صرح مسؤول بمديرية السجون وإعادة الإدماج أن عدد المستفيدين من الرخصةا لاستثنائية بلغ 64 مستفيدا، وهو ما يشكل نسبة تزيد عن 60 في المائة، بالمقارنة مع العدد الذي سجلته المديرية في هذا الصدد العام الماضي، إذ بلغ عدد الذين استفادوا طيلة سنة 2005 من هذه الرخصة،
وقال المسؤول المطلع إنه لم يحدث أن فر أو امتنع أحد هؤلاء السجناء الذين استفادوا من هذه الرخص عن العودة إلى السجن حيث عليهم إتمام ما تبقى من العقوبة التي هم محكومون بها، وأوضح أن ذلك ما شجع الإدارة على الاستمرار في نهج هذا الإجراء الذي يدخل في إطار فلسفة أنسنة السجون التي أخذ المغرب ينهجها، خلال السنوات الست الأخيرة.
وبمقتضى هذه الرخصة الاستثنائية، التي ينص عليها القانون المنظم للسجون رقم 98 ـ 23، يستفيد السجين الذي تتوفر فيه مجموعة من المواصفات من رخصة استثنائية لمدة عشرة أيام يقضيها بين أهله بمناسبة أحد الأعياد.
ولاحظ المتتبعون لأوضاع السجون المغربية أنه في الوقت الذي كانت فيه بعض السجون حاضرة بقوة في هذه العملية، إذ استفاد عدد من نزلائها من هذه الرخصة، ظل نزلاء عدد آخر من المؤسسات بعيدين عن الاستفادة من هذا البند، وعلق أحد المسؤولين بأحد السجون قائلا "إن عدم تسجيل أي تهاون وسط السجناء الذين غادروا السجون بمقتضى هذه الرخصة، وعودة جميع المسفيدين منها بعد انتهائها إلى المؤسسات التي غادروها، ستشجع جميع المسؤولين عن المؤسسات السجنية، على اقتراح بعض النزلاء للاستفادة من تلك الرخصة" وأضاف أن هذه الدينامية "ستشجع أيضا النزلاء على تحسين سلوكاتهم، والانخراط في التأهيل والتكوين".
رقم قياسي بمركز الإصلاح والتهذيب
استفاد 27 نزيلا بمراكز الإصلاح والتهذيب من الرخصة الاستثنائية، إذ استطاع هؤلاء قضاء مناسبة عيد الأضحى بين ذويهم الذين أقاموا بينهم 10 أيام كمدة لهذه الرخصة
فتاح أيت التامي رقم الاعتقال 8527 وعماد مذكر رقم الاعتقال 11040 وعبد الصمد بوستة رقم الاعتقال 10786 وزكريا العوكي رقم الاعتقال 10590 وهشام الناجم، هم نزلاء مركز الإصلاح والتهذيب بالدار البيضاء، أفادوا أن السماح لهم بقضاء عيد الأضحى خارج السجن في إطار هذه الرخصة، قد أدخل الفرح والسرور والبهجة إلى قلوبهم وقلوب ذويهم.
وصرح جميع هؤلاء أن الأمر كان مفاجئا لهم ولأسرهم، وقالوا إنهم اغتنموا هذه الفرصة لزيارة أقاربهم وذويهم، وأوضح فتاح أيت التامي أنه حين مغادرته السجن توجه إلى بيت جده بمدينة أبي الجعد، ولم يكن بإمكانه التوجه إلى بيت والديه لبعد المسافة، موضحا أنهما يقيمان بالداخلة، وعبر عن سعادته لرؤيتهما، إذ قدما من هذه المدينة لمشاركته فرحته، التي حرص على تخليدها بأخذ عدة صور.
وأجمع هؤلاء النزلاء بعد عودتهم من جديد إلى السجن على أنهم اغتنموا الفرصة، وزاروا جميع الأهل والأحباب، وبعضهم اعتبر هذه الرخصة مناسبة لارتياد دور السينما، بينما حرص عبد الصمد بوستة على زيارة قبر والده، وأعلن هشام الناجم أن الرخصة التي استفاد منها مكنته من الذهاب إلى الحمام الشعبي الذي اشتاق إليه كثيرا، وكان الذهاب إلى البحر ولعب الكرة والتجول مع الأصدقاء القاسم المشترك بين جميع الذين التقتهم "الصحراء المغربية".
