برواد التجديد الشعرى فى مصر وذلك في المقهى الثقافي الذي يشرف عليه حسن سرور .
بدأت باحتفالية عن الشاعر الراحل أمل دنقل شارك فيها الناقدة عبلة الرويني والشاعرة فاطمة قنديل والتي أكدت أن أمل واجه بشعره فترة الانكسار القومي بعد نكسة 1967 وما قبلها، وكانت قصائد مثل "كلمات سبارتكوس الأخيرة"و"لا تصالح"تأكيدا لهذا الجانب، حيث رفض التنازل عن مبادئه ولم يركن إلى المؤسسة السياسية أو الثقافية، بل كان يستمد قوته من القصيدة التي يكتبها.
وأضافت د فاطمة قنديل : أن دنقل حاول أن يجرب ما أسمته بـ "الحس الأوركسترالي"من خلال مزج الأصوات، ثم بدأ ينحاز الى القصيدة المشهدية مستخدما تقنيات الكولاج مما يمكن أن نعده بإرهاصات أولية لقصيدة النثر التى انتشرت بعد ذلك نرى ذلك الاستخدام يظهر ـ بوضوح ـ في قصيدة "موت مغنية مغمورة"وفي قصيدة "رباب"حيث نجد الولع بالتفاصيل الصغيرة للأشياء، كذلك في قصيدة "يوميات كهل صغير"نحس بالرؤية الكاشفة لعالم البسطاء والمهمشين.
وعن الجوانب الشخصية فى حياة أمل دنقل قالت عبلة الروينى المأزق الذى اهرب منه عند الحديث عن أمل أنني كنت زوجته، وقد تصورت قبل الزواج أن زوجة الشاعر هي مادة شعره، وان ما يكتبه من قصائد ستكون مكتوبة عني، واكتشفت بعد الزواج أن زوجة الشاعر آخر من يصلح كمادة لشعره، ومن الغريب أن أمل لم يكتب عن المرأة بصفة عامة، فالمرأة ليست موضوعاً رئيسيا في شعره، كذلك فهو عكس ما يقوله النقاد من كونه شاعرا قوميا تشغله البطولة واستدعاء الشخصيات الكبرى إنما هو شاعر شغلته قضية الإنسان المهمش وبالتالي فالمرأة هي جزء من منظومة كتب عنها ومنها ولها.
وأضافت الرويني : لقد عاش أمل فترة الطفولة محروما من عاطفة الأبوة فتعلم معنى الرجولة منذ نعومة أظافره ولذا حين يصف المرأة تتجلى صورة أمه بقوة تحملها على مصاعب الحياة.
أما الاحتفالية الخاصة بالشاعر صلاح عبد الصبور فشارك فيها د صلاح فضل، ود منى طلبة، وأدارها الناقد د محمد عبد المطلب والذى اشار فى حديثه إلى أن أهم ما تميزت به شاعرية عبد الصبور هى كونها شعرية مفتوحة تفتح فضاءات دلالية شاسعة، حيث يمكن أن نعتبره شاعراً كونيا.
وأكد د صلاح فضل أن عبد الصبور قد توقف قلبه وهو يحاور أصدقاءه، بعد أن قرأ لهم آخر قصائده، فقد كانت الأحداث السياسية والاجتماعية فى مصر فى ذلك الوقت تخترق قلبه ووجدانه، فى حين أن الكثيرين ظنوا أن المسألة لعبة، وهذا يضعنا أمام تجربة غاية في الحساسية لشاعر آمن بقضية الوطن، وقضية الإنسان.
وأضاف د فضل : بالإضافة إلى دوره الشعري والثقافي الرائد الذي أثرى حياتنا المصرية والعربية فقد كان قارئا نهما، وكان راعيا حقيقيا للصحافة الأدبية، ونذكر في ذلك جهوده في تطوير مجلة "فصول«، بالإضافة إلى أنه كان محركا نشطا للحياة الأدبية والفكرية، وكان راعيا لكثير من الشعراء، فقد شاهدته وهو يبذل جهودا مضنية لعلاج الشاعر الراحل أمل دنقل، ورأيته وهو يتبنى حركة نهضة المجتمع عن طريق سعيه الحثيث في الحياة والفكر ونشر إبداعات الأدباء والمفكرين من خلال عمله كرئيس للهيئة المصرية العامة للكتاب، وما زلت أؤمن بأن صلاح عبد الصبور هو أكثر شعراء هذا العصر الذين ما زلنا نستظل بظله حتى اليوم .
وعن التيمات الفنية في قصيدة عبد الصبور توقفت د منى طلبة عند مقولة رددها كثير من النقاد، وهى كونه "شاعراً فيلسوفا"حيث ذهب البعض أنه شاعر وجودى كإليوت والبعض نسبه إلى النزعة الصوفية والشكل الصوفي المتوحد الحزين.
وأضافت د منى طلبة : لفت انتباهي أن معظم أشعار عبد الصبور تنتمي إلى الشكل الدرامي التحاوري مع الآخر ومساءلته عبر كل القصائد في دواوينه المختلفة، وهذا الآخر حاضر بقوة، ويدور في الأغلب في ثلاث كلمات "الصاحب والرفيق والأخ".
وإذا كان أرسطو يقول في كتاب "الأخلاق"إن المشرعين يولون اهتماما للصداقة أكثر من العدالة، فإن الحب يجعل الناس يستغنون عن القوانين بينما لايستغنون بالقانون عن الحب، فإن عبد الصبور ابتعد عن المقولات السياسية، واتجه معجمه إلى تعميق الناحية الإنسانية فنراه يخاطب الحبيبة في ديوان "الناس في بلادي"قائلا : الليل يا صديقتي فالمرأة التي يحبها هي الصديقة لأن الصداقة علاقة، أبقى وتنتمي إلى الخلق الروحي أكثر من انتمائها للمصلحة أو الحاجة، هذه الصديقة التي يبحث عنها ــ دائما ــ ليست موجودة في أغلب الأحيان مما جعله حزينا، ولذلك نراه في ديوانه "أحلام الفارس القديم": حينما التقينا يا حبيبتي أيقنت اننا مفترقان وحين يخاطب أصحابه نراه يلجأ ــ عادة ــ إلى التراث فهم أصدقاء يجمعهم إحساس واحد بهزيمة الوطن : إن قلت للصاحي انتشيت يقول كيف؟ هم أصدقاء اجتمعوا على الشعور بالندم لا تبكنا أيها المستمع السعيد وأحيانا ما تمتد الصداقة إلى كل ما هو إنساني فنراه يقول في قصيدة "مرثية الرجل التافه": وكان موته الغريب باهتا منتظراكان بلا أهل ولا أصحاب.
حتى في تلبسه لثوب الحكمة في ديوان "أقول لكم"نراه يقول : فاحكي حكمتي للناس للأصحاب للتاريخ فقد ارتفع بالصداقة إلى العقيدة الاجتماعية إلى وطن تتساوى فيه العلاقة مع المرأة كما تتساوى العلاقة بالآخرين أو الإنسان في أي مكان في العالم .