وأكدوا جميعا أن أفراد عائلاتهم والجيران اعتقدوا بأنهم أطلق سراحهم نهائيا، قبل أن يوضحوا لهم الأمر، وهو ما أثار استغراب هؤلاء لهذا الإجراء الذي وصفوه بالممتاز والعظيم والرائع حسب إفادات المستفيدين الذين التقيناهم.
عبد الصمد بوستة أحرجه الترحاب الذي حفه به الجيران، فلم يجرؤ على إخبارهم بحقيقة الأمر، إذ حين انتهت مدة الرخصة وهم بالعودة إلى السجن، أخبر الجميع أنه سيسافر إلى إحدى المدن من أجل الراحة، وحدد مدة سفره في الفترة التي تفصله عن إطلاق سراحه وانتهاء مدة العقوبة، وقال معلقا "هل أقول لهم إني سأعود إلى السجن".
وحول شعور هؤلاء السجناء وقد حان موعد العودة إلى السجن، قال زكريا العوكي "لا أحد يحب أن يذهب إلى السجن برجليه، لكن كان لابد من العودة، لأن مغادرتي السجن كانت مؤقتة، وفي إطار الثقة التي وضعت في" .
أما عماد مذكر الذي ستنتهي مدة عقوبته بعد أقل من شهرين، فقد انخرط في بكاء شديد وهو يهم بدخول باب مركز الإصلاح والتهذيب بالدار البيضاء، وهو ما اعتبرته أسية الوديع المسؤولة عن الإصلاحيات مراكز الإصلاح والتهذيب بالمغرب، إيجابيا، إذ بينت أن بكاء عماد يعكس وعيه بجسامة الحرمان من الحرية، وخطورة أي فعل من شأنه أن يقوده مستقبلا إلى السجن.
قبل مغادرته بيت أسرته وهو في طريق العودة إلى السجن، قال هشام الناجم، الذي شكلت الرخصة الاستثنائية أمامه فرصة لتناول الماكارونيا والرفيسة كأحب الأكلات إلى قلبه، قال لأسرته مطمئنا إياها "إنني بخير حيث أقيم، وتجربة السجن أفادتني كثيرا، فقد تعلمت مهنة الحدادة والتلحيم، وانقطعت عن تناول الحبوب المهلوسة".
نشاط عمر الذي يبلغ من العمر 62 سنة، لم يتذكر رقم اعتقاله، وقال إنه استفاد من الرخصة الاستثنائية لثاني مرة، الأولى بمناسبة عيد الفطر والثانية بمناسبة عيد الأضحى، وأعلن أنه أحس إحساسا عارما وهو يعيش لحظات الحرية تلك، إذ استقل الحافلة كما الجميع وسافر لرؤية أفراد أسرته بابن سليمان، حيث عاش طقوس العيد ونحر الأضحية، ثم سافر إلى إموزار لرؤية ابنيه اللذين يقيمان بهذه المنطقة.
نشاط عمر الذي تقدم بطلب السراح المقيد منذ فترة، يشرف بإصلاحية عكاشة على تدريب النزلاء الأحداث على حرفة النجارة وصناعة الآلات الموسيقية كالكمان والعود والقيتارة، وبدوره اغتنم فرصة الرخصة فتوجه إلى البحر للتمتع برحابته وزرقته الممزوجة ببياض الأمواج، وقال "عدت بعد انتهاء الرخصة ولم أشعر بالقلق"، وأكد نشاط أن الرخصة الاستثنائية التي تمكن السجناء من قضاء عشرة أيام مع ذويهم ثم العودة إلى السجن لإتمام ما تبقى من العقوبة، "تبدو غريبة في رأي عامة الناس"، مشددا على تثمين هؤلاء لهذه المبادرة بمجرد معرفتهم بها.
مستفيد واحد من السجن المركزي
لعزيز بوراس صاحب ثلاث دراسات أنجزها داخل السجن، والحاصل على إجازتين ويحضر لإجازة ثالثة، شكل الاستثناء بالسجن المركزي بالقنيطرة، إذ استفاد بمناسبة عيد الأضحى من الرخصة الاستثنائية، التي وصفها بـ "الثقة"، وقال في رسالة شكر وجهها عقب عودته للسجن، إلى محمد عبد النبوي المدير العام لمديرية السجون وإعادة الإدماج، إن "هذه الثقة مكنتني من توطيد وتقوية جسور التواصل مع المجتمع من جديد، وكان لذلك أثر بليغ على نفسيتي ومعنوياتي" وحدد إيجابيات التمتع بهذه الرخصة الاستثنائية في "إحياء صلة الرحم وتجديد العطف والحنان غايته تحقيق توازن نفسي وروحي جديدين.
وإبرام عقد المصالحة مع المجتمع بعد المصالحة مع الذات، والتواصل مع جميع مكونات المجتمع استعدادا لعودة ميمونة وموفقة، وتقديم الاعتذار لأكبر عدد من النساء، والاطمئنان على وضعية نفسيتي المستقرة، ومكانتي الاجتماعية، ودراسة المحيط الذي سيؤويني بعد الإفراج عني، حتى أتمكن من الاستجابة لمطالبهم، والتفكير في الانطلاقة الأولى لبناء مستقبل أفضل ومستقر، والاستعداد للاندماج في الحياة الطبيعية بشكل جدي وقياسي، من أجل المنفعة العامة والخاصة، والتأكيد على الدور الفعال والقوي الذي تنجزه الجهات المسؤولة عن القطاع السجني في علاقته بالتثقيف، والتكوين الجامعي والمهني في حق النزلاء، والطعن في الصورة السوداوية التي يحملها البعض، خاصة الأجانب، حول وضعية وواقع المؤسسات السجنية بالمغرب".
وكتب لعزيز بوراس في الرسالة ذاتها، "وضعت رجلي اليمنى خارج الباب الرئيسي، اخترق نسيم الحرية كياني، كان إحساسي فوق طاقتي الطبيعية، انحنيت إجلالا لهذه النعمة الإلهية، شاكرا شخصكم الفاضل ومعالي وزير العدل معترفا بفيض كرمكما".
وفي تصريح لـ "الصحراء المغربية" وهو خارج السجن، قال لعزيز "أصبت بدوار وأنا أتلقى خبر استفادتي من تلك الرخصة، قضيت ليلتي مبعثرا، تتقاذفني التساؤلات، لدرجة أني نسيت أن آخذ معي الرخصة" وأضاف وهو يعبر عن اندهاشه لرؤية خارج الأسوار "حين صفعني تيار هواء الحرية بدا لي الفرق بين الوضعين فرددت "حنا مقولبين" أقصد مغمورين"، وأعلن أنه استطاع استرجاع العديد من الذكريات طيلة المسافة التي تفصل مدينتي القنيطرة والناظور، وقال "شعرت أني قوي وأني متميز، وأن هذه الفرصة التي أتيحت لي فيها زخم الرحمة والشفقة والاعتراف بالمجهود، وأني حظيت بثقة كبيرة، كما حظيت أسرتي بنفس الثقة".
وفي حديثه عن والدته أعلن أنه ارتوى من حنانها المتدفق، خصوصا وأنه لم يكن يراها إلا مرة كل أربع سنوات، وأعلن أنه عند ملاقاتها كانت العيون تدمع والقلب سعيد، و"أركان روحي وأعمدة جسدي ارتوت بعناقها، فتمنيت لو قطعتني والتهمتني وأنجبتني من جديد"، واسترجع لعزيز ذكريات حيه وسكانه قائلا "أبناء الجيران الذين تركتهم رضعا، هم اليوم رجال، لم أواكب نموهم، وهو ما أجج في نفسي الحنين إلى تلك المرحلة" وأعلن أن عمر الرداد قدم من فرنسا خصيصا لزيارته ودعمه ماديا، اعترافا بالدعم الذي كان بوراس يخصه به، وأكد أن عمر الرداد رفقة ثلاثة أجانب استغربوا للواقع الذي توجد عليه اليوم السجون المغربية، إذ لم يصدقوا بسهولة أنه في رخصة استثنائية وسيعود إلى السجن، وأنه تمكن من إحراز شواهد جامعية من قلب السجن، وأنجز دراسات، ويخضع اليوم للتكوين في مهنة كهرباء البناء.
بسجن عين علي مومن تقدم أربعة نزلاء بطلب الاستفادة من هذه الرخصة، لكن لم يشمل أيا منهم هذا القرار، وعين علي مومن نموذج لعدد من السجون التي لم يستفد نزلاؤها من الرخصة الاستثنائية بمناسبة عيد الأضحى